أفادت دراسة حديثة بأن نسبة كبيرة من الأمريكيين البالغين يرون أن المبخر الإلكتروني Vaper أو السجائر الإلكترونية تحمل نفس درجة الخطورة التي تحملها السجائر العادية، بل وربما أكثر منها.
وتعرض النتائج مدى صعوبة معرفة الأخطار الحقيقية للسجائر الإلكترونية، ولا سيما في ظل استمرار باحثي الصحة العامة في العمل على التوصل إلى ماهية بعض الأخطار الحقيقية لهذه السجائر.
ويتعلق جزء من التحديات التي تعترض جهود التوصل إلى نتيجة معادلة «مخاطر ومزايا» السجائر الإلكترونية بهوية الأشخاص الذين يستخدمونها.
لعل التحول التام من السجائر العادية المشتعلة إلى السجائر الإلكترونية أقل خطراً بالنسبة للبالغين.
لكن ذلك لا يعني أنها آمنة تماماً؛ إذ إن المباخر الإلكترونية لم تنتشر لمدة طويلة بما يكفي لمعرفة الأضرار التي يمكن أن تشكلها على المدى الطويل.
وفي اللحظة الحالية، ثمة رقابة تنظيمية قليلة على مكوناتها أو بطارياتها، التي تنفجر في بعض الأحيان، وإن كان ذلك نادر الحدوث.
أما على صعيد الفئة العمرية التي تقل عن 18 عاماً من غير البالغين، فلا ينبغي لهم بكل تأكيد تدخين المباخر الإلكترونية بسبب احتمالات تسببها في مشاكل القلب ومشاكل الرئة، فضلاً عن إدمان النيكوتين الذي قد يفضي في نهاية المطاف إلى تدخين السجائر العادية.
مجتمع مكافحة التبغ غير متحد بشأن السجائر الإلكترونية
تبدو هذه رسالة معقدة حول الصحة العامة بصورة يصعب استيعابها، إذ تشير الدراسة التي بين أيدينا اليوم، والتي نُشرت في مجلة JAMA Network Open الطبية 29 مارس/آذار 2019، إلى أن بعضاً من محتوى هذه الرسالة يضل الطريق عند إخراجه من السياق الطبي المهني إلى السياق الذي يمكن استيعابه عن طريق الجمهور.
من المفهوم أن الجمهور لا يعرف الطريقة الملائمة للتعامل مع هذه النوعية من السجائر؛ لأن العلم لا يزال يتطور، وذلك حسب قول جيديون سانت هيلين، وهو باحث في التبغ بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو لم يشارك في إعداد الدراسة.
يقول هيلين: «لا يبدو أن مجتمع مكافحة التبغ متحد حول رأيه في السجائر الإلكترونية. يعتقد بعض الناس أن السجائر الإلكترونية سيئة، ويعتقد أشخاص آخرون أنها أشبه بالظهور الثاني للمسيح».
انقسام في رأي الجمهور أيضاً حول ضررها
أراد جيدونغ هوانغ، وهو أستاذ مشارك في قسم سياسة وإدارة الصحة في جامعة ولاية جورجيا، معرفة مدى استيعاب الجمهور للمباخر الإلكترونية.
ويقول لموقع The Verge: «لا نعرف ما يفكر فيه الأمريكيون الآن بشأن السجائر الإلكترونية. هل يعتقدون أن السجائر الإلكترونية آمنة، أم أنهم يعتقدون أن السجائر الإلكترونية أشد ضرراً؟» .
لذا حلل هوانغ بالتعاون مع فريق من الباحثين نتائج استطلاعي رأي مختلفين من أجل الدراسة: كان أحدهما استطلاع رأي على الإنترنت أُجري عن طريق جامعة ولاية جورجيا، فيما أجرى المعهد الوطني للسرطان استطلاع الرأي الآخر.
بدءاً من عام 2012، طرح الاستطلاعان أسئلة على آلاف البالغين عن اعتقادهم حول مدى خطورة السجائر الإلكترونية مقارنة بالسجائر التقليدية.
وجد الفريق بحلول 2017 أن كثيراً من البالغين تشكلت لديهم آراء حول السجائر الإلكترونية.
وفي كلا استطلاعي الرأي، انخفضت نسبة الأشخاص الذي اعتقدوا أن السجائر الإلكترونية أقل ضرراً من السجائر التقليدية في المدة بين عامي 2012 و 2017، وكان أكبر انخفاض لهذه النسبة بين عامي 2012 و2015.
وفي الوقت ذاته، ارتفعت نسبة الأشخاص الذين يعتقدون أن السجائر الإلكترونية تحمل نفس قدر الضرر الذي تحمله السجائر التقليدية.
وبالرغم من أن قليلاً من البالغين في عام 2017 اعتقدوا أن السجائر الإلكترونية كانت أشد ضرراً من السجائر التقليدية -4.3% في إحدى الدراستين و9.9% في الدراسة الأخرى- لا تزال هذه النسبة تمثل زيادة عن نظيرتها مع بداية الدراسة في 2012، التي كانت 1.3% في الدراسة الأولى و2.8 في الدراسة الثانية.
السجائر الإلكترونية أقل ضرراً من السجائر العادية
يقول هوانغ إن هذه النتائج تعني أن الأشخاص يفتقرون إلى الفهم الكامل لمخاطر السجائر الإلكترونية، ولا سيما مقارنة بالسجائر التقليدية (التي تعتبر، حسبما تشير مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، «خطيرة للغاية وتتسبب في وفاة نصف الأشخاص الذين يدخنون لوقت طويل»).
ويضيف: «ما نحاول أن نقوله إنه يصعب جداً في الواقع توضيحه إلى الجمهور توضيحاً دقيقاً».
يعتقد روبرت جاكلر، أستاذ طب الأنف والأذن والحنجرة في جامعة ستانفورد، أن قدراً من الحيرة تنبع من أن الجمهور يصير أكثر اطلاعاً -ولكن بدرجة متفاوتة- على الأمور المتعلقة بالسجائر الإلكترونية عن طريق وسائل الإعلام.
إذ إن مخاطر السجائر ليست أخباراً طارفة. لكن المخاطر الصحية من وراء السجائر الإلكترونية تستحق الحديث عنها؛ لذا عندما يكتشف العلماء وجود مواد كيماوية فيها يمكنها أن تتسبب في تهيج الرئة أو مشاكل القلب، أو عندما تنفجر المباخر الإلكترونية ويتسبب سائل المبخر في تسميم الأطفال، فإننا نبلغ عن ذلك.
يقول جاكلر: «يرغب أغلبنا أن يرى المدخنين البالغين يتركون السجائر المشتعلة وينتقلون إلى تدخين المباخر».
ويضيف أن الحديث عن الشواغل المتعلقة بالسجائر الإلكترونية ملائمة، لكنها قد تؤدي أيضاً إلى حيرة حول مخاطرها النسبية مقارنة بالسجائر التقليدية.
ويوضح قائلاً: «كل ما تراه باعتبارك قارئ أخبار على الإنترنت هو تقرير يلي الآخر ويكشف عن الحقائق التي تستحق الإبلاغ عنها، والتي تشير إلى أن المباخر ليست آمنة كلياً. والناس تسيء استيعاب مفهوم الآمان مقابل الأكثر أماناً».
إذ يشبّه السجائر التقليدية بقيادة السيارة على طريق سريع بسرعة 90 ميلاً في الساعة، بينما يرى أن تدخين السجائر الإلكترونية يشبه قيادةً أكثر معقولية -لكنها لا تزال سريعة- بسرعة 75 ميلاً في الساعة.
لكن هذا لا يعني أنها آمنة
يقول جاكلر: «كلا النوعين تزيد معه مخاطر التعرض للوفاة. لكن القيادة بسرعة 75 ميلاً لا تحمل نفس خطورة التعرض للإصابة أو الموت عند القيادة بسرعة 90 ميلاً في الساعة».
يقول هوانغ إن استيعاب الرسالة استيعاباً خاطئاً قد يكون خطيراً على الصحة العامة. فالمبالغة في تناول مخاطر السجائر الإلكترونية قد يشوه شيئاً يُحتمل أن يكون بديلاً أقل خطورة (لكنه لا يزال خطيراً) للسجائر التقليدية من أجل المدخنين البالغين.
إقبال المراهقين عليها يثير قلق الأطباء
وعلى الجانب الآخر، يضيف أن التقليل من المخاطر قد يزيد من أعداد المراهقين الذين يدخنون السجائر الإلكترونية.
يعني ذلك أنه من المهم تهذيب الرسائل من أجل كل مجموعة على حدة وفي قنوات محددة، حسبما يوضح هوانغ.
لذا لا ينبغي للحملات التي تُنظم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقد تصل إلى الجمهور الأصغر سناً، أن تركز على الحقيقة التي تشير إلى إن السجائر الإلكترونية قد تكون أقل خطراً من السجائر التقليدية.
لكن تلك الرسالة ربما تكون ملائمة لقراء مجلة AARP، الذي يكونون على الأرجح من المدخنين البالغين.
ويشير مؤلفو الدراسة إلى أحد القيود الكبيرة في دراستهم، وهو أن البيانات تتوقف في عام 2017، أي قبل الزيادة الكبيرة في أعداد المراهقين الذين يدخنون السجائر الإلكترونية، مما دعا كبير أطباء الولايات المتحدة إلى اعتبار المباخر الإلكترونية تمثل خطراً على الصحة.
وكان هذا أيضاً قبل أن تحوز شركة التبغ الكبيرة Altria على نسبة من عملاقة إنتاج السجائر الإلكترونية Juul مقابل 12.8 مليار دولار.
لذا يمكن أن يكون استيعاب خطر هذا النوع من السجائر قد تغير منذ ذلك الحين.
وحتى الآن لم يظهر تأثيرها على القلب والرئتين والسرطان
تتعلق مشكلة أخرى بأن أحد استطلاعات الرأي كان غامضاً في تعريف المباخر، فقد انتقلت من اعتبارها السجائر الإلكترونية إلى اعتبارها المباخر الإلكترونية التي ظهرت في السنوات اللاحقة.
قد يُصعّب ذلك من إجراء مقارنة سنوية صحيحة.
ويقول مايكل أونج، أستاذ الطب والصحة العامة في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس، إن استطلاعات الرأي لم تتعمق في تناول الطريقة التي يستوعب بها الأشخاص الأنواع المختلفة من المخاطر: مثل مشاكل القلب، والسرطان، وانفجار الأجهزة.
ومع ذلك، تدعم نتائج كل دراسة منهما نتائج الأخرى. إضافة إلى أن خبراء الصحة العامة من أمثال سانت هيلين، يرون أن النتائج تعني أننا في حاجة إلى تحسين طريقة توضيح المخاطر، بالرغم من أن تحقيق التوازن الصحيح سيكون صعباً.
إذ يقول: «أعتقد أنه ليس جيداً إخافة الناس لجعلهم يعتقدون أن شيئاً ما خطير، في الوقت الذي يُحتمل ألا يكون بنفس قدر الخطورة التي تزعمها؛ لأنه يجعل الناس حينئذ يشككون في المجتمع العلمي. فالناس يمكنهم أن يستشفوا ذلك على أي حال».