رؤيا - بترا - يحتفل الأردنيون، يوم غد الثلاثاء التاسع من حزيران، بالعيد السادس عشر لجلوس جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين على عرش المملكة الأردنية الهاشمية.
ويأتي الاحتفال بهذه المناسبة الوطنية الغالية تأكيداً لحالة الانسجام الوطني والتوافق والتلاحم بين القيادة والشعب، لجهة تعزيز المنجزات ومواصلة بناء دولة راسخة شارف عمرها على قرن من الزمان.
ففي محيط غير مستقر يبرز الأردن بقيادة جلالة الملك مثالا ونموذجا في تطبيق اصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية انتهجتها القيادة الهاشمية وكرسها الشعب الأردني بمختلف مكوناته، ساهمت في تقوية النسيج الاجتماعي، وتعزيز المواطنة الفاعلة، وترسيخ مبادىء الديمقراطية والحرية وصون حقوق الانسان والحوار وقبول الآخر.
وتتصدر قضايا الوطن الداخلية والخارجية سلم أولويات جلالة الملك منذ اعتلائه العرش، والتي طرحت ضمن رؤية ملكية شمولية تهدف إلى تكريس نهج البناء في مؤسسات الوطن والحفاظ على هيبتها وتحسين مستوى معيشة المواطنين وتعزيز سيادة القانون وتأكيد العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات، في إطار قواعد ومبادىء دستورية مرنة وقابلة للتحديث والاصلاح.
وإلى جانب هذه الاولويات، ما زالت القضية الفلسطينية وتأكيد حق الاشقاء الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، والحفاظ على المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس وحمايتها، في طليعة القضايا التي يحرص جلالة الملك على دعمها وصولا إلى سلام عادل وشامل، يجنب المنطقة والعالم المزيد من الصراعات والحروب. بينما يأتي الجهد الأردني في إطار التحالف الدولي في محاربة الإرهاب والفكر المتطرف، بهدف حفظ أمن واستقرار المنطقة، من خلال، القضاء على تلك العصابات التي انتهجت التطرف وقتل الأبرياء وانتهاك الحرمات في نهج يقوض جهود احلال السلام والتنمية والأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.
ويتصدى الأردن، بقيادة جلالة الملك، للحملات التي تسعى إلى تشويه صورة الإسلام السمح، وإلصاق تهم التطرف والإرهاب بالمسلمين، عبر تبني جهود فكرية وحوارات دولية ومبادرات تبرز حقيقة الإسلام بوصفه دينا للتسامح والسلام وقبول الآخر، وقد عبر جلالته عن ذلك في خطابات أمام المجتمع الدولي مرات عديدة.
وعلى الصعيد المحلي، شهد العام الماضي والنصف الأول من العام الحالي توجيهات ملكية من أجل إعطاء دفعة قوية للنهوض بالأردن ضمن خطة عشرية تمخضت عن إطلاق وثيقة الأردن 2015، والتي تحدد الإطار العام المتكامل للسياسات الاقتصادية والاجتماعية، وبما يضمن إتاحة الفرص للجميع، والقائمة على قاعدة تعزيز سيادة القانون، وتكافؤ الفرص، وزيادة التشاركية في صياغة السياسات، وتحقيق التنمية المستدامة والشاملة.
وتتضمن الوثيقة، والتي جاءت استجابة للرسالة الملكية للحكومة، في آذار من العام الماضي، بوضع تصور مستقبلي واضح للاقتصاد الأردني للسنوات العشرة القادمة، برامج تنفيذية تنموية تغطي ثلاث فترات من 2016 إلى 2025، وبما يحقق الأهداف الوطنية في مختلف القطاعات، وضمن مؤشرات قياس أداء، ومتابعة وتعديل بحسب تغير الأولويات.
واستحوذ الجانب الاقتصادي على حيز مهم ضمن الرؤية الملكية لمستقبل الأردن، ففي المنتدى الاقتصادي العالمي الذي استضافته المملكة للمرة التاسعة، حرص جلالة الملك على حضور جلسة (الأردن: انطلاقة متجددة؛ تنمية، تميز، استثمار)، والتي جاءت في سياق حملة لتنشيط الاقتصاد الأردني وجذب الاستثمارات عبر تسليط الضوء على الاتفاقيات الاقتصادية الكبرى التي أنجزها الأردن، والمشروعات الجديدة التي باشرت العمل، والفرص الواعدة والمتاحة أمام المستثمرين في مختلف القطاعات الحيوية.
والتأمت الجلسة، من أعمال المنتدى، بالتناغم مع وثيقة الأردن 2025، حيث تم استعراض مكانة المملكة كبوابة لأسواق دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وقدرتها المتجددة لتحقيق المزيد من التنمية والتحديث والتطوير، وتركزت المشاريع، التي تم استعراضها خلال الجلسة، في مجالات الطاقة والنقل والتطوير الحضري والمياه والبنية التحتية والسياحة وقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
وشهدت العاصمة عمان وشقيقاتها محافظات المملكة في عهد جلالته نهضة عمرانية وعلمية وتكنولوجية وثقافية وسياحية رائدة، وتتحدث عشرات المشروعات الناجحة خلال عقد من الزمان عن مناطق شملها التطوير والتحديث ليغدو الأردن بلدا اكثر حضارة ومدنية باهيا مزدانا بأهله وانجازاتهم .
ويحرص جلالته على ارساء وتفعيل مبادىء النزاهة والشفافية، حيث حملت رسالة جلالته إلى رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور، والتي كلفه فيها برئاسة لجنة ملكية لتعزيز منظومة النزاهة، تأكيد جلالته على أن إرساء المبادئ العليا التي قام الوطن من أجل إعلائها كالعدالة، والمساواة، وسيادة القانون، إضافة إلى مكافحة الفساد، والشفافية، والمساءلة، والتي هي ركائز جوهرية للحوكمة الرشيدة في الأردن، هي القاعدة الأساسية والمنطلق الثابت لمسيرتنا الإصلاحية.
ويمثل الدستور الاردني ركيزة أساسية للدولة الاردنية على مدى عقود مؤطرا عمل السلطات الثلاث ومحددا حقوق وواجبات الاردنيين.
ولم تكن عملية الاصلاح السياسي المستمرة والمتواصلة وليدة لحظتها فهي متجذرة ومواكبة دوما للاحداث والتطورات داخل المجتمع الاردني، إلا انها شهدت تسارعا متميزا في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي أكد ومنذ بدايات عهده أهمية الاصلاح، واشار إليه في غير مرة في خطب العرش وكتب التكليف السامية للحكومات التي تشكلت في عهده وكذلك في مقالاته ومقابلاته الصحفية والتلفزيونية المتعددة مع كبريات صحف ومحطات التلفزة العالمية .
وجلالته يحرص على لقاء الشيوخ أهل الخبرة والحكمة، كما يحرص على لقاء الشباب وجه الأردن الحضاري وفرسان التغيير يلتقيهم ويستقبلهم ويصطحبهم، تنصهر ثقافاتهم ومنابتهم وأصولهم في بوتقة واحدة وهوية أردنية جامعة قائمة على المواطنة الصالحة.
وارتباطا مع احتياجات المواطن الخدمية المباشرة (التعليم والصحة والسكن )، فقد حقق الأردن في عهد جلالته نجاحات وانجازات ومشروعات في هذه القطاعات المهمة، فازداد عدد المدارس وتحسنت نوعية التعليم خاصة الاساسي وازداد عدد المستشفيات والمراكز الصحية الشاملة، فيما شهد بعضها تحسنا في بنيتها ومرافقها ونوعية خدماتها، وذلك باشراف مباشر ومتابعة من قبل جلالته الذي زار اكثر من مرة مستشفيات حكومية واطلع على طبيعة الخدمات فيها، ونفذت التوجيهات الملكية السامية بتوسيع مظلة التأمين الصحي الشامل، وانجزت مبادرات ومشروعات مهمة في توفير السكن الملائم، وخصوصا للعائلات المحتاجة من خلال تنفيذ مشروع اسكانات للاسر العفيفة .
وللمرأة الاردنية حضور متميز في المشاركة في عملية النهضة التنموية الشاملة التي يشهدها الاردن في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، فقد ازدادت نسبة مشاركتها السياسية في التشكيلات الحكومية وفي مجلسي الاعيان والنواب وكذلك في البلديات، وتراجعت بشكل ملحوظ نسبة الأمية بين الاناث مقابل ارتفاع هائل ومضطرد في تحصيل المرأة الاكاديمي العالي، واسهمت بشكل اكبر في النشاط الاقتصادي والثقافي والاعلامي، وتميزت بممارستها لحقها الدستوري في مشاركة لافتة في صناديق الاقتراع للانتخابات والترشح لعضوية مجلس النواب، وازداد عدد النساء المنتسبات للنقابات المهنية, وساعد ذلك كله التوجيهات الملكية السامية بتعديل التشريعات والقوانين المتعلقة بحقوقها بما يكفل عدم التمييز او الاقصاء او تقليل فرص نجاحاتها وحضورها.
واهتم جلالته بالشباب مركزا على أهمية التميز والابداع، فكان أن خصصت العديد من جوائز التميز لهم بل وللشباب العربي كذلك, وتهدف إلى تمكين ودعم الشباب العربي من الرياديين الذين ابتكروا حلولا إبداعية لمواجهة التحديات الملحّة التي تعيشها مجتمعاتهم على الصعيد البيئي والاقتصادي والاجتماعي .
الحضور العربي والدولي، الذي أكده الأردنيون بقيادتهم الحكيمة، كان واضحا وماثلا بشهادات ضيوف المملكة من أشقاء واصدقاء وكذلك على منابر المحافل وفي المؤتمرات واللقاءات العربية والدولية، فكان الأردن وكما هو عليه دوما سندا وعونا للأمة العربية ولشعوبها يقتسم معها لقمة العيش وقطرة الماء يغيث الملهوف ويحنو على الضعيف.
لقد تحمل الأردن جراء الأزمة السورية تبعات اقتصادية واجتماعية وديموغرافية هائلة انطلاقا من انتمائه العروبي ونظرته إلى اللاجئين الذين يدخلون إلى المملكة، وإضافة إلى البعد المادي فقد قامت قواتنا المسلحة الباسلة وشعبنا الأبي بجهود جبارة وكبيرة لتوفير الحماية والمأوى لمئات الآلاف من اشقائنا في واحدة من حالات التعامل الإنساني.
ونالت القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، نصيبا وافرا من رعاية جلالة الملك وشهدت قفزات نوعية بالتجهيز ومواكبة أحدث الأساليب العسكرية، إضافة إلى دقة التدريب والانضباط بصورة لم يسبق لها مثيل في سير بنائها وتطورها المتلاحق، كما تشعبت الوظائف والأدوار التي أصبحت تؤديها المؤسسة العسكرية الأردنية بإعتبارها مؤسسة وطنية تنموية على المستويات المحلية والعربية والدولية من خلال اشتراكها في إسناد جهود المحافظة على الأمن والسلم في مناطق النزاعات في العالم.
وشهد قطاع التعليم العالي في الأردن خلال العقدين السابقين تطوراً ونمواً ملحوظين تؤكده الزيادة في عدد مؤسسات التعليم العالي واعداد الطلبة المسجلين وأعضاء هيئة التدريس وأعضاء الهيئة الإدارية والزيادة في حجم الإنفاق والدعم الحكومي لهذا القطاع التعليمي المهم إذ بلغ عدد الجامعات الرسمية عشر جامعات وسبع عشرة جامعة خاصة وواحدا وخمسين كلية مجتمع متوسطة، بالإضافة إلى جامعة العلوم الإسلامية العالمية.
وشهد قطاع التربية والتعليم تطورا كميا ونوعيا في عدد المدارس ونوعية التعليم ويعمل الاردن الآن ضمن إستراتيجية جديدة وخطط تنفيذية من أهم أولوياتها التركيز على التعليم التقني الذي يحتاجه سوق العمل المحلي والعربي في ظل انخفاض عدد الملتحقين بالتعليم التقني الذين لا تتجاوز نسبتهم من 8 إلى 10 بالمئة.
ويولي جلالته القطاع الصحي اهتماما فائقا حيث يشهد النظام الصحي في المملكة -الذي يتسم بتعدد الجهات المقدمة للخدمات الصحية - توسعا أفقيا وعموديا وتطورا في خدماته كما ونوعا.
وشهد الجهاز القضائي في عهد جلالته جملة من التطورات والتحديثات التي تعمل على تعزيز دور القضاء في ترسيخ العدالة وسيادة القانون ومكافحة جميع أشكال الفساد وحماية المجتمع وتعزيز النهج الإصلاحي.
وإلى جانب جلالة الملك عبدالله الثاني، تمضي جلالة الملكة رانيا العبدالله في دورها بتطوير التعليم وتحفيز الابداع والتميز وإبراز دور الشباب وتحقيق التنمية المستدامة، إذ تؤمن جلالتها بأن التعليم هو حق انساني أساسي للجميع.
وفي هذا الإطار، أطلقت جلالتها العام الماضي منصة "إدراك" غير الربحية للمساقات الجماعية الإلكترونية المفتوحة المصادر (موكس) باللغة العربية، والتي تعمل تحت مظلة مؤسسة الملكة رانيا للتعليم والتنمية بالشراكة مع "إدكس" المختصة في هذا المجال وأقامتها جامعة هارفرد ومعهد ماسشوستس للتكنولوجيا.
وحرصت جلالتها، وعلى صعيد استخدام التكنولوجيا في التعليم، على متابعة مبادرة التعليم الأردنية، التي أطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني في العام 2003 كمنظمة غير ربحية تبني شراكات بين القطاعين العام والخاص لتحفيز الاصلاح التعليمي حيث جهزت المبادرة العديد من المدارس الحكومية بتكنولوجيا المعلومات، وزودتها بمناهج متقدمة وتم تبني نموذج المبادرة في عدد من الدول وكرمت بجوائز على مستوى عالمي.
ولجهة تعزيز فُرص التوظيف لخريجي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات حديثي التخرج، أو ممن مضى عامان على تخرجهم بحد أعلى، أطلقت جلالتها، قبل نحو عامين، برنامج "فرصتي للتميز" ضمن مبادرة التعليم الاردنية.
وخلال العام المنصرم، وقعت المبادرة مذكرة تفاهم مع مركز تكنولوجيا المعلومات الوطني يتم بموجبها تفعيل برنامج محطات المعرفة المنتشرة في مختلف مناطق المملكة، واستخدام كامل بنيتها التحتية وخدماتها الإلكترونية ومواردها البشرية بشكل مجانيلمتدربي البرنامج ليكونوا الذراع الفني للمبادرة في 177 مدرسة من المدارس الحكومية التي يطبق فيها نموذج المبادرة التعليمي في مختلف محافظات المملكة.