أصدر منتدى الاستراتيجيات الأردني ورقة سياسات حول البطالة في الاقتصاد الأردني، بعنوان: "تحدي البطالة في الأردن: ما بين العرض والطلب"، حللت من خلالها العوامل المسؤولة عن ارتفاع معدلات البطالة في الأردن، وسلطت الضوء على توزيع العاملين الأردنيين حسب النشاط الاقتصادي، ونسب النمو في التشغيل ضمن هذه الأنشطة، كما قدمت بعض التوصيات التي تهدف إلى خفض معدلات البطالة بين الأردنيين.
وبين المنتدى أن تحقيق نمو اقتصادي لا ينبغي أن يكون الهدف الوحيد للدول، بل عليها أن تعمل أيضا على تحقيق مستويات "أعلى" من التوظيف، أو "التخفيض" من معدلات البطالة، وهو هدف لا يقل أهمية عن النمو الاقتصادي.
اقرأ أيضاً : تراجع ترتيب الأردن في مؤشر تقدم الشباب لعام 2020
وبينت الورقة أن البطالة تشكل التحدي الضاغط والمزمن على الاقتصاد الأردني، وقد ازداد هذا التحدي بشكلٍ غير مسبوق نتيجةً لتفشي فيروس كورونا، حيث ارتفع المعدل الإجمالي للبطالة من 1ر19 بالمئة في الربع الثالث من عام 2019، إلى 9ر23 بالمئة في الربع الثالث من عام 2020، ليعاود الانخفاض بشكل طفيف إلى 2ر23 بالمئة في الربع الثالث من عام 2021. وتؤدي هذه المعدلات المرتفعة من البطالة إلى ارتفاع الكلف الاقتصادية والاجتماعية والنفسية على الأردنيين، مما يحتّم على الجميع ضرورة إيجاد حلول عملية وفعّالة للحد من هذا الارتفاع من قبل الحكومة والقطاع الخاص على حد سواء.
وأوضحت ورقة المنتدى أنه إضافة إلى الأعداد الكبيرة من العاطلين عن العمل، يوجد في سوق العمل الأردني نسبة مرتفعة من العمالة في القطاع غير الرسمي. وفي الوقت الذي يساهم فيه هؤلاء العاملون في الإنتاج وخلق فرص العمل وتوليد الدخل، إلا أنه ليس لديهم أي نوع من أنواع الحماية الاجتماعية كالضمان الاجتماعي، ومعرضون لظروف عمل غير لائق، ويعانون من تدني الدخل بشكل عام.
وفيما يتعلق بنسبة المشاركة الاقتصادية للقوى العاملة في الأردن، فهي متدنية جدًا إذا ما قورنت بالعديد من البلدان الأخرى، حيث بلغت النسبة الإجمالية للمشاركة الاقتصادية 7ر33 بالمئة في الربع الثاني من عام 2021، وكانت نسبة المشاركة الاقتصادية للإناث 9ر13 بالمئة فقط، وهي الأقل بين معظم الدول الأخرى.
وحول تحليل المنتدى للعوامل المسؤولة عن البطالة، بينت الورقة أن البطالة في الأردن، حالها حال أي بلد، نتيجة ديناميكية لقضيتين رئيسيتين في سوق العمل وهي كل من جانب العرض، من حيث عدم كفاية رأس المال البشري وقدرته على الاستجابة بشكل مناسب لاحتياجات سوق العمل، أو من جانب الطلب، من حيث ضعف النمو الاقتصادي وعدم قدرته على توليد فرص عمل كافية.
وفيما يتعلق بجانب العرض من سوق العمل (رأس المال البشري)، أشارت الورقة إلى أن نسبة كبيرة من الأردنيين العاطلين عن العمل هم ممن كان تحصيلهم العلمي أقل من الثانوي والجامعي ، كما أن غالبيتهم من الذكور، ويشكلون حوالي 4ر45 بالمئة من إجمالي الأردنيين العاطلين عن العمل.
وتطرقت ورقة المنتدى إلى أعداد العمالة الوافدة، مبينة أنها ارتفعت من7ر289 الف فرد في عام 2006، إلى 7ر348 الف فرد بنهاية عام 2019. ويعادل هذا الرقم 5ر181 بالمئة من الأردنيين العاطلين عن العمل، علاوة على أن مستواهم التعليمي أقل من الثانوي، مما يؤشر إلى ضرورة "استبدال" نسبة معينة على الأقل من العمالة الوافدة بعمالة أردنية، لما لهذه الخطوة من دور في تقليل معدل البطالة الإجمالي.
وبالنظر إلى توزيع العمالة الوافدة في القطاعات المختلفة، فإن هذا الإحلال مبرر، خاصة أن النسبة الأكبر من هذه العمالة هي في قطاعات الصناعة، والزراعة، والخدمات المنزلية، والتشييد، وتجارة الجملة والتجزئة، والإقامة والخدمات الغذائية، وغيرها من القطاعات. وبناءً على ذلك، أوضحت ورقة المنتدى أن جانب العرض من سوق العمل الأردني مسؤول إلى حد ما عن الأردنيين العاطلين عن العمل.
وفيما يخص أعداد الخريجين الجامعيين، أوضحت الورقة أنه تخرّج بدرجة البكالوريوس في الأعوام الدراسية ( 2017 - 2020) ما مجموعه 4ر56 ألف طالب و55 الف طالبة. وحصل هؤلاء الخريجون على شهاداتهم الجامعية في جميع التخصصات التي تقدمها الجامعات كما هو الحال في جامعات أخرى من مختلف أنحاء العالم، وبناء على المشاهدات فيما يتعلق بجانب الطلب، بين المنتدى أن هذا الجانب مسؤول وإلى حد كبير عن تحدي البطالة، حيث أن مشكلة 3ر158 الف أردني عاطل عن العمل من حملة الشهادات الجامعية تكمن في جانب الطلب من سوق العمل، وليس بالخريجين أنفسهم/ جانب العرض، مؤكداً أن معدلات النمو الاقتصادي في الأردن غير قادرة على توفير فرص عمل كافية.
وحول نمو العمالة في القطاعات الاقتصادية، أوضحت الورقة أن هناك 8 قطاعات رئيسية ساهمت بتوظيف حوالي 85 بالمئة من إجمالي المشتغلين الأردنيين في العام 2020. وهي كل من (الإدارة العامة وتجارة الجملة والتجزئة والتعليم والصناعة التحويلية، النقل والتخزين، والصحة والخدمات الاجتماعية، والتشييد ولإقامة والخدمات الغذائية)، حيث شهدت جميع القطاعات الثمانية والمشغلة الرئيسية للأردنيين، انخفاضًا في أعداد العاملين لديها، إلا أن القطاع الصناعي، في العام 2020، كان القطاع الوحيد الذي شهد نموًا في التوظيف.
وفي هذا السياق، أشار المنتدى إلى أن قطاع "الإدارة العامة والدفاع" – المشغل الأكبر للأردنيين بواقع 27 بالمئة، لا يمكن ولن يستطيع أن يولد المزيد من فرص العمل للتخفيف من معدل البطالة.
وأكدت ورقة المنتدى ضرورة إيلاء الحكومة لهذا القطاع الاهتمام الكافي خاصة في ضوء معرفة أن لدى القطاع الصناعي القدرة على زيادة مستويات الإنتاج إما لسوق الصادرات أو للسوق المحلي (إحلال الواردات)، وبالتالي إمكانية توليد فرص عمل كافية؛ حيث ارتفع العدد الإجمالي للأفراد المؤمن عليهم اجتماعيًا ويعملون في القطاع الصناعي من قرابة 187 الف عامل في العام 2020. وفي ذات السياق استعرض المنتدى مقياس "مرونة التوظيف للنمو الاقتصادي" لدراسة العلاقة بين اتجاهات النمو الحقيقي ونمو العمالة، مشيراً إلى أن اتجاهات النمو الاقتصادي ونمو العمالة للفترة 1991 - 2019 على المستوى الوطني تشير بأن هناك علاقة مستقرة وطويلة المدى، وأن المرونة بينهما تساوي "+39ر0" ويشير هذا الرقم إلى ارتباط زيادة العمالة بنسبة 39 بالمئة مع زيادة بمقدار 1 بالمئة في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي.
ولإحداث تغيير إيجابي في معدل البطالة الإجمالي في الأردن، أوصى منتدى الاستراتيجيات الأردني بضرورة تمكين المنشآت الصناعية للتوسع في مستوى الإنتاج والتوظيف، والعمل على مواءمة ظروف العمل والمزايا (من حيث ساعات العمل والتأمين الصحي والأمان الوظيفي والحصول على التمويل من البنوك وما إلى ذلك) لتحفير العمل في القطاع الخاص والحد من الطلب على الوظائف في القطاع العام، إضافة إلى التأكيد على ضوابط العمل اللائق والتي تحترم حقوق العاملين وتضمن الحماية الاجتماعية لهم، خاصة للإناث ومن يقل مستوى تعليمهم عن الثانوي، ووضع آلية مرنة وعملية للإحلال الجزئي للعمالة الوافدة، عن طريق تقنين هذه الأعداد وترخيصها حسب مستوى المهارة المطلوبة وحاجة السوق إليها.
كما أوصى المنتدى بضرورة مواءمة الحد الأدنى للأجور وظروف العمل اللائق بين العمال الأردنيين وغير الأردنيين، والحد من فرص استغلال العمالة الوافدة من خلال مراجعة أنظمة تصاريح العمل وإنفاذ القانون، وتفعيل التحويل الإلكتروني للأجور، وأتمته نظام الشكاوى العمالية وربطه بنظام التفتيش في وزارة العمل. إضافة إلى إعطاء الأولوية في تزويد المشتريات العامة للقطاع الخاص، مع اشتراط التزامهم بتطبيق معايير العمل اللائق وتوظيف الأردنيين. كما شدد المنتدى على أهمية السعي نحو مستويات أعلى من الاستثمار المحلي والأجنبي، نظراً لدوره الأساسي في تعزيز الإنتاجية، وبالتالي زيادة فرص العمل والحد من البطالة. علاوة على أن المستويات المتزايدة من التوظيف تترجم إلى ارتفاع الدخل والإنفاق، وبالتالي زيادة النشاط الاقتصادي على المستوى الكلي. وشدد المنتدى على أهمية مواكبة التعليم العالي في الأردن لإعداد الطلاب نحو تعليم "كيفية التفكير" لعالم متغير وديناميكي يتماشى مع متطلبات سوق العمل.