ورُفع الأذان وجلجل صوته في سماء القدس الشريف من المسجد الأقصى كما في غيره من مساجد مدينة السلام بعد انقطاع. وفي صلوات الفجر والعشاء خاصة كما بقية الأوقات، كان صوت المؤذن يتناهى الى شغاف القلب تترجمه العيون دمع من الفرح. وأجراس الكنائس في "القيامة والمهد" قرعت.
اقرأ أيضاً : الأوقاف تعلن تعقيم جميع المساجد التي ستقام فيها صلاة الجمعة في الأردن
وردد المقدسيون التكبيرات والتهليلات من على فوق اسطح المنازل ابتهاجا وما أنبله من ابتهاج"، وصدقت ثقة جلالة الملك عبدالله الثاني بربه عندما قال في كلمة وجهها للأسرة الاردنية الواحدة قبل أقل من شهرين، بعودة فتح المساجد والكنائس أمام جموع المصلين بعد إغلاقها في سياق اجراءات احترازية لمنع انتشار فيروس "كورونا" المستجد.
حينها قال جلالته مُطمئِنا وواثقا، ومعزَزا بيقين زوال الشدة بعون الله، ".. نعم، وقريبا، ستقام الصلوات في المساجد والكنائس.. شدة وبـتـزول إن شاء الله..."، وها هي الصلوات ستقام في كل المساجد والكنائس في المملكة، وها هو المسجد الأقصى المبارك اولى القبلتين وثالت الحرمين الشريفين فتح ابوابه أمام جموع المصلين ليشدوا الرحال اليه من جديد، وها هي كنيسة المهد شرّعت بابها الخشبي التليد من جديد، فاستقبل الاثنان "الاقصى والمهد"، المصلين وعيونهم تذرف الدمع فرحا بعد اشتياق لروحانية المكانين الطاهرين، متسلحين بالايمان والسلام والطمأنينة وفرحة العودة.
وها هي عمّان تعانق القدس الشريف وبيت لحم، ليكتمل المشهد الايماني بين مساجد المملكة وكنائسها وكل من المسجد الاقصى المبارك وكنيستي المهد والقيامة.
إمام المسجد الأقصى ورئيس الهيئة الاسلامية العليا في القدس الشيخ عكرمة صبري يصف في حديث صحفي اليوم الاول لعودة الصلاة في المسجد الاقصى المبارك، قائلا: كان فجر يوم الاحد الموافق 31 أيار الماضي يوما استثنائيا لعودة آلاف المصلين العاشقين "للأقصى" لأداء صلاة الفجر بعد انقطاع استمر 70 يوما فرضته جائحة كورونا"، لافتا الى أن كل ابواب المسجد الخارجية فتحت لاستقبال المصلين ودون تحديد للعدد أو العمر.
وأكد الشيخ صبري أن جميع رواد المسجد التزموا بجميع الاجراءات والتعليمات الصحية، حيث اصطحب كل مصل سجادة صلاته الخاصة، كما لوحظ حرص الجميع على ارتداء الكمامة والقفاز، وراعوا بشكل تام التباعد ومسافة الامان، وأدى الجميع الصلاة بفرح وطمأنينة.
"وستبقى ابواب المسجد الاقصى المبارك مفتوحة بمشيئة الله ولن تغلق"، يؤكد الشيخ صبري خلال وصفه المشهد بالقول "لقد كان المصلون يكبّرون ويهللون حين دخلوا المسجد بعد الفراق، وأجهش الكثيرون منهم بالبكاء فرحا لوجودهم بين جنبات المسجد والصلاة في رحابه الطاهرة".
وفيما يثمن الشيخ صبري الوصاية الهاشمية على الاماكن المقدسة، وبخاصة المسجد الاقصى، يرفض بشدة أي محاولات للمس بهذه الوصاية الأمينة، مشيرا الى أن نداء "الله اكبر" سيبقى مرفوعا بمشيئة الله.
اقرأ أيضاً : الرزاز: نتطلع لليوم الذي نصدر فيه آخر أمر دفاع بمواجهة كورونا "فيديو"
وليس بعيدا عن ظروف فيروس "كورونا"، يعاود الشيخ التأكيد على المصلين بضرورة الالتزام بجميع الاجراءات الصحية، والتعليمات المتعلقة بالتباعد وترك مسافة أمان اثناء أداء الصلوات، حفاظا على صحة الجميع. ولا زالت "بترا" في رحاب أثير الاماكن المقدسة، لتعرج على مدينة بيت لحم، فهذا خوري بيت لحم وكاهن رعية اللاتين فيها الأب رامي عساكرية يقول: إن عودة المؤمنين لأداء الصلوات في كنيسة المهد انعشت روحهم، وأعادت الطمأنينة والسلام الى نفوسهم، وعززت ايمانهم "بأن تلك الجائحة زائلة لا محالة"، واصفا هرولة المصلين للكنيسة بعد هذا الانقطاع .
ويضيف الأب عساكرية، "لقد أصابت تداعيات وإجراءات السلامة بسبب كورونا الكثيرين بخيبات أمل وفقد كثيرون مصدر رزقهم، وابتعد آخرون عن احبائهم واقربائهم، لكن عودة الصلاة في الكنيسة اعادت السكينة لقلوبهم، وجددت الرجاء بأن الشدة ستزول بحول الله".
ويزيد: ندرك حجم الاشتياق للصلاة في كنيسة المهد، وسائر الكنائس الأخرى، ولكن الالتزام بكل التعليمات منعا لأي عدوى بفيروس "كورونا جدا مهم"، مشددا على أن الكنيسة اتخذت كل الاحتياطات الوقائية اللازمة للحفاظ على صحة المصلين، ومجددا الشكر والامتنان للدور الهاشمي في الوصاية على المقدسات، وموقف الاردن الثابت من أجل الحفاظ على الهويتين الاسلامية والمسيحية في الاماكن المقدسة.
ويعرب الأب عساكرية عن عجزه على وصف مشاعر العودة للصلاة في كنيسة المهد، حيث "اختلط الشوق والفرح بالدموع"، مشيرا الى أن الصلاة في الكنيسة لم تتوقف، ولكنها اقتصرت في فترة الإغلاق على الرهبان والكهنة الذين يقيمون في دير الكنيسة، وكانوا يقيمون الصلوات بشكل مستمر، متوسلين الى الله تعالى أن يرفع الكرب عن الإنسانية.
ويضيف: فرق شاسع بين اقامة الصلاة عبر "كاميرا" وسائل التواصل الاجتماعي وباب الكنيسة الخشبي موصد، وبين اقامتها مع جموع المصلين، مستدركا: في الحالة الاولى كنا نذرف الدمع على ما اجبرتنا الجائحة عليه، فيما بكينا في الحالة الثانية فرحا حين عادت الصلاة كما ينبغي أن تكون، متمنيا الصحة والعافية والسلام للبشرية جمعاء.