قبل عام من الآن استشهد البطلان الشابان أشرف نعالوة منفذ عملية اطلاق النار في المنطقة الصناعية (بركان)، والشاب صالح عمر البرغوثي، منفذ عملية اطلاق النار في مستوطنة (عوفرا) برام الله.
سقط الشهيدان وقد حفرا اخدودا جديدا في ذاكرة كل مقاوم ومناضل ضد الاحتلال ونازيته المعروفة.
7/ 10/2018 م لم يكن يوماً عادياً بالنسبة للفلسطينيين؛ فقد استيقظوا على أخبارٍ سارّةٍ مفادها أن فدائياً فلسطينياً تمكّن من تنفيذ عملية اطلاق نار على عدد من المغتصبين الصهاينة في المنطقة الصناعية "بركان" قرب مستوطنة "أريئيل" المُقامة على الأراضي المحتلة بمحافظة سلفيت شمال الضفة الغربية، ليُردي اثنين من المغتصبين ويصيبُ ثالثاً بجراحٍ خطيرة، ثم ينسحب من مسرح العملية بسلام متجاوزاً كافة الإجراءات الأمنية المعقّدة، وينجح في التخفّي عن مخابرات العدو واستخباراته التي واصلت الليل بالنهار من أجل الوصول إليه واعتقاله وفشلت في ذلك عدة مرات.
عملية "بركان" التي نفذها الشهيد البطل "أشرف نعالوة" جاءت في تلك الظروف القاسية التي تمر بها المقاومة في الضفة، وفي ظل حصارٍ خانقٍ يعانيه قطاع غزة، لتشفي صدور قومٍ مؤمنين، وتُذهب غيظ قلوب المُحاصَرين، وتستنهض همم الأبطال الغيورين، فالبطل أشرف نعالوة لم يكن مقاتلاً عادياً، فهو ومنذ تنفيذه لعمليته الجريئة ونجاحه في الإفلات من الإجراءات الأمنية المعقّدة، أصبح كابوساً مزعجاً أرّق قادة العدو وحطّم منظومتهم الأمنية المتطورة.
إذاً فقد نجح بطلنا قبل تنفيذ عمليته البطولية في تضليل أجهزة استخبارات العدو وانتزاع "تصريح عمل" في الأراضي المحتلة، واستطاع أن يراقب تفاصيل المنطقة بشكل جيد، ويتعرف على مداخلها ومخارجها ونقاط الضعف فيها، فرسم لنفسه خطة مُحكمة لتنفيذ الهجوم ثم الانسحاب بسلام، فكان له ما أراد؛ وبسلاحٍ محلي الصنع من نوع "كارلو"، وفي ثوانٍ معدودةٍ زغردت رصاصات "أشرف" حتى سادت حالة من الخوف والذعر في أوساط المغتصبين الصهاينة، الذين لاذوا بالفرار فور سماع طلقات الرصاص التي عاجلت اثنين منهم فأردتهم صرعى، وأصابت ثالث بجراحٍ خطيرة، لتبدأ رحلة أشرف نعالوة مع المُطارَدة ويتحوّل اسمه إلى "أسطورة" أعادت إلينا أمجاد يحيى عياش وعماد عقل ومحمود طوالبة.
خمسٌ وستون يوماً من المطاردة والملاحقة اليومية والعمليات العسكرية والمُداهمات الليلية لمدن وقرى الضفة المحتلة، مدعومة بكتائب عسكرية ووحدات خاصة ووسائل تكنولوجية متطورة وطائرات استطلاع حديثة، تخللها حملات اعتقال واسعة بين الأهالي؛ سعياً للظفر بمعلوماتٍ قد تدل على مكان الأسد في عرينه دون جدوى، فقد لاحق الفشل جيش العدو في كل مرة كانوا يحاصرون فيها بيتاً من بيوت المواطنين؛ ظناً منهم أن أشرف متواجداً فيه، ثم يعودوا أدراجهم يجرون أذيال الخيبة والهزيمة، حتى أصبح جيش الاحتلال يتعامل معه كإبرة اختفت في كومةٍ من القش، فجميع المعلومات الاستخبارية التي جمعها العدو منذ تنفيذ العملية كانت عبارة عن سراب، ولم تحقق لقيادة العدو أي انجاز يُذكر.
اقرأ أيضاً : بعد عدة مطاردات.. نعالوه منفذ عملية بركان شهيدًا - فيديو
الحاضنة الشعبية للمقاومة أبلت بلاءً حسناً في دعم البطل المُطارد، ونجحت إلى حدٍ كبير في أن تكون درعاً حصيناً وسداً منيعاً لحمايته وتضليل أجهزة أمن العدو وعملائه عن الوصول إليه، من خلال خروج الشباب الثائر بشكل يومي للتصدي لآليات العدو التي تقتحم المدن والبلدات، ورجمهم بالحجارة وزجاجات المولوتوف الحارقة، كذلك كان للدعوات التي أطلقها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، والتي دعت أصحاب الشركات والمؤسسات والمحلات والبيوت إلى إتلاف أجهزة التخزين الخاصة بكاميرات المراقبة؛ والتي قد تساعد العدو في تتبع تحركات "أشرف" الأثر الكبير في تعقيد مهمة جيش الاحتلال.
لم يكن "أشرف" المجاهد الوحيد الذي أرهق العدو وزعزع أمنه واستقراره في هذه الفترة بالتحديد، فقد جاءت عملية (عوفرا) البطولية قرب رام الله، التي نفذها البطل "صالح عمر البرغوثي" بتاريخ 9 ديسمبر2018 م، حيث هاجم نقطة عسكرية صهيونية على طريق عام، وخلال 6 ثواني فقط وفق التقديرات الأمنية للاحتلال أمطر "صالح" النقطة العسكرية بوابلٍ من الرصاص؛ فأصاب "11 جندياً" بجراح مختلفة، ثم انسحب على الفور هو الآخر من المكان بسلام، لتقلب هذه العملية الجديدة الطاولة في وجه قادة العدو وتزيد من تعقيد المشهد الأمني والاستخباري، وتصبح الضفة بركاناً يغلي إيذاناً بانطلاق موجة جديدة من العمليات الفدائية.
13/10/2018 كان صباحاً قاسياً وضربة مؤلمة تلقاها الشعب الفلسطيني، امتزجت فيه المشاعر حزناً وفخراً بارتقاء بطلين من أبطال الأمة ممن أقضّوا مضاجع الاحتلال وسلبوا النوم من عيون قادته ومغتصبيه، حيث اقتحمت قوة صهيونية خاصة مدينة رام الله وأطلقت النار نحو سيارة فلسطينية، كان يستقلها منفذ عملية "عوفرا" صالح البرغوثي، ليرتقي شهيداً –نحسبه كذلك- بعد أن نكّل وأثخن في جنود الاحتلال ومستوطنيه، وبعد ساعاتٍ من عملية الاغتيال تلك، توجّهت الأنظار نحو مدينة نابلس حيث وقع اشتباك مسلّح بين قوة من جيش الاحتلال ومقاوم فلسطيني، فكانت الفاجعة بارتقاء البطل المُطارد أشرف نعالوة منفذ عملية (بركان) بعد أن جرّع الاحتلال مرارة ظلمه وجبروته وسقى جنوده الموت والقهر أشكالاً وألواناً.
سريعاً وقبل أن تجف دماء الشهداء الطاهرة التي روّت ثرى أرض فلسطين المباركة، وبعد ساعات قليلة من عمليتي الاغتيال، جاء الرد حاسماً ليشفي صدور قومٍ مؤمنين ويذهب غيظ قلوب الفلسطينيين، بعملية طعن جريئة في القدس المحتلة نفذها الشهيد البطل "مجد مطير" حيث هاجم بـ "سكين مطبخ" جنديين صهيونيين مدججيْنِ بالسلاح فأصابهما بجراح، وبعد ساعتين فقط من عملية الطعن، وقعت عملية إطلاق نار بطولية نفذها البطل "عاصم البرغوثي" شقيق الشهيد "صالح" قرب مستوطنة "جفعات أساف" شرق رام الله أسفرت على الفور عن مقتل ثلاثة جنود صهاينة وإصابة آخر بجراح خطيرة، بعد أن سحق المنفّذ البطل الجنود الصهاينة وأجهز عليهم، واغتنم قطعة سلاح منهم ثم انسحب بسلام.
وتستمر ضفة العياش في مفاجأة العدو وإرباك حساباته الأمنية، وتوجيه الضربات المستمرة لجنوده ومغتصبيه حتى يعلموا أن بلادنا حرامٌ عليهم، وأن أرضنا مقبرةً لهم، وأنهم لن يحلموا بالأمن فيها ما دام فينا عرقٌ ينبض، وبرغم كل المحاولات الآثمة من أباطرة الخيانة والتخابر مع العدو، إلا أن آساد الضفة الأُباة ما زالوا على العهد والوع.