أصدر منتدى الاستراتيجيات الأردني ورقة موقف حول النظام الضريبي في الأردن وما هو المطلوب من قانون ضريبة الدخل المنتظر طرحه من حكومة الدكتور عمر الرزاز، وكانت هذه الورقة بعنوان " ما هو المطلوب من قانون ضريبة الدخل الجديد؟"، حيث قال المنتدى أن هذه الورقة تأتي كجزء من الجهود التي يقوم بها المنتدى لإيصال رأي وموقف المنتدى والمبني على أسس علمية وذلك للمساهمة في اثراء الحوار الوطني القائم حول قانون ضريبة الدخل الذي ستخرج به حكومة الدكتور عمر الرزاز.
وقال منتدى الاستراتيجيات الأردني في ورقته بأنه بات من المعروف أن الأردن يواجه العديد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يتوجب علينا جميعاً العمل لمعالجتها، كان للتحديات الاقتصادية دور فعال في دفع المتظاهرين إلى الشارع في حزيران من العام الجاري (2018) في عمّان والمحافظات الأخرى، وكان العامل الأكبر لدفع الناس إلى الاحتجاج هو قانون ضريبة الدخل الذي طرحته حكومة الدكتور هاني الملقي، ومن ثم تم سحب هذا القانون من قبل رئيس الحكومة الجديد الدكتور عمر الرزاز، حيث كلف جلالة الملك الحكومة الجديدة بإطلاق حوار وطني للوصول إلى نظام ضريبي عادل وشفاف ويلبي متطلبات التنمية الاقتصادية.
وأكد المنتدى بأن أي نظام ضريبي جيد وعصري يجب أن يتحلى بخمسة خصائص رئيسية، وهي؛ العدالة، الوضوح والشفافية، التنوع، المرونة، وتعزيز الموارد المالية للدولة. حيث أوضحت الورقة بأن النظام الضريبي يجب أن يكون عادلاً في معاملة دافعي الضرائب من خلال تصاعدية النظام الضريبي ومراعاته للفروقات في الدخل بين المواطنين؛ أي أنه يجب على الذين يحققون دخولاً أعلى أن يتحملوا أعباءً ضريبية أعلى من أولئك الذين دخولهم أقل. والذين دخولهم متساوية يجب أن يدفعوا ضرائب متساوية. وأكد المنتدى بأنه حتى يكون النظام الضريبي أكثر عدلاً يجب ألا تكون الضرائب غير المباشرة هي المصدر الرئيسي للإيرادات الضريبية للحكومة وألا تتحكم بالنظام الضريبي.
وبالنسبة لمسألة الوضوح والشفافية في نص قانون ضريبة الدخل، أوضح المنتدى بأنه يجب ان لا يكون نص قانون الضريبة معقداً، ويجب أن يكون بسيطاً ومفهوماً حتى لا يسيء استخدامه خبراء الضريبة، وأن يحمي المكلفين من استغلال بعض الموظفين والمدققين في دائرة ضريبة الدخل. كما يجب أن يكون المكلفون قادرون على تقييم التزاماتهم لدائرة ضريبة الدخل والمبالغ المستحقة عليهم وذلك بطريقة سهلة ومباشرة.
وأكد منتدى الاستراتيجيات الأردني على أن النظام الضريبي في الأردن يجب أن يقوم على مبدأ التنوع الضريبي؛ أي أنه يجب ألا تعتمد الحكومة على نوع واحد أو أنواع محددة من الضرائب لتحقيق إيرادات ضريبية، وألا يتحكم مصدر واحد للإيرادات الضريبية بالنظام الضريبي. حيث أنه إذا قلت الإيرادات الضريبية من أحد مصادر الإيرادات الضريبية "المتحكمة" بالنظام الضريبي فإن ذلك سوف يعرض المالية العامة للدولة لخطر بسبب انحدار مستوى الإيرادات الضريبية.
كما أوضح المنتدى بأن المرونة مسألة مهمة جداً بالنسبة للنظام الضريبي؛ أي أنه يجب أن ينتج عن النظام الضريبي زيادة في الإيرادات الضريبية تتناسب مع زيادة الناتج المحلي الإجمالي. على سبيل المثال، اذا ارتفع الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 3% فيجب أن يؤدي النظام الضريبي الى تحقيق نمو في نسبة الايرادات الضريبية الى الناتج المحلي الاجمالي تفوق نسبة النمو في الناتج المحلي الاجمالي في نفس السنة. وفي هذا السياق أشار إلى أنه إذا كان النظام الضريبي تصاعدياً وكانت الإيرادات الضريبية متنوعة وغير متحكم بها من مصدر واحد (مثل: ضريبة المبيعات) سيكون من السهل تحقيق المرونة في النظام الضريبي (المرونة الضريبية).
وفي سياق الأزمة المالية التي تعاني منها الحكومة من حيث العجز المستمر في الموازنة العامة وارتفاع المديونية، قال منتدى الاستراتيجيات الأردني بأن قانون ضريبة الدخل الجديد يجب أن يؤدي إلى تعزيز إيرادات الدولة وزيادة قدرتها على تحقيق إيرادات كافية، لكي يمكنها ذلك من القيام بأنشطتها التنموية وتقديم الخدمات العامة. حيث ان تخصيص هذه الموارد لتوفير خدمات عامة ذات كفاءة وكفاية سوف يساهم في تحقيق نمو اقتصادي شامل لكافة الطبقات الاجتماعية.
وأوضحت الورقة الصادرة عن المنتدى بأن معدل الانفاق العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في الأردن تراجع من 43.7% خلال الفترة (1976-1985) إلى 29.9% خلال العامين (2016-2017)، وبإضافة ما انفقته البلديات والمجالس المحلية خلال العامين (2016-2017) سيصل معدل الانفاق العام إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال هذين العامين إلى 32.3%، وتعتبر هذه المعدلات أقل مما هي عليه في العديد من الدول مثل: تركيا (37%)، الولايات المتحدة الامريكية (40.4%) استونيا (42.3%) بولندا (42.6%) وفرنسا (56.8%). وأكد المنتدى ضرورة العمل على رفع كفاءة الانفاق العام، حيث أوضح في هذا السياق بأن هنالك بنوداً محدودة يتم الانفاق عليها ولكنها تشكل جزءاً كبيراً من حجم الانفاق العام في الأردن، حيث شكل الانفاق العسكري ومصاريف الرواتب والتعويضات ومصاريف دفعات فوائد الدين العام ومشتريات البضائع والخدمات نحو 90% من الانفاق العام خلال الفترة (2015-2017).
بالمقابل، فقد أظهرت بيانات وردت في الورقة بأن معدل الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي (الجهد الضريبي) في الأردن منخفض نسبياً حيث كان هذا المعدل خلال الفترة (2014-2016) ما نسبته يعادل 15.4%، وإذا قارنا هذا المعدل بمجموعة كبيرة من دول العالم، سنجد أن هذا المعدل في الأردن أقل من دول كثيرة، مثل؛ تركيا (17.8%)، تشيلي (18.7%)، اليونان (26.2%)، المملكة المتحدة ((26.5%، إيطاليا (30.2%)، الدنمارك (46.7%).
وتعليقاً على النظام الضريبي في الأردن وقانون ضريبة الدخل المعمول به حالياً قال منتدى الاستراتيجيات الأردني بأن النظام الضريبي في الأردن غير عادل حيث انه اذا نظرنا إلى هيكل الإيرادات الضريبية سوف نلاحظ بأن الإيرادات الضريبية من ضريبة المبيعات وحدها تشكل 69% من مجمل الإيرادات الضريبية؛ وهذا يشير إلى أن الفقراء في الأردن يساهمون في الإيرادات الضريبية نسبةً إلى دخلهم بنسب أكبر من الأغنياء نظراً لثبات نسبة الضرائب المباشرة وعدم مرونتها مع الدخل، فيشكل ما يدفعه الفقراء كضرائب مبيعات إلى دخلهم نسباً أكبر من تلك التي يدفعها الأغنياء اذا ما قورنت بدخلهم.
وأضاف المنتدى أنه من الأسباب الأخرى التي تجعل النظام الضريبي القائم حالياً غير عادل؛ أن قطاع الشركات الكبرى في الأردن يساهم بنحو 17.6% من الإيرادات الضريبية التي تحققها الدولة في الأردن، وهذا المعدل مرتفع نسبياً إذا ما تمت مقارنته بمساهمة هذا القطاع في الإيرادات الضريبية في باقي دول العالم. وفي سياق الحديث عن قطاع الشركات الكبرى في الأردن قال المنتدى أن الضرائب التي يدفعها القطاع المصرفي تشكل 65% من اجمالي الضرائب التي يدفعها قطاع الشركات الكبرى (الشركات المدرجة في سوق عمان المالي)، وهذه النسب تشير إلى أن النظام الضريبي المعمول به حالياً في الأردن غير عادل.
أما بالنسبة للضرائب التي يدفعها قطاع الأفراد، فقد أظهرت ورقة المنتدى عدم عدالة النظام الضريبي في هذا السياق أيضاً، حيث أنه وعلى الرغم من تدني دخول الموظفين العاملين بأجور شهرية إلا أن مساهمتهم في الإيرادات الضريبية أكبر من مساهمة فئة المهنيين والحرفيين والشركات الصغيرة والمتوسطة؛ اذ تظهر بيانات وزارة المالية بأن الإيرادات الضريبية المتحصلة من ضريبة الدخل على الأفراد الموظفين والمستخدمين بأجور شهرية في العام 2017 تعادل 129.8 مليون دينار، فيما كانت الإيرادات الضريبية المحصلة من قطاع الأفراد المهنيون والحرفيون والشركات الصغيرة والمتوسطة في نفس العام تعادل 66.1 مليون دينار.
وبناءً على الملاحظات التي أبداها منتدى الاستراتيجيات الأردني على قانون ضريبة الدخل المعمول به حالياً والنظام الضريبي في الأردن؛ خرج منتدى الاستراتيجيات الأردني بتوصيات عدة كان أبرزها أنه عند اجراء أي تعديلات على قانون ضريبة الدخل الحالي وطرح القانون الجديد فإنه يتوجب على الحكومة أن تشرح للناس ودافعي ضرائب أي تعديلات تطرأ بطريقة واضحة ومبسطة كي لا يسيء أحد فهم القانون، وأن يكون لدى الحكومة رؤية واضحة في كيفية تخصيص المبالغ المحصلة من الإيرادات الضريبية لتحقيق متطلبات التنمية الاقتصادية وتقديم خدمات عامة كفؤة.
وأوصى المنتدى بضرورة أن يكون نص القانون بسيطاً وواضحاً وذلك ليحمي دافعي الضرائب (المكلفين) من تلاعب واستغلال بعض الخبراء الضريبيين ومدققي الضريبة في دائرة ضريبة الدخل. كما أكد على أهمية توسيع قاعدة المكلفين ضريبياً وجعل النظام الضريبي الحالي أكثر عدالة من خلال جعل نسب ضريبة الدخل المفروضة على الدخول الخاضعة للضريبة أكثر تصاعدية من النسب المفروضة وفقاً لقانون ضريبة الدخل المعمول به حالياً.
وشدد المنتدى على ضرورة رفع كفاءة دائرة ضريبة الدخل وموظفيها، وضرورة الاستثمار في التكنولوجيا في الدائرة وتوظيفها في تطوير ورفع كفاءة عملية التحصيل وزيادة المبالغ المحصلة، وأكد على ضرورة تطوير العمليات التكنولوجية لتحسين التحصيل من قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة والمهنيين والحرفيين، حيث أنه إذا تم إدارة دائرة ضريبة الدخل بكفاءة وفعالية وتم تطوير الإجراءات المتبعة بها فإن هذا سيساعد في زيادة المبالغ المحصلة لخزينة الدولة، وبالتالي أيضاً سوف يساهم في زيادة تنويع الإيرادات الضريبية للدولة.
وأكد المنتدى أيضاً على أنه مع تنبني قانون جديد لضريبة الدخل، على الحكومة أن تقوم بعكس الإيرادات الضريبية بصورة واضحة وشفافة في البنود التي تبين الإيرادات الضريبية في بيانات المالية العامة والموازنة العامة للدولة، أي أن أي دخل من الضريبة يجب أن يوضح في بند يتبع الإيرادات الضريبية في حسابات الحكومة وموازنتها.
وفي ختام ورقته ركز منتدى الاستراتيجيات الأردني على أنه على الحكومة أن تستخدم كافة أشكال الوسائل والطرق الإعلامية وأن تعمل على إيصال وافهام قانون ضريبة الدخل والآليات المتبعة فيه للمواطنين الأردنيين والرأي العام الأردني، وما هي الآثار المتوقعة لتطبيق هذا القانون سواءً على المستوى الفردي للمكلفين أو على مستوى المالية العامة والاقتصاد الكلي؛ وذلك لتجنب أي سوء فهم للقانون أو التلاعب به.