كشفت دراسة أعدها مركز مكافحة الإرهاب في أكاديمية "ويست بوينت" العسكرية الأمريكية عن تراجع ملحوظ في الآلة الإعلامية لتنظيم داعش الارهابي.
ويشير تقرير أعده سكوت شين في صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن الدعاية، التي أسهمت في تجنيد عشرات الآلاف من الجهاديين للتنظيم من مناطق واسعة، "تراجعت بشكل جذري".
وتذكر الصحيفة أن الباحثين لاحظوا تحولا في المادة المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، والمطبوعات التابعة للتنظيم، التي لم تعد تركز على أساليب بناء الدولة؛ من مؤسسات بيروقراطية وأسواق مزدهرة وسكان يعيشون بسعادة.
وينقل الكاتب في تقريره، عن مدير المركز دانيال ميلتون، قوله: "لا يقتصر التدهور على الجانب العددي، لكن على فكرة (الخلافة) التي يروج التنظيم لها، ويبدو الآن عاجزا عن الحديث عن فعل أشياء تصلح للدولة، التي كانت وراء الجاذبية التي تمتع بها".
وتعلق الصحيفة قائلة إن "التنظيم كان يصدر في ذروة نشاطه مواد إعلامية ضخمة، ففي آب/ أغسطس 2015، أصدرت مؤسساته في سوريا وخارجها أكثر من 700 مادة إعلامية، إلا أن هذه المواد تراجعت بعد عام إلى 200 مادة".
ويلفت التقرير إلى أن الباحثين لاحظوا زيادة في المساحة المخصصة للعمليات العسكرية، بحيث تفوقت على الأخبار المتعلقة بالإدارة والتجارة، والقضايا الأخرى المتعلقة بالحياة المدنية.
وينوه شين إلى أن دراسة "ويست بوينت" تكشف عن سقوط مستمر لما يطلق عليها الدولة، بشكل يشير إلى تراجعها من الناحية الإعلامية، والسيطرة على الأراضي، مستدركا بأن الخبراء يحذرون من أن تراجع التنظيم لا يعني نهاية للأيديولوجية المحركة له.
وتقول الصحيفة إن "دعاية التنظيم كانت في بداية عام 2014 أداة فاعلة، ليس بسبب الحرفية العالية التي أنتجت بها، بل للرسالة التي كانت تحملها عن النصر القريب، ودعوتها للمسلمين في أنحاء العالم كله إلى الهجرة والمساعدة في بناء الدولة، وجذبت رسالته الشباب المسلم في العالم العربي والدول الأوروبية، في وقت كان يتمدد فيه ويسيطر على مدن وبلدات في العراق وسوريا وليبيا لاحقا".
ويفيد التفرير بأن الدراسة تشير إلى أن زيادة الحملات الجوية للتحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، واستهداف قادتها، جعل التنظيم كمن يدير جيشا إرهابيا، لا "خلافة"، وفي تراجع مستمر.
ويورد الكاتب نقلا عن مؤلف كتاب "تنظيم داعش الارهابي: دولة إرهاب"، والباحث في المركز الدولي لمواجهة الإرهاب في لاهاي في هولندا جي إم بيرغر، قوله إن باحثين آخرين لاحظوا تراجعا في الإنتاج الإعلامي، وأضاف أن المراقبين كلهم لاحظوا نقصا وانخفاضا في الترويج للفكرة الخيالية التي بدأ بها بشكل أثر في معدلات التجنيد.
وبحسب الصحيفة، فإن دراسة مركز مكافحة الإرهاب "ويست بوينت"، ركزت على المادة المرئية من مصادر تعد "رسمية"، وتشمل أشرطة فيديو، وتغريدات على "تويتر"، وصورا، وتقارير مصورة.
ويعتقد ميلتون أن السبب الرئيسي وراء تراجع المادة الإعلامية للتنظيم مرتبط بشكل أساسي بالحملة الجوية للتحالف التي استهدفت المؤسسات والمؤلفين، مشيرا إلى أن مسؤولي الإعلام هم مقاتلون بالضرورة، وعندما ينشغلون في القتال لا تتاح لهم الفرصة لكتابة رسائل إعلامية، ويضيف ميلتون أن تراجع دعاية التنظيم ربما كان نتاجا للسياسة المتشددة التي اتبعتها مواقع التواصل الاجتماعي، التي تقوم بشطب أو تعليق الحسابات التي تشك بأنها متعاطفة مع تنظيم الدولة، حيث اضطر الأخير لاستخدام تطبيقات أخرى مثل "تيلغرام".
ويعلق شين قائلا إن التنظيم عندما برز فجأة عام 2014 لم يطلب من أتباعه القيام بهجمات ضد الغرب، كما فعل فرع تنظيم القاعدة في اليمن، بل دعاهم إلى الهجرة والمشاركة ببناء "الخلافة".
ويشير التقرير إلى أن دراسة "ويست بوينت" وجدت ملامح من تراجع في المواد الإعلامية الفظيعة، وفي مشاهد إعدام المقاتلين الأعداء، الذين ألقي القبض عليهم، لافتا إلى أنه في المقابل كانت هناك زيادة نسبية في عمليات إعدام مقاتلي التنظيم، ممن اتهموا بالخيانة والتجسس.
وتورد الصحيفة أن الباحثين يرون أن التحول دليل قلق داخل التنظيم من الجواسيس، والرغبة في منع محاولات الانشقاق عن "الخلافة"، مشيرة إلى أن تراجع مادة التنظيم الإعلامية لا يعني نهاية لخطره، بل يحذر باحثون من أن الخطر سيزيد، خاصة بعد هروب المقاتلين الأجانب من ساحات سوريا والعراق، وحين يعودون إلى بلدانهم، ويثيرون فيها المشكلات.
ويقول ميلتون أن أحد الأسئلة الغامضة هو ذلك المتعلق بالدعاية التي ينشرها التنظيم يوميا للسكان الخاضعين لحكمه، حيث تعرض الكثيرون، خاصة الأطفال، لثقافة غسيل دماغ والتعصب، ويتساءل ميلتون قائلا: "كيف تتعامل مع الأطفال الذين عاشوا هذه التجربة وتعرضوا لهذه الرؤية؟"، مشيرا إلى أن هذه ستكون مشكلة ذات آثار على المدى البعيد.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن بعض الذين قتلوا من أعضاء التنظيم أطلق عليهم "شهداء الإعلام"، واعترف التنظيم يوم الاثنين بمقتل "وزير الإعلام" وائل الفياض، المعروف بأبي محمد الفرقان، الذي كانت وزارة الدفاع الأمريكية أعلنت عن مقتله بغارة جوية قرب الرقة، الشهر الماضي.