طالب يقضي أثنتي عشرة سنة في عهدة وزارة التربية والتعليم .. أحلامه وأحلام أسرته لا تجد لنفسها سقفًا .. أحلامٌ بالجامعة والعمل والمستقبل الزاهر، وفجأة تمنح الوزارة هذا الطالب شهادة "راسب" .. وتمسي الصورة جد قاتمة، حينما نعلم أن عشرات آلاف الطلبة يتحركون اليوم بين ظهرانينا حاملين على كاهلهم أسباب عثراتهم.
أحمد وهناء وحنين وفادي، معلقون اليوم في الهواء، فلا هم قادرون على الإمساك بطوق نجاة يحملهم إلى بر الأمان، ولا هم يمتلكون الجرأة واليقين الكافي للتقدم من جديد لامتحان الثانوية العامة، فيجدون أنفسهم يكررون تجارب فاشلة.
الناس مسكونون بثقافة العار والتعيير، وفلذات أكبادنا، حينما يفشلون في اجتياز امتحان الثانوية العامة، يتعرضون لأنواع الإهانات والتجريح شتى، ما يترتب على ذلك آثارًا نفسية واجتماعية عميقة.
"التربية" قذفت بآلاف الراسبين في الثانوية العامة إلى سوق متخمة بالبطالة، وسط محيط عربي مثخن بالجراح، تتحرك فيه خفافيش الظلام والظلاميين.
ظاهرة الراسبين في الثانوية العامة خطيرة جدًا، لا يكفي لمواجهة آثارها رجم الظلام، وانتظار المخلص، فبعد رسوب ما يزيد على مئتي ألف طالب في الثانوية العامة على مدى السنوات الثلاث الماضية، وغياب المسارات البديلة لاستيعابهم، لا بد من جهد وطني عام، يجترح حلولًا خلاقة لهذه المعضلة العظمى.
في الظروف الطبيعية يحتل معظم الطلبة في أي مجتمع، وفي أية مرحلة عمرية، المنطقة الوسطى في جدول التوزيع الطبيعي، لكن حينما يرسب غالبية الطلبة، فإنه من الأهمية بمكان أن نسأل من هو الفاشل؟
عدد الراسبين في الثانوية العامة على أهميته، ليست القضية، فبعيدًا عن لغة الأرقام، ومن يمتلك الأعداد الدقيقة، لجهة ما يدور من سجالات في هذا السياق، فإن الأهم من كل ذلك هو هل نحن مستعدون لمعالجة الآثار السلبية؟
جهات حكومية، كمؤسسة التدريب المهني تستطيع أن تقدم جهدًا مضاعفًا في هذا المجال، بيد أن حجم المشكلة أكبر من إمكاناتها، والأصل أن تعمل أجهزة الدولة كافة على إعادة هرم سوق العمل المقلوب إلى وضعه الصحيح، لتستقيم الأمور.
امتحان الثانوية العامة جزء أصيل من ثقافة الأردنيين، لكن ماذا يقيس هذا الامتحان؟ وهل يتمثل القائمون عليه فلسفة وأهداف التعليم، ويعملون على تحقيقها؟
عشرات آلاف الشباب في مرحلة عمرية خطيرة يتحركون اليوم في المساحة الواقعة بين إحباطات رسوبهم في الثانوية العامة، وآمالهم في مستقبل جميل، فهلا تحركنا لإنقاذهم من برائن اليأس قبل أن يفوت الأوان.