يتطلع الأردنيون إلى العيد السابع عشر لجلوس جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين على عرش المملكة الأردنية الهاشمية، والذي يصادف اليوم التاسع من حزيران، بمزيد من الاعتزاز والهمة والعزيمة في مواصلة مسيرة بناء الدولة الحديثة عبر تعزيز منظومة العمل وتحقيق الإنجاز تلو الإنجاز.
ولأن التقدم ديدنهم والعطاء نهج حياتهم، يمضي أبناء وبنات الوطن مع جلالة الملك جنبا إلى جنب على مواجهة التحديات والعمل بجد لتحويلها إلى فرص، تمكنهم من الحفاظ على مؤسسات الوطن وإرساء دعائم استقراره، ليبقى الأردن أنموذجا للدولة القوية الراسخة.
ومضى جلالة الملك ومنذ تسلمه سلطاته الدستورية على خطى ملوك بني هاشم لاستكمال مسيرة النهضة والبناء والانجاز، حتى غدا الأردن دولة عصرية حديثة ومزدهرة، وهي التي تحمل مبادىء الثورة العربية الكبرى ومشروعها القومي النهضوي الذي وحد العرب وضمن لهم حريتهم واستقلالهم. وتحيي المملكة هذا العام ذكرى مئوية الثورة العربية الكبرى، والتي تزامنت مع عيد استقلالها السبعين، مستندة، إلى لبنات راسخة في الإصلاح والعدالة والحرية والمساواة، وإلى انموذج متميز من الوحدة الوطنية والعيش المشترك والتفاهم وتكاتف الشعب خلف قيادته.
ويتطلع أبناء وبنات الأسرة الأردنية الواحدة، في هذه المناسبة، نحو آفاق جديدة ورحبة في مستقبل مشرق، وسط تحديات لم تثن من عزمه في حفظ أمن الأردن واستقراره وصموده، ليبقى واحة أمن وأمان رغم ما يعصف بمحيطهم من أزمات إقليمية.
وواصل جلالته، ومنذ توليه عرش المملكة الرابعة، نهج والده الملك الحسين، طيب الله ثراه، الذي نذره في خطاب وجهه إلى الشعب في الرابع من شباط العام 1962، عقب ولادته، لأسرته الأردنية الواحدة وأمته العربية الكبيرة قائلا: "مثلما أنني نذرت نفسي، منذ البداية، لعزة هذه الأسرة ومجد تلك الأمة كذلك، فإني قد نذرت عبدالله لأسرته الكبيرة، ووهبت حياته لأمته المجيدة. ولسوف يكبر عبدالله ويترعرع، في صفوفكم وبين إخوته وأخواته، من أبنائكم وبناتكم، وحين يشتد به العود ويقوى له الساعد، سيذكر ذلك اللقاء الخالد الذي لقي به كل واحد منكم بشرى مولده، وسيذكر تلك البهجة العميقة، التي شاءت محبتكم ووفاؤكم إلا أن تفجر أنهارها، في كل قلب من قلوبكم، وعندها سيعرف عبدالله كيف يكون كأبيه، الخادم المخلص لهذه الأسرة، والجندي الأمين، في جيش العروبة والإسلام".
ومنذ اعتلائه العرش، صمم جلالة الملك عبدالله الثاني على تحويل الأردن إلى انموذج ريادي في المنطقة، فكانت التنمية المستدامة، والنمو الاقتصادي، والرعاية الاجتماعية هي في مقدمة أولويات جلالة الملك، فضلا عن مواصلة مسيرة الإصلاح الشامل.
وسعى جلالته إلى تكريس عنصري الشراكة والمساهمة الفاعلة من الأردنيين في كل الخطوات التي تنتهجها المملكة، إيمانا وقناعة بدور المواطن في صناعة القرارات ونجاح تطبيقها، استنادا إلى أن تحقيق الحياة الأفضل للإنسان الأردني، هو جزء أساسي في فلسفة الحكم الهاشمي، على قاعدة "الإنسان أغلى ما نملك".
ودأب جلالته على التواصل مع المواطنين في مختلف أماكن سكناهم ومواقعهم، والإطلاع على أحوالهم، وتفقد احتياجاتهم، والارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة لهم، في نهج حكم فريد أساسه العدل ومرجعيته الانتساب لآل البيت، وشرعيته تاريخية ودينية من سلالة عرفت بالحكم الرشيد.
كما عمل جلالته على مأسسة العمل الديمقراطي والتعددية السياسية نحو ترسيخ شراكة حقيقية للجميع في العملية السياسية وصناعة القرار، فضلا عن سعيه الدؤوب لتحقيق الاستدامة في النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية بهدف تحسين مستوى المعيشة للمواطن، وكذلك الاهتمام بقطاع الشباب "فرسان التغيير" في جميع النواحي، وإطلاق المبادرات الهادفة لتفعيل دورهم في الحياة العامة، من خلال توفير الفرص أمامهم وتأهيلهم وإعدادهم الإعداد الأمثل كقادة للمستقبل.
وقاد جلالته نهج إرساء قواعد الإصلاح الإداري الوطني، وترسيخ الشفافية والمساءلة في العمل العام. كما عمل جلالته دون كلل على تقدم الحريات المدنية، جاعلاً الأردن واحدا من أكثر البلدان تقدمية في الشرق الأوسط، إلى جانب اهتمام جلالته بسن التشريعات الضرورية التي تؤمن للمرأة دورا كاملا غير منقوص في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المملكة.
وعلى نهج الهاشميين، أضاف جلالة الملك عبدالله الثاني إلى الشرعية الدينية والتاريخية والسياسية، شرعية الإنجاز التي رسخت تاريخ الدولة وحصنت حاضرها وفتحت آفاق المستقبل لأجيالها، بالاستناد إلى إنجازات ماثلة في شتى الميادين.
وجاء إنشاء المحكمة الدستورية ضمن تعديلات شملت ثلث بنود الدستور، لتكون نقطة تحول جذرية في إيجاد مرجعية قضائية عليا ومستقلة، وكذلك إنشاء هيئة مستقلة تشرف على العملية الانتخابية وتديرها في كل مراحلها، ما أسهم في إنتاج حالة إصلاحية تطويرية تقوم على الشفافية والحكم الرشيد.
وشهد القضاء في عهد جلالته جملة من التطورات الإصلاحية المهمة أسهمت في تعزيز دور القضاء النزيه والعادل، ولدى تسلم جلالته التقرير السنوي عن أعمال السلطة القضائية، أعاد جلالته تأكيد أهمية دور القضاء في ترسيخ العدالة، وسيادة القانون، ومكافحة جميع أشكال الفساد، وحماية المجتمع، وتعزيز النهج الإصلاحي وحرصه على دعم الجهاز القضائي واستقلاليته وتعزيز إمكاناته ورفده بالكفاءات المؤهلة لضمان القيام بمهامه وواجباته على أحسن وجه.
وعلى أساس التعددية في طرح الآراء والمشاركة في صنع القرار، قدم جلالته خمس أوراق نقاشية بعناوين "مسيرتنا نحو بناء الديمقراطية المتجددة" و"تطوير نظامنا الديمقراطي لخدمة جميع الأردنيين" و"أدوار تنتظرنا لنجاح ديمقراطيتنا المتجددة " و"نحو تمكين ديمقراطي ومواطنة فاعلة" و"تعميق التحول الديمقراطي: الأهداف، والمنجزات، والأعراف السياسية". وعكست هذه الأوراق الملكية القناعة الكاملة بضرورة وأهمية إشراك أفراد المجتمع ومؤسساته وأحزابه ومختلف ممثلي فعالياته في صياغة خارطة العمل السياسي لوطنهم، على قواعد الحوار الوطني الفاعل والمنتج، وصولا إلى أراء توافقية يتم تحويلها إلى خطوات إصلاحية ملموسة.
ويشارك جلالة الملك سنويا العمال في عيدهم بالتواصل معهم وتأكيده المستمر على اعتزازه وتقديره والأسرة الأردنية الواحدة الكبيرة لهم بجهودهم الخيرة في ميادين العمل والبناء، مؤكدا أنه بسواعد العمال في كل مواقع العمل، يمضي الأردن بكل ثقة نحو المستقبل، الذي يليق بوطننا الغالي وشعبنا العزيز.
ويؤكد جلالته، وبشكل متواصل، ان توزيع مكاسب التنمية بعدالة بين المحافظات يشكل أحد مرتكزات المسيرة الإصلاحية الشاملة، وترجم ذلك من خلال توجيه جلالته بإعداد خطط عمل شاملة لتنمية المحافظات وإجراء مراجعة جذرية وعاجلة لتنميها وتعزيز التنمية الشاملة والمستدامة، وتوزيع مكاسبها وتوفير فرص العمل للمواطنين، إضافة إلى توجيهه إلى إعداد خطة عمل لتنمية المحافظات بالشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني، والقطاع الخاص والمختصين في مجال التنمية، وبما يتناسب مع الميزات التنافسية لكل محافظة، وإدراج خطة العمل هذه في الموازنة العامة للدولة لسنوات مقبلة.
وفي سياق التمكين الاجتماعي للجمعيات ودور الرعاية التي تعنى بالمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة في مختلف مناطق المملكة، جاءت التوجيهات الملكية السامية بتقديم الدعم المالي المباشر لهذه الجمعيات ورفدها بما تحتاجه من تجهيزات، لتتمكن من القيام بمهامها والاستمرار في تقديم خدماتها لهذه الفئة، والارتقاء بنوعية هذه الخدمات، وبالاستناد الى معايير واضحة وأسس تضمن العدالة بين هذه الجمعيات وفق احتياجاتها ومن خلال وزارة التنمية الاجتماعية.
وفي عهد جلالته شهد النهوض بواقع المرأة ومشاركتها، وتكريس قدرتها على ممارسة جميع حقوقها، خطوات نوعية، وخصوصا على صعيد تفعيل مشاركة المرأة في الحياة السياسية والعامة، والتي تمثل واحدة من أولويات التنمية السياسية، حيث وجه جلالة الملك الحكومات لسن التشريعات الضرورية التي تؤمن للمرأة دوراً كاملاً غير منقوص في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المملكة.
وفي الشأن الاقتصادي، يؤكد جلالته أهمية العمل وبكل جدية لمواجهة التحديات الاقتصادية، عبر تحفيز بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات وتدعيم ركائز القطاع الخاص باعتباره أحد الأعمدة الرئيسة للاقتصاد الوطني والشريك الأساس في عملية الإصلاح الاقتصادي، التي تعد المفتاح للتصدي ومعالجة مشكلتي الفقر والبطالة.
ويدعو جلالته إلى تكثيف الاهتمام بإقامة شراكات بين المستثمرين الأردنيين والأجانب والاستفادة من المناطق التنموية، إحدى المبادرات الملكية السامية التي تم تنفيذها خلال العقد الماضي، فضلا عما توفره منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة التي أنشئت أيضا بمبادرة ودعم من جلالة الملك، كمنطقة اقتصادية واستثمارية وسياحية، وبوابة للأردن واقتصاده على الإقليم والعالم أجمع.
وفيما يتعلق بالتجارة التي تشكل بوابة مهمة للقطاعات الصناعية والتجارية والزراعية في المملكة، انضم الأردن في عهد جلالته، إلى منظمة التجارة العالمية، وتم توقيع اتفاقيات تجارة حرة مع ست عشرة دولة عربية، وتوقيع اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأميركية، واتفاقية الشراكة بين الأردن والاتحاد الأوروبي، ما أرسى أساسا صلبا لإدماج الأردن في الاقتصاد العالمي.
ومنذ بداية عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، تنفذ في مختلف مناطق الأردن مشروعات كبرى ومهمة أسهمت ضمن خطط واستراتيجيات واضحة تسعى لتخفيض معدل البطالة لدى الشباب، وإدماجهم في سوق العمل، وبما يسهم في تحسين مستوى المعيشة وتوسيع قاعدة الطبقة الوسطى في المجتمع.
ونفذ الأردن مشروعات كبرى في قطاعات الطاقة والمياه، بما يسهم في تنويع المصادر لهذين القطاعين الحيويين، وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة والبديلة، خصوصا الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وتماشيا مع الرؤية الملكية الرامية إلى تنويع مصادر الطاقة، وتعزيز اعتماد المملكة على الطاقة المتجددة والبديلة، دشن جلالته مشروع رياح الطفيلة للطاقة المتجددة، الذي يعد الأول والوحيد من نوعه على مستوى المملكة والشرق الأوسط، والذي يسعى لزيادة مساهمة الطاقة المتجددة بنسبة 10 بالمئة من مجمل خليط الطاقة حتى العام 2020، وبما ينسجم مع الاستراتيجية الوطنية للطاقة.
وفي قطاع الطاقة الشمسية، نفذ الديوان الملكي الهاشمي مشروع محطة توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، بقدرة توليدية 6ر5 ميجا واط، ويأتي هذا المشروع تنفيذا لتوجيهات جلالة الملك بإنشاء مشروعات لتوليد الطاقة الكهربائية من المصادر المتجددة، ولتشجيع التحول إلى الطاقة البديلة، ولتغطية احتياجات الديوان الملكي الهاشمي والقصور الملكية العامرة من الكهرباء وتخفيض النفقات والمحافظة على البيئة.
وفي مجال المياه، دشن جلالته مشروع ضخ مياه الديسي إلى عمان وعدد من محافظات المملكة بكلفة مليار دولار، ليسهم في توفير مصدر مستدام للمياه في محافظة العاصمة وباقي محافظات المملكة، ويدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ضمن منظومة متكاملة لتعزيز الوضع المائي في الأردن.
ويعد مشروع جر مياه الديسي، الذي تم إنجازه باستثمار محلي ودولي، أحد أبرز المشروعات الحيوية في إدارة مصادر المياه، ومواجهة تحديات نقص المياه وحل مشكلاتها لمحافظات المملكة كافة، حيث سيرفع حصة الفرد إلى 190 لترا مقابل 145 لترا في اليوم.
وشهد قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في الأردن بدعم من جلالة الملك تطورا كبيرا، ما عزز دور المملكة في استقطاب الاستثمار كوجهة مركزية وآمنة في هذا القطاع، اذ أقرت مؤخرا وثيقة السياسة العامة لقطاعات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والبريد للأعوام 2012-2017، بهدف المحافظة على نمو هذا القطاع الحيوي وزيادة اسهامه في التطور الاقتصادي والاجتماعي، وبما ينعكس على زيادة الناتج المحلي الإجمالي والإنتاجية والعمالة.
وشهد قطاع التربية والتعليم تطورا كميا ونوعيا في عدد المدارس ونوعية التعليم ويعمل الاردن الان ضمن إستراتيجية جديدة وخطط تنفيذية من أهم أولوياتها التركيز على التعليم التقني الذي يحتاجه سوق العمل المحلي والعربي في ظل انخفاض عدد الملتحقين بالتعليم التقني.
ويولي جلالته القطاع الصحي اهتماما فائقا حيث يشهد النظام الصحي في المملكة -الذي يتسم بتعدد الجهات المقدمة للخدمات الصحية - توسعا أفقيا وعموديا وتطورا في خدماته كما ونوعا.
ويولي جلالته القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية جل الاهتمام والرعاية، وفي عهده تأسست مجموعة كادبي الاستثمارية لتعمل كذراع تجاري واستثماري لمركز الملك عبدالله الثاني للتصميم والتطوير والشركات التابعة له، وتسعى المجموعة إلى تأسيس شراكات في المجالات الدفاعية والأمنية والصناعات المختلفة المكملة لها، ويشمل نطاق العمل الذي تغطيه عدد من القطاعات تتمثل في الآليات والصناعات الثقيلة ومعدات القوات والأسلحة والذخيرة، بالإضافة الى الخدمات المساندة.
ويؤكد جلالته على الدوام أهمية الارتقاء بالخدمات المقدمة للمتقاعدين العسكريين، فقد أكد جلالة الملك عبدالله الثاني أهمية مواصلة المؤسسة الاقتصادية والاجتماعية للمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدامى، لدورها في متابعة شؤون المتقاعدين، والتواصل معهم والارتقاء بالخدمات المقدمة لهم، مشددا على الدور الكبير للمتقاعدين في المساهمة في بناء الوطن وتعظيم إنجازاته.
وبرز الأردن، بفضل جهود جلالته ورؤيته الحكيمة، حاملا للواء السلام وداعما لتحقيقه، وداعيا للانتصار لحقوق الشعوب في العيش بسلام وأمن.
ويحمل جلالته رؤية واقعية واستشرافية لقضايا الشرق الأوسط، قاد على أساسها جهود الدبلوماسية الأردنية في المحافل الدولية، ليكون ميزان التعامل معها وفق حلول سياسية شاملة، بعيدا عن الحروب، التي لم تجلب لشعوب هذه المنطقة سوى الدمار والخراب.
كما عمل جلالته على تعزيز دور الأردن الإيجابي والمعتدل في العمل من أجل السلام والاستقرار الإقليمي والعالمي، عبر المبادرة والمساهمة وقيادة ودعم الجهود الكفيلة بالتوصل إلى حلول عادلة وشاملة للقضايا والملفات الملحة.
ويؤمن جلالته بأن الأردن هو وارث رسالة الثورة العربية الكبرى، ولذلك يجب أن يظل الأكثر انتماء لأمته العربية والأكثر حرصاً على القيام بواجبه تجاه قضايا هذه الأمة، وتطلعات أبنائها المستقبلية. وعلى رأس هذه القضايا القضية الفلسطينية، التي هي قضية الأمة العربية الأولى في الدفاع عن القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، والوقوف إلى جانبهم بكل ما يمتلكه الأردن من إمكانيات وعلاقات مع العالم، فضلا عن رعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس والحفاظ على هوية المدينة وعروبتها. فالقضية الفلسطينية هي في صلب اهتمامات جلالة الملك وأولوياته، باعتبارها القضية المركزية في الشرق الأوسط. ولم يألوا جلالته جهدا لحشد التأييد والدعم للقضية الفلسطينية، حيث عمل على توظيف واستثمار علاقات الأردن مع القوى المؤثرة في المجتمع الدولي، من أجل إيجاد حل عادل وشامل يكفل للفسطينيين إقامة دولتهم المستقلة القابلة للحياة على ترابهم الوطني، ونيل حقوقهم المشروعة. وبقيت القدس والمسجد الأقصى في قلب الملك الهاشمي، حيث تبرع جلالته وعلى نفقته الخاصة، بترميم مسجد منبر صلاح الدين وإعادته إلى المسجد الأقصى، الذي امتدت إليه اليد الآثمة يوم الحادي عشر من آب عام 1969. وفي شباط 2007 أزيح الستار عن هذا المنبر، الذي أعيد تصنيعه بمكرمة ملكية هاشمية سامية عكست حرص الهاشميين على المحافظة على المقدسات والآثار الإسلامية في مدينة القدس.
وترسيخا لهذا النهج الذي اختطه الهاشميون على مر التاريخ، أعلن جلالة الملك عبدالله الثاني، عن بناء مئذنة خامسة للمسجد الأقصى المبارك، وتنفيذ احتياجات المسجد من الصيانة اللازمة، وتجديد فرش مسجد قبة الصخرة المشرفة بالسجاد، لما لهذا المكان المقدس من مكانة كبيرة لدى الهاشميين والمسلمين في كل مكان. كما أعلن جلالته عن إنشاء صندوق خاص ووقف يعنى بالمقدسات، ويساعد على تلبية هذه الاحتياجات، ويضمن استمرارية صيانة وحماية وإعمار المقدسات الإسلامية وفي مقدمتها المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة.
وشكلت الأزمة السورية وتداعياتها أولوية في أجندة جلالته، ويؤكد جلالته، في هذا السياق، ضرورة إيجاد حل سياسي وشامل لهذ الأزمة ينهي دوامة القتل والعنف ويضمن وقف الكارثة الإنسانية التي يتعرض لها الشعب السوري، ويحفظ وحدة الأراضي السورية.
ويقدم الأردن الخدمات الإنسانية والإغاثية للاجئين السوريين على أراضيه، ما يفرض أعباء إضافية على موازنة الدولة وضغطا على بنيتها التحتية وقطاعات التعليم والصحة والمياه فيها. ويتصدى الأردن، بقيادة جلالة الملك، للحملات التي تسعى إلى تشويه صورة الإسلام السمح، وإلصاق تهم التطرف والإرهاب بالمسلمين، عبر تبني جهود فكرية وحوارات دولية ومبادرات تبرز حقيقة الإسلام بوصفه دينا للتسامح والسلام وقبول الآخر، وقد عبر جلالته عن ذلك في خطابات أمام المجتمع الدولي مرات عديدة.
وضمن جهد دولي لمحاربة الإرهاب والفكر المتطرف، يشارك الأردن في الحرب على الإرهاب بهدف القضاء على عصاباته الإجرامية التي انتهجت التطرف وقتل الأبرياء وانتهاك الحرمات لتقويض جهود احلال السلام والتنمية والأمن والاستقرار في الشرق الأوسط والعالم أجمع .
وإلى جانب جلالة الملك عبدالله الثاني، تعمل جلالة الملكة رانيا العبدالله ضمن ايمانهما بضرورة توفير التعليم النوعي وتشجيع التميز والابداع من أجل تمكين الأفراد والمجتمعات.
وتعمل جلالتها ضمن المبادرات والمؤسسات التي أطلقتها في مجالات التعليم والتنمية، حيث تعمل مؤسسة الملكة رانيا للتعليم والتنمية على بناء الأفكار التعليمية وتعتبر حاضنة للبرامج التعليمية الجديدة.
وإحدى أهم هذه البرامج وأكثرها قدرة على إحداث التغيير هي مبادرة (إدراك) التي أطلقتها جلالتها في أيار عام 2014، كأول منصة غير ربحية باللغة العربية للمساقات الجماعية الإلكترونية المفتوحة المصادر، بالشراكة مع "إدكس"، وجاءت هذه المنصة انسجاما مع إيمان جلالة الملكة بأهمية التعليم في تطوير المجتمع وتنميته، والرغبة في الاستفادة من التكنولوجيا المتطورة وكانت جلالتها أول من سجل في مساقاتها.
ويتم تطوير المساقات بالتعاون مع عدد من أفضل الأكاديميين العرب، وبالشراكة مع أفضل الجامعات. وتتيح هذه المنصة فرصاً لإبراز نماذج عربية جديدة من خلال تطوير مساقات قصيرة يقوم عليها محترفون وخبراء عرب في مجالات مختلفة. وأطلقت "إدراك" مؤخراً خاصية الترجمة للغة الإشارة لضمان دمج فئة الصم لرواد المنصة وذلك تطبيقا لشعارها "العلم لمن يريد".
ويقام برعاية جلالة الملكة رانيا العبدلله وبحضورها فعاليات ملتقى مهارات المعلمين. والذي تنظمه أكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين سنويا منذ عام 2014، ويشارك فيه تربويون من الأردن والدول العربية، ويهدف إلى تبادل الخبرة والمعرفة وإتاحتها للجميع من أجل تمكين المعلمين من تحقيق أعلى درجات المعرفة داخل الغرفة الصفية وخارجها. وتهدف أكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين التي أنشأتها جلالتها في حزيران عام 2009 إلى تطوير التعليم في الأردن والشرق الأوسط عن طريق توفير البرامج التدريبية وبرامج التنمية المهنية.
وحرصت جلالتها على متابعة مبادرة التعليم الأردنية، التي أطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني في العام 2003 كمنظمة غير ربحية تبني شراكات بين القطاعين العام والخاص لتحفيز الاصلاح التعليمي حيث جهزت هذه المبادرة العديد من المدارس الحكومية بتكنولوجيا المعلومات، وزودتها بمناهج متقدمة وتم تبني نموذج المبادرة في عدد من الدول. وبهدف وضع معايير وطنية للتميز في التعليم والاحتفال بالمتميزين وتشجيعهم، أطلق جلالة الملك عبدالله الثاني وجلالة الملكة رانيا العبدالله بشراكة مع وزارة التربية والتعليم، في العام 2005، جائزة سنوية للمعلم، باسم جائزة الملكة رانيا العبدالله للتميز التربوي وانبثق عنها جائزة المدير المتميز، وجائزة المرشد التربويّ المتميز.
وفي عام 2006 تم انشاء صندوق الأمان لمستقبل الأيتام بمبادرة من جلالة الملكة رانيا العبدالله، وترأس جلالتها مجلس أمناء الصندوق الذي يهدف إلى توجيه الأيتام فوق سن 18 عاماً، ومد يد العون لهم بعد مغادرتهم دور رعاية الأيتام حتى يتمكنوا من الاعتماد على أنفسهم والمساهمة في المجتمع.
وتترأس الملكة رانيا المجلس الوطني لشؤون الأسرة الذي أسس بإرادة ملكية سامية في أيلول 2001 بهدف المساهمة في تحسين نوعية الحياة لجميع العائلات الأردنية. كما ترأس جلالتها مؤسسة نهر الأردن وهي مؤسسة غير حكومية تساعد الأفراد والمجتمعات الأقل حظاً في الأردن وتقوم المؤسسة بتوفير التدريب والمهارات اللازمة لعائلات بأكملها لتحسين ظروفها المعيشية.
وفي العام 2005 أسست جلالتها الجمعية الملكية للتوعية الصحية لزيادة الوعي الصحي وتمكين المجتمع المحلي من اتباع سلوكيات صحية، وانشأت جلالتها أول متحف تفاعلي للأطفال في الأردن بهدف إيجاد بيئة تعليمية لخبرات تفاعلية تشجع وتعزز التعلم مدى الحياة لدى الأطفال حتى عمر 14 عاماً وأسرهم.
وعملت جلالتها على ابراز الصورة الحقيقية للاسلام باعتباره دين الرحمة والسلام وسلطت الضوء على التحديات التي يتحملها الاردن والاردنيون نتيجة لاستقبال اعداد كبيرة من اللاجئين عبر لقاءات صحفية لجلالتها نشرت في اوروبا وامريكا وفي كلمات شاركت بها في مؤتمرات دولية وعربية. وشاركت جلالتها إلى جانب عدد من قادة العالم في اجتماعات لبلورة وتحديد الأهداف الإنمائية للألفية التي تتصل مباشرة بصحة الأطفال وتعليمهم ورفاهيتهم. وضمن جهود جلالة الملكة رانيا العبدالله يتم التحضير من أجل اطلاق الدبلوم المهني لإعداد وتأهيل المعلمين في الأردن قبل انخراطهم بمهنة التدريس والذي ستنفذه أكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين بالشراكة مع معهد التربية التابع لكلية لندن الجامعية وبدعم من وزراة التربية والتعليم والجامعة الأردنية، بالإضافة الى تنظيم أسبوع عمان للتصميم الذي أطلقته جلالتها ليكون منصة لتعزيز قطاع التصميم في الأردن والانطلاق به نحو التقدير الدولي وليصبح حدثاً سنوياً يحتفي بالمواهب والتجارب الوطنية والعربية.
وزارت جلالتها مخيم للاجئين في اليونان، حيث دعت إلى استجابة عالمية جماعية لأزمة اللاجئين، وتسلمت جلالة الملكة رانيا العبدالله من سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي "وسام محمد بن راشد للمرأة"، تقديراً لإنجازاتها وتأثيرها في مناصرة ودعم تمكين المرأة في العالم العربي. وتسلمت جلالتها جائزة والتر راثيناو من قبل المستشارة الألمانية انجيلا ميركل في حفل خاص نظمته مؤسسة والتر راثيناو التي اقرت منح جلالتها جائزتها السنوية لهذا العام.
وتسلمت جلالتها في نيويورك جائزة من الملكة سيلفيا ملكة السويد تقديراً لدعمها لحقوق الأطفال في الأردن وحول العالم.
وضمن زيارة عمل لجلالة الملك عبدالله الثاني إلى جمهورية إيطاليا، تسلمت جلالة الملكة رانيا العبدالله في روما شهادة الدكتوراة الفخرية في "علم التنمية والتعاون الدولي" من جامعة سابينزا التي تعتبر من أعرق الجامعات في أوروبا، وذلك تقديرا لجهود جلالتها في تشجيع الحوار ومحاربة الارهاب والأفكار الظلامية.
نشرت جلالتها رسما كاريكاتيرا من فكرتها على حسابيها الرسميين على تويتر وفيسبوك ردا على ما نشرته صحيفة شارلي ابدو الفرنسية عن اللاجئ السوري الطفل إيلان الكردي 3 سنوات، والذي وجدت جثته على شواطئ تركيا أيلول الماضي بعد محاولة يائسة للوصول الى اليونان وتم تنفيذ الرسم من قبل فنان الكريكاتير الأردني اسامة حجاج.
بالتعاون مع جلالة الملكة رانيا العبدالله، أعلنت "Google" عن إطلاق أكبر خدمة تجول افتراضي للبترا و30 موقعاً اخر في الأردن ضمن خرائط "Google" التي تسمح للمستخدمين استكشاف أماكن من العالم مثل المعالم والعجائب الطبيعية والمواقع الهامة ثقافيًّا وتاريخيًّا.