يجري اليوم في الساحة السماوية لدائرة قاضي القضاة، التحري والإعلان عن بداية شهر رمضان المبارك لهذا العام، وفق الدائرة، بحضور سماحة مفتي عام المملكة ووزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية وهيئة القضاء الشرعي.
وأصدر سماحته الاسبوع الماضي، تعميماً للمحاكم الشرعية كافة، طلب منها فتح أبوابها، ليكون أصحاب الفضيلة قضاة الشرع الشريف والموظفون على رأس عملهم، لاستقبال المواطنين لسماع الشهادة في حالة الرؤية وحسب الشروط الشرعية المعمول بها.
فرؤية هلال شهر رمضان، ايذان ببدء فريضة الصوم، في شهر يجتهد الناس فيه بالطاعات والتقرب لله، وفعل الخيرات وصلة الأرحام.
المواطنون بدأت استعداداتهم لاستقبال الشهر الفضيل قبل أيام، بتجهيز لوازم الشهر من مواد غذائية وزينة، وإعداد لأجواء أسرية وإيمانية، تجعل هذا الشهر مميزا بنكهته وأجوائه التي تبعث على التأمل ومراجعة النفس، والتغيير في إيقاع الحياة اليومية.
السبعينية آمنة الملاح من مدينة إربد، تسترجع بذاكرتها ما كانت عليه أجواء هذا الشهر في أعوام خلت، فتقول "كنا ننتظر رمضان بشغف كبير، فتجد الصغار والكبار يخرجون للساحات في اربد، لرؤية الهلال أو لسماع أصوات المآذن، أو الاصغاء لصوت المدفع الرمضاني، وهو يعلن دويه كفاتحة لبدء الشهر الفضيل".
وتضيف، أن الأجواء والاستعدادات لرؤية هلال رمضان، كانت محملة بالكثير من الاحتفال، فتجد إمام المسجد في كل حارة يستعين بالشباب، وأحيانا بالنساء لتنظيف المسجد، والكل يتطوع من أجل أن يظهر مسجد حيّه بأجمل حلة، وفي هذا الشهر يتزايد عدد الوافدين للمسجد بخاصة لأداء صلاة التراويح.
السبعيني الدكتور أمين ابو ليل، يعود بذاكرته للوراء، مستذكرا ما كان يسود القرى والمدن الفلسطينية المجاورة للمسجد الأقصى من ابتهاجات، عند رؤية هلال رمضان.
ويضيف أن الايام التي كانت تسبق تلك الرؤية، في ستينيات القرن الماضي، تجعل الناس يتدافعون في أحيائهم لتنظيف المساجد، وتغطية أرضياتها بـ "الحُصر" وإضاءة الفوانيس.
ويقول ابو ليل إن الابتهاجات، كانت تعبّر عن حقيقة الفرح بالشهر المبارك، وسمو وصفاء الروح، وابتعاد النفس عن الأهواء تقرباً لله، بالاضافة لتقارب الناس فيما بينهم.
ويشير الى ان موائد رمضان في ذلك الزمان، كانت بسيطة، عند الافطار والسحور، وكان طعام الافطار من القمح المجروش المطبوخ لدى كثير من الأسر.
ويضيف ابو ليل، كانت البساطة في الحياة المعيشية والمحبة والتواصل الاجتماعي، تقوم على الفطرة، بعيدا عن الضغائن أو الحسد والنزاعات، التي تحدث للأسف في ايامنا هذه، فناس ذاك الزمان (خمسينيات القرن الماضي وما قبلها) كانوا أكثر التزاماً بتأدية مناسك الشهر الفضيل.
ويتابع، ان رؤية الهلال، كانت بالنسبة لنا في القرى والمدن الاردنية والفلسطينية، تعتمد على رؤية الاشقاء المصريين في بلدهم، بحكم انهم كانوا يملكون مراصد فلكية لم تتوافر لدينا، وكنا نتلقى خبر بدء رمضان عبر اذاعة "صوت العرب".
يقول إمام وخطيب جامع ابو قورة في عمان الشيخ عبدالقادر الساحوري إن "رؤية الهلال، رؤية شرعية، بينتها آيات عديدة وأحاديث نبوية شريفة، اذ يقول الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج)".
ويضيف الساحوري ان الآيات الكريمة تؤكد أن رؤية الهلال وجوب شرعي، ولا يجوز احتساب الشهر الفضيل حساباً فلكياً، بل برؤية العين المجردة، ولا بد أيضاً من توافر الشهود، لذلك يلجأ العالم الاسلامي، ومنه الأردن إلى فتح المحاكم الشرعية.
ويشير الى ان قدسية تحري رؤية الهلال، تتجلى بقول رسولنا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته".
ويوضح الساحوري انه لتغير الظروف البيئية والجغرافية، وما يسود المناطق والسماء من أحوال الكون المناخية، أصبحنا نستعين بالمراصد الفلكية.
ويوضح أن المسلمين في مختلف مناطقهم ابان القرون الماضية، كانوا يراقبون الهلال من مناطق مرتفعة، بينما كانت الأجواء في الصحراء صافية، ورؤية الهلال بُعيد الغروب ليست كالأجواء التي يعيشها العالم الاسلامي في عصرنا الحاضر، بحيث التلوث البيئي.
ويبين الساحوري أن الحساب الفلكي عادة يعتمد على توّلد الهلال أو ما يسمى بالنقطة الحرجة (المحاق)، وهو الليل الذي لا يطلع فيه القمر، فالحساب الفلكي أحياناً يخدم الرؤية الشرعية، وأحياناً لا يخدمها وخصوصاً عند غروب الشمس.
ويشير الى خطوط الطول التي تحدد رؤية الهلال من دولة لأُخرى من حيث موعد اليوم الاول من الصيام، اذ تعد دول الأردن والسعودية واليمن وتركيا والعراق ومصر وسورية ولبنان على خط واحد، ما يعني ان رؤية الهلال في أي منها، يمكن أن تأخذ به هذه الدول.
ويلفت الى أن السعودية يمكن أن تكون مرجعية في هذا الشأن، بحكم الموقع الجغرافي والمساحة الواسعة، وكونها متوسطة في المنطقة.