كلف جلالة الملك عبدالله الثاني الدكتور هاني الملقي تشكيل حكومة جديدة، خلفا لحكومة الدكتور عبدالله النسور، التي قدمت استقالتها لجلالته اليوم.
وفيما يلي نص كتاب التكليف:
بسم الله الرحمن الرحيم
عزيزنا دولة الأخ الدكتور هاني الملقي، حفظه الله،
تحية طيبة وبعد،
فيسرنا أن نبعث إليك بتحية عربية هاشمية، ملؤها المودة والاحترام والتقدير، ونحن نحتفل في وطننا الأردني العزيز، بمناسبات تاريخية غالية تتمثل بالعيد السبعين لاستقلال المملكة، والذكرى المئوية للثورة العربية الكبرى، وعيد الجيش العربي المصطفوي.
وقد عرفتك من رجالات الأردن الأوفياء، صادق الانتماء والولاء لقيادتك ووطنك، عاملاً بجد وإخلاص لما فيه خير ومصلحة الأردن العزيز، متميزاً بالكفاءة والقدرة، واضعاً نصب عينيك دائماً خدمة الوطن والمواطن.
وبعد قبولنا استقالة حكومة دولة الأخ الدكتور عبدالله النسور، واستناداً إلى ما عهدناه فيك من خبرة ورؤية في مجالات العمل المختلفة، فإننا نعهد إليك بتشكيل حكومة جديدة، لتبني على ما تحقق من إنجازات وتقوم بواجباتها ومهماتها الوطنية، في هذه المرحلة التي يمر بها وطننا وأمتنا والعالم من حولنا.
ولمّا كانت الاستحقاقات الدستورية تتطلب إجراء الانتخابات النيابية خلال فترة لا تزيد على أربعة أشهر بعد أن صدرت إرادتنا بحل مجلس النواب، فإنه لا بد من توفير وسائل الدعم والتسهيلات كافة للهيئة المستقلة للانتخاب، لتمكينها من القيام بواجبها الوطني المتمثل بإدارة جميع مراحل العملية الانتخابية بنزاهة وشفافية.
إن قانون الانتخاب، الذي تم إقراره، والذي ستجري على أساسه الانتخابات القادمة، يُعد إنجازاً وطنياً على صعيد مسيرتنا الإصلاحية، حيث انتقلنا من النظام القائم على الصوت الواحد إلى النظام النسبي، الذي يعتمد القوائم المفتوحة. ونحن نأمل أن يكون هذا القانون محفزا للمرشحين للانضمام إلى تكتلات سياسية برامجية، بعيداً عن الانتماءات والمصالح الفرعية الضيقة؛ ما يساهم في تشكيل كتل نيابية ذات بنية أقوى وذات برامج وأهداف محددة تعمل تحت قبة البرلمان بشكل أكثر نضوجاً؛ الأمر الذي يعتبر نقلة نوعية في تحقيق ما نطمح إليه في مسيرتنا نحو بناء الأحزاب وتطويرها وصولاً إلى الحكومات البرلمانية.
وفي الإطار ذاته، فإن قانون اللامركزية الذي أنجز خلال العام الماضي يعد حلقة مهمة من حلقات الإصلاح السياسي، والذي يقوم على تعزيز مشاركة المواطنين في صنع القرار التنموي، ما يساهم في تطوير وبناء قدرات المحافظات ويحقق توزيعاً أكثر عدالة لمكتسبات التنمية. لذا، على الحكومة إصدار جميع الأنظمة والتعليمات الضرورية لتنفيذ قانون اللامركزية، بما في ذلك اتخاذ الترتيبات الضرورية لإجراء انتخابات مجالس المحافظات العام المقبل.
ومما لا شك فيه أن الإصلاح السياسي لا يحقق ثماره المرجوة إلا بتعزيز مبدأ سيادة القانون. فما حققناه من خطوات على مسار الإصلاح السياسي يجب أن يتماشى مع إصلاحات إدارية تهدف إلى تعميق سيادة القانون وتطوير الإدارة وإفساح المجال للقيادات الإدارية القادرة على التغيير والإنجاز. وقد قطعنا شوطا في هذا المجال، حيث تم وضع ميثاق لمنظومة النزاهة الوطنية وخطة تنفيذية لها، وتم إقرار قانون للنزاهة ومكافحة الفساد، وذلك ترسيخاً لقيم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، وتجذيراً لمبدأ تلازم السلطة والمسؤولية في المناصب العامة. ولا بد من ترجمة كل ذلك إلى ممارسات واضحة يلمسها المواطن.
إن الضعف في أداء بعض أجهزة الحكومة يترتب عليه آثار سلبية على المواطن والمستثمر يدفع ثمنها الوطن، لذا لا بد من اتخاذ اجراءات فاعلة ومباشرة لتحسين مستوى الأداء في هذا الجهاز، ولا بد من الإسراع في تنفيذ مشروع الحكومة الإلكترونية لتمكينها من رفع سوية الخدمات وزيادة مستويات الشفافية.
وكذلك يجب العمل بشكل حثيث لرفع مستوى الخدمات المقدمة للمواطن في مختلف المجالات. ولتحقيق ذلك، لا بد من النزول إلى الميدان للتواصل مباشرة مع المواطنين وتلمس احتياجاتهم والخدمات المقدمة لهم، لضمان الاستجابة السريعة والعادلة لقضايا المواطنين في جميع المحافظات. وهذا يتطلب وجود فريق وزاري قادر على تحمل مسؤولياته بالكامل، والعمل بشجاعة واقتدار في إيجاد الحلول دون تباطؤ أو اختلاق أعذار، أو تردد في اتخاذ القرار. ويكون معيار التقييم الرئيسي للفريق هو ما يقدمه من إنجاز وخدمة للمواطن، حتى لا تضيع على شعبنا ووطننا الفرص، وحتى نتمكن من تحقيق المستقبل الذي نطمح إليه، ويستحقه شعبنا العزيز.
كما أن تطبيق مبادئ العدالة والمساواة والشفافية وتكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع لا يكتمل إلا بوجود جهاز قضائي قادر على القيام بواجباته بسرعة وكفاءة. فقناعتنا مازالت راسخة بأن لا تنمية سياسية وإدارية واقتصادية إلا بوجود جهاز قضائي يكرس العدل والمساواة لتعزيز شعور الطمأنينة عند الجميع. وعليه، يجب الاستمرار في التعاون مع السلطة القضائية لتوفير كل ما تحتاج إليه في عملها لتمكينها من توفير بيئة قضائية نزيهة وشفافة، وإنجاز السياسات والتشريعات اللازمة للنهوض بالجهاز القضائي وتحديثه.
دولة الأخ،
إن المملكة تواجه صعوبات اقتصادية جمّة في ظل أوضاع إقليمية ملتهبة ألقت بظلالها على مستويات النمو. لذا لا بد من اتخاذ اجراءات استثنائية خلّاقة تساعد على مواجهة هذه التحديات وتخطي الصعوبات، لتحقيق معدلات نمو أعلى، وتعزيز تنافسية اقتصادنا الوطني، وإيجاد فرص العمل للمواطنين لتوفير العيش الأفضل لشعبنا الوفيّ.
ولمّا كانت رؤية الأردن 2025 تمثل رؤية وطنية بعيدة المدى تحدد الإطار العام المتكامل للسياسات الاقتصادية والاجتماعية، القائمة على إتاحة الفرص للجميع وقاعدة لتعزيز سيادة القانون، وتكافؤ الفرص، وزيادة مستوى المشاركة في صياغة السياسات وتحقيق التنمية المستدامة والشاملة، فإنه لا بد من متابعة تنفيذ السياسات والإجراءات اللازمة وتوفير البيئة المطلوبة لتحقيق أفضل مستويات الشراكة والتعاون، وتضافر الجهود بين الحكومة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني بشكل حقيقي وفاعل.
لذلك، فلا بد من إعداد حزمة متكاملة من الإجراءات الكفيلة بمواجهة هذه التحديات الاقتصادية، وخلال الأسابيع القادمة، ليبدأ تنفيذها في اسرع وقت حيث ستكون معياراً أساسياً في تقييم أداء الحكومة. ولا بد أيضاً من متابعة تحقيق الإصلاحات الاقتصادية الضرورية، وتنفيذ الاستراتيجيات والخطط الموضوعة وعلى راسها استراتيجية التشغيل. كما ويجب العمل على إزالة الاختلالات ومراجعة التشريعات وتحسين بيئة الاستثمار لتحفيز النمو، بالإضافة الى أهمية الحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي.
وقد تم إقرار قانون صندوق الاستثمار الأردني، والذي من شأنه أن يفتح المجال للاستثمارات العربية في مشاريع تنموية واستثمارية تساهم في توفير فرص العمل وتحقق عائدا هاما للاقتصاد الوطني، ومن الضروري الانتهاء من إعداد هذه المشاريع بشكل سريع.
ويجب أن تقوم الحكومة بمواصلة بناء علاقات اقتصادية متينة مع أشقائنا العرب والدول الصديقة. وقد جاء إنشاء المجلس التنسيقي السعودي - الأردني بهدف وضع العلاقات الاستراتيجية بين البلدين ضمن إطار مؤسسي يعزز التعاون في مجالات واسعة وبما يخدم مصلحة البلدين ويعزز التكامل بينهما. وعلى الحكومة أن تبدأ بالتحضير لعقد اجتماعات المجلس بأسرع وقت للتوصل لغاياتنا المشتركة.
دولة الأخ،
لقد تضاعفت تحدياتنا الاقتصادية بسبب الأعداد الكبيرة من اللاجئين الباحثين عن الأمن والأمان. وقد كان الأردن، ومنذ استقلاله، الملاذ للعديد من اللاجئين من إخواننا العرب وسيستمر بواجبه الإنساني تجاه أشقائنا ضمن طاقاته وإمكانياته، علماً بأن ما قمنا به يتجاوز قدراتنا ويتجاوز ما قدمه المجتمع الدولي بكثير. ومن هنا، أؤكد على أهمية متابعة تنفيذ مخرجات مؤتمر لندن للمانحين لضمان توفير الدعم المطلوب للأردن في تحمل أعباء اللجوء السوري.
لقد أكدت غير مرة أن أولويتي الأولى والتحدي الحقيقي الذي يواجه وطننا يتمثل في التصدي لمشكلتي الفقر والبطالة، حيث أنهما يزيدان من معاناة المواطن الذي نسعى دائماً لتوفير حياة كريمة تليق به. لذلك، لا بد أن تولي الحكومة هذا التحدي جُل اهتمامها وتضعه على رأس أولوياتها من خلال القيام بوضع برامج تنموية وإنتاجية على المستوى المحلي تشمل كافة المحافظات والبلديات، وتضع تصوراً تنمويا مستداماً لها.
كما وعلى الحكومة الاهتمام بشكل خاص بالتربية والتعليم والتعليم العالي والتدريب المهني، لما لها من أهمية بالغة في رفد سوق العمل بالكفاءات التي تتطلبها التنمية وإعداد الأجيال القادرة على مواجهة التحديات، والعمل بشكل وثيق مع اللجنة الملكية لتنمية الموارد البشرية لتنفيذ ما يتفق عليه من توصيات.
إن استهلاكنا من الطاقة في تزايد مستمر، وارتفاع أسعار الطاقة عالمياً يشكل سببا رئيساً في زيادة مديونية الدولة. ولذلك، فلا بد من الاستمرار بشكل حثيث بالإجراءات التنفيذية لتنويع مصادر الطاقة، وبخاصة الطاقة البديلة والمتجددة، وتحرير سوق المشتقات النفطية، واستكمال الاجراءات التنفيذية للمشاريع الكبرى في مجالات حيوية، خاصة في قطاعات الطاقة والمياه والنقل.
أمّا بالنسبة لقطاع الصحة، فإن خدماتنا الصحية تعد نموذجاً متميزاً في المنطقة، وهي بحاجة إلى تطوير دائم للحفاظ على المستوى الذي وصلت إليه ورفع سويتها. وفي هذا الإطار، يجب العمل على الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، واستكمال مشاريع الربط الإلكتروني والحوسبة لهذا القطاع، وتعزيز دور مجلس اعتماد المؤسسات الصحية، وتوسيع مظلة التأمين الصحي، والاهتمام بالسياحة العلاجية، وتسهيل جميع الاجراءات ذات العلاقة خدمة للاقتصاد الوطني.
وبالنسبة لقطاع السياحة، فيجب إيلاء هذا القطاع أهمية خاصة نظراً لما يعانيه بسبب الظروف الإقليمية، ولما تمثله مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي، وتشغيل الأيدي العاملة الأردنية.
وأما قطاع الشباب، فإنه بحاجة إلى اهتمام حكومي أكبر نظراً لما عاناه العمل الشبابي خلال السنوات الماضية من افتقار للرعاية الكافية، التي تساعد الشباب على إيجاد فرص الحياة الكريمة. لذا يجب الحرص على دعمهم وتمكينهم، وتحفيزهم على الإبداع واستثمار طاقاتهم. فهم محور مسيرتنا التنموية واللبنة الأساسية في بناء أردن المستقبل. ولا بد من التواصل معهم بشكل مستمر، ورعاية القيادات الشابة وتأهيلها لحمل المسؤولية، وإيجاد جيل من الشباب المسلح بالمعرفة والعلم والانتماء، ليكون شريكا فاعلا في بناء حياتنا السياسية والاقتصادية والثقافية بعيدا عن التطرف والغلو.
ولا بد للمرأة أن تتبوأ مكانتها التي تستحقها في المجتمع وسوق العمل بعد أن أثبتت جدارتها في المجالات كافة. فلا تزال نسبة مشاركة المرأة دون الطموح الذي نسعى إليه، ما يشكل عقبة اساسية في مسيرتنا التنموية لا بد من العمل على تجاوزها.
دولة الأخ،
إن ما تشهده المنطقة العربية من حروب أهلية ونزاعات طائفية تغلغلت فيها يد الإرهاب فسفكت دماء الأبرياء، وتمكنت من تجاوز حدود الإقليم لتضرب مواقع مختلفة في العالم، يزيدنا يقيناً وإصراراً على أهمية الاستمرار في الحرب على قوى الظلام وخوارج هذا العصر. وسيلتزم الأردن بتعهداته الإقليمية والدولية بمحاربة الإرهاب، فهي حرب المسلمين بالمرتبة الأولى، وخوضها واجب ديني للدفاع عن العقيدة الإسلامية السمحة والدفاع عن مستقبل أبنائنا وحقهم في العيش بأمان واستقرار.
وسيبقى الأردن قوياً وآمناً، إن شاء الله، بفضل جهود القوات المسلحة - الجيش العربي والأجهزة الأمنية، التي طالما كانت سداً منيعاً بوجه كل من يفكر في العبث بأمن هذا البلد واستقراره. ومن هنا، أعرب عن اعتزازنا وفخرنا برفاق السلاح وحقهم في توفير الدعم اللازم لهم لتمكينهم من الاستمرار في القيام بمسؤولياتهم الوطنية الجليلة، بمنتهى التميز والكفاءة والاقتدار.
لقد استطاعت المملكة الأردنية الهاشمية، وعلى مر العقود، أن تتبوأ مكانة مرموقة بين دول العالم ومصداقية عالية في علاقاتها الإقليمية والدولية، واحترامها للمواثيق والمعاهدات الدولية. وعلى الحكومة الاستمرار في هذا النهج، الذي يميز دبلوماسيتنا الأردنية وهويتنا على الساحة الدولية.
لقد كان الأردن، وسيبقى على الدوام، ملتزماً بمواقفه التاريخية ومدافعاً عن قضايا أمته العربية والإسلامية. وسيظل، بعون الله، الداعم الحقيقي لأشقائنا الفلسطينيين، وسيستمر في توظيف علاقاته الخارجية في سبيل قيام دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني، وعاصمتها القدس الشرقية، وفق مبادرة السلام العربية، وقرارات الشرعية الدولية. وستبقى القدس، من منطلق مسؤوليتنا الدينية والتاريخية ووصايتنا على الأماكن المقدسة فيها، أمانة نتشرف بحمل مسؤولية الدفاع عنها ضد محاولات الاعتداء على مقدساتها وتغيير الوضع القائم فيها.
وإنني إذ أعرب عن ثقتي بقدرتك على تحمل أمانة المسؤولية، والالتزام بتوجيهاتنا وتنفيذها على أرض الواقع، منتظراً موافاتي بأسماء زملائك الوزراء، لأؤكد على أنكم ستجدون مني كل الدعم والمؤازرة.
سائلاً المولى عز وجل أن يوفقكم ويعينكم على تحمل أمانة المسؤولية، وخدمة وطننا العزيز وشعبنا الوفي.
أخوكم،
عبدالله الثاني ابن الحسين
عمان في 22 شعبان 1437 هجرية
الموافق 29 أيار 2016 ميلادية