رؤيا - حافظ أبو صبرا - يرقد في سرير الشفاء، يبدو أفضل حالًا مما كان عليه من قبل وقت أحرقه المستوطنون وعائلته في قرية دوما جنوب نابلس في الحادي والثلاثين من شهر تموز الماضي، حين بقي الشاهد الوحيد على جريمة الإحتلال التي هزّت كل من يحمل في جوفه مشاعر انسانية، حينما رحل الرضيع علي وتبعه والده سعد، ووالدته رهام، ليبقى أحمد وحيدًا لا يعِ ما حل بأسرته الصغيرة، ولا يعرف حتى أنه تم احراقهم.
من حقك أن تغضب منها نعم، فلو كنت مكانك لفعلت ذلك، لو كنت في سرير الشفاء ولم تزرني أمي ولو لحظة ساغضب، سأغضب جدا حتى تأتِ لتحتضن طفولتي.
لم يكن هذا الطفل الذي يحمل على محياه إبتسامة تسرق القلوب، يعلم أنه بينما كان يسأل عن والدته، كانت رهام تلفظ أنفاسها الأخيرة، لاحقة بوالده سعد، وشقيقه الشهيد الرضيع علي، إذن حقه أن يغضب، هذا الغضب الذي سيتحوّل مستقبلًا، لدفعات من الأمل والحب لأرواح من رحلوا، وفداءً للوطن،
سيكبر أحمد حاملًا في قلبه فلسطين التي حملت في جوفها أجساد من رحلوا، سيكبر أحمد، لا يعلم هو الآن ما يجري من حوله، لكنه سيعي يومًا ما، أن فلسطين كلها ثارت لدماء عائلته ولحرمة الأقصى.
أحمد شاهدٌ، قد لا يروي ما حدث، أو يستذكر تلك الليلة التي احرق بها المستوطنون عائلته وهي نائمة بسلام، السلام الذي يحلم به الفلسطينيون منذ أكثر من سبعة وستين عامًا.
جروح وآلام أحمد سيحملها خلال أعوام عمره القادمه بمشية الله، توجه رسالة للعالم، أن المحرقة الحقيقية هي ارهاب الاحتلال الذي يمارسه جيشه ومستوطنوه ضد الفلسطينيين يوميًا بتنوع أشكاله بين الاعدام والاغتيال والتصفية والحرق والاعتقال والتشريد، لا ما خرج نتنياهو يتحدث به في الأمس القريب عن كذبة محرقة اليهود لا بل واتهم الفلسطينيين زورًا بالتحريض عليها.