في خضم استمرار عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة لليوم الـ 157 على التوالي وتهديدات العدو لمنع المصلين من الصلاة في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، دعا خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري إلى شد الرحال للمسجد الأقصى، مشددا على أن أجواء العبادة يجب أن تكون “دون تنغيص وعرقلة وتوتر”، وحذر من “مفاجآت” إسرائيلية خلال شهر رمضان المبارك الذي بدأ الاثنين في معظم الدول.
وقال صبري، في مقابلة مع وكالة الأناضول: “تضاربت تصريحات المسؤولين الإسرائيليين في موضوع السماح أو عدم السماح للمسلمين بالصلاة (في المسجد) وتقييد الأعمار، فكأن الأقصى ملك لهم، وهذا الأمر المستغرب”.
اقرأ أيضاً : "صحة غزة": ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان إلى 31,112 شهيدا منذ 7 أكتوبر
وأكد أن “الأصل أن المسلم يأتي إلى الأقصى دون إعاقة أو عرقلة، وأن المسلمين بشكل عام حريصون على الصلاة في الأقصى خلال شهر رمضان المبارك، الآلاف، بل عشرات الآلاف، تزحف إلى الأقصى في رمضان في صلوات الفجر والعشاء والتراويح وأيام الجمع”.
ولاحظ أن “العالم بشكل عام، سلط الأضواء على الأقصى بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك، وكأن سلطات الاحتلال تريد أن تعطي تبريرا للتضييق على المصلين في رمضان، امتداد للأشهر التي مضت منذ قيام الحرب على غزة”.
ومنذ 7 أكتوبر/ الماضي 2023، يشن الاحتلال الإسرائيلي حربا مدمرة على قطاع غزة، خلَّفت 31,112 شهيدا، فضلا عن إصابة 67,984 شخصا من المدنيين، معظمهم أطفال ونساء، عدا عن الدمارا الهائل بالبنية التحتية للقطاع.
وقال صبري: “في رمضانات السنوات السابقة، كان هناك افتعال مشاكل وتوترات من سلطات الاحتلال؛ لأنه لا يريد أن يشاهد عشرات الآلاف يحتشدون في الأقصى، ولكننا نؤكد أن رمضان هو شهر العبادة المميزة من المسلمين وينبغي أن تكون أجواء العبادة مهيأة لهم دون تنغيص ودون عرقلة ودون توتر”.
وأضاف: “هناك مؤشر على أن الاحتلال سيقيد الأعمار (…) لا توجد دولة في العالم تقيد الأعمار في أماكن العبادة إلا سلطات الاحتلال؛ لأنها طامعة بالأقصى وتسعى بكل الطرق لفرض السيادة على الأقصى”.
وأشار صبري إلى أن “الحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية تخضع للتطرف؛ لأن الجماعات المتطرفة أصبحت مسؤولة في الحكومة”.
ورأى أن هذا يعني أن الوقت وقتهم في تنفيذ أطماعهم، ولكن المسلمين تخدمهم الأجواء الرمضانية في تثبيت حقوقهم الشرعية المستمدة من الله سبحانه وتعالى وليس من هيئة أمم ولا مجلس أمن، فقرار الله هو الذي يسري، وأن المسلمين ملزمون بتنفيذه.
وحذر من مفاجآت (إسرائيلية) قد تحصل هذا الشهر، ولذا ينبغي على المسلمين أن يكونوا متنبهين ويقظين وحذرين، ونداؤنا هو نداء الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في موضوع شد الرحال إلى الأقصى.
وبعد أن حث على شد الرحال إلى المسجد، استدرك: “سبق أن صدرت الفتوى الشرعية بأن كل مَن يُمنع من الوصول إلى الأقصى يصلي حيث يُمنع وله الثواب كثواب مَن يصلي داخل الأقصى”.
وحذر صبري من خطورة التصريحات التحريضية من جانب مسؤولين إسرائيليين، بينهم وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير.
وعدّ أن “التحريض متوقع؛ لأن تصريحات بن غفير وغيرهم بدأت منذ أيام لمنع الناس من الوصول إلى المسجد الأقصى”.
وشدد على أن “تصريحاته (بن غفير) كانت متطرفة وغير مسؤولة؛ لأنه أصلا لا يحق له أن يصدر مثل هذه التصريحات؛ لأن الأقصى أسمى من أن يخضع لتصريحات أو لقرارات محاكم، فالأقصى للمسلمين بقرار الله سبحانه وتعالى”.
صبري رفض محاولات مسؤولين إسرائيليين شيطنة شهر رمضان بزعمهم أنه شهر عنف، وأكد أن “شهر رمضان المبارك هو شهر عبادة واعتكاف وشهر القرآن الكريم، والتشويش على رمضان مبرمج من قِبل الاحتلال وبعض الدول الغربية لإعطاء فرصة للاحتلال بمنع المسلمين من الوصول إلى الأقصى”.
وأضاف: “لو جاء مليون مسلم إلى الأقصى لما حصل أي إخلال بالأمن ما دام الاحتلال بعيدا عن المسجد، ولكن ما نشاهده أيام الجمع هو أن الأقصى يصبح ثكنة عسكرية وكذلك مدينة القدس وجميع الممرات المؤدية الى المسجد، وهذا المظهر هو الذي يوجد التوتر أصلا ولا مبرر له سوى دب الذعر والخوف في قلوب المسلمين ولمنع أكبر عدد ممكن من الوصول إلى الأقصى”.
وتابع: “لذا نقول إننا لا نلتفت للتشويشات والإشاعات، فينبغي على المسلمين أن يتوجهوا إلى الأقصى، وهناك نداء بإغلاق المساجد الفرعية في مدينة القدس أيام الجمع من أجل ان يتوجه الناس إلى الأقصى”.
وبخصوص الحرب على غزة، طالب صبري بضرورة وقف إطلاق النار ووقف الحرب لحفظ الدماء والأرواح، وحتى يتمكن الناس من أداء عبادتهم بكل هدوء وبدون مصائب ونكبات.
وأردف أن الأجواء “حزينة” في مدينة القدس المحتلة بسبب الحرب على غزة، موضحا: “اعتاد الناس أن يزينوا الشوارع والبيوت احتفاء بقدوم شهر رمضان المبارك لإظهار الفرحة والبهجة، ولكن مع أجواء الحرب المحزنة، عزف الناس عن التزيين، ولكن العبادة لا بد أن تُؤدى، فالصوم ركن من أركان الإسلام”.
صبري أكد أهمية إخراج الزكاة خلال رمضان لإغاثة المنكوبين والفقراء نتيجة الحرب.
وقال إن “الأصل أن يكون هناك وسطية في الإنفاق وعدم الإسراف وعدم المبالغة بموائد الطعام؛ لأن الصيام ليس أكل وشرب، وإنما الصوم. هو ابتعاد عن المعاصي والآثام، والتوجه نحو الصلوات وتلاوة القرآن الكريم”.
وأردف: “اعتاد المسلمون ولا يزالون أن يخرجوا زكاة أموالهم في رمضان ليكسبوا ثوابا أكبر، ونقول إن على الأثرياء والمقتدرين أن يقتصدوا بالإنفاق وأن لا ينسوا المحتجين والفقراء والمنكوبين”.
“لا بد أن تزداد نسبة الصدقات والمعونات للمحتاجين؛ لأن الحرب أثرت على كثير من الناس وتأثرت أعمالهم وأُغلقت الكثير من المحال نتيجة توقف الحركة التجارية”، كما زاد.
ومضى قائلا: “نحن بحاجة لأن نتفقد العائلات المنكوبة والفقيرة ويزداد الإنفاق، وبالتالي نؤكد على وجوب إخراج الزكاة، وهي ركن من أركان الإسلام، وهي واجبة على الغني وحق للفقراء”.
واتهمت سلطات الاحتلال صبري بالتحريض، ووجهت له لائحة اتهام بداعي تقديم العزاء لعائلات شهداء.
وعن هذه الملاحقة، قال: “حسب ما ذكر لي طاقم المحامين فإن الملف التحريضي الذي قدمه متطرفون إسرائيليون هو الآن بيد النائب العام الإسرائيلي لدراسته، وسُيطلب من المحامين الرد على الاتهامات التي يتوصل إليها”.
وأضاف: “حتى الآن لم يحصل شيء عملي، ولكن في كل فترة، تضغط الجماعات المتطرفة، بمَن فيهم أعضاء كنيست، على النائب العام والمستشارة القانونية للحكومة الإسرائيلية للتسريع في موضوع الشكوى المقدمة ضدي”.
وبمناسبة حلول رمضان، وجّه صبري دعوات إلى المسلمين في أنحاء العالم، قائلا: "نقول للمسلمين كل عام وأنتم بخير وتقبل الله الطاعات ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل صيامنا وقيامنا وصلاتنا وتلاوة قرأننا".
وتابع: "ونقول لهم تذكروا الأقصى وتذكروا الفقراء والمحتاجين، وعليهم كشعوب أن يضغطوا على حكوماتهم ليتحملوا المسؤوليات؛ لأننا لاحظنا أن الدول العربية والإسلامية، كدول، غير فاعلة في موضوع القضية الفلسطينية، رغم أن الشعوب متفاعلة، بما في ذلك الشعوب غير العربية وغير الإسلامية، وبالتالي فإن على الحكومات أن تكون بمستوى الشعوب من حيث الاهتمام بالقضية الفلسطينية".