الداخل مفقود والخارج مولود، حال الأسرى الفلسطينيين من قطاع غزة في سجون الاحتلال الإسرائيلي مع توالي الشهادات المرعبة عن جرائم القتل والإعدام والتعذيب والإخفاء القسري الذي يتعرضون له.
اقرأ أيضاً : "الدوس على قدم": تفاصيل جديدة عن خطة الاحتلال لتقسيم قطاع غزة
وأدلى محررون أفرج عنهم الاحتلال بعد مدد احتجاز متفاوتة، روايات مرعبة عن حجم التعذيب والتنكيل الذي تعرضوا له، وتطابقت رواياتهم بشأن ما تعرضوا له من عمليات تنكيل وتعذيب شديدة إلى جانب تعمد حرمانهم من النوم والطعام والماء.
وقال جهاد ياسين (43 عاما): إنه تعرض للاعتقال من الاحتلال لأحد عشر يوما منتصف كانون الثاني/يناير الماضي، في ظروف اعتقال وحشية ومخيفة تضمنت التعذيب بالصعق بالكهرباء والضرب المبرح وإبقائه مقيدا، فضلا عن رش مواد غريبة وغير مألوفة على جسده وأجساد معتقلين آخرين، ما جعلهم عرضة للحشرات، وتركهم عراة في الطقس البارد، وفق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.
وأضاف ياسين أن "الجنود كانوا يقدمون طعاما سيئا للغاية وعليه علامات العفن. واضطررنا لتناول أقراص دواء تسببت في الهلوسة، وما أزال أعاني من تأثيرات تلك الحبوب مثل الصداع والدوار، إلى جانب الكدمات الناتجة عن الضرب العنيف".
رضوان كتكت (44 عاما) وهو موظف لدى السلطة الفلسطينية من سكان شمال قطاع غزة، قدم هو الآخر شهادته، مبينا أن الاحتلال اعتقله في 11 كانون الأول/ديسمبر الماضي لمدة 32 يوما بعد اقتياده من مركز إيواء قرب مستشفى كمال عدوان.
وأوضح كتكت أنه تعرض إلى سلسلة جلسات تحقيق، أولها في منطقة نائية شمال قطاع غزة بعد تقييده من يديه وقدميه وتعريته من ملابسه بالكامل قبل نقله إلى مكان أخر مجاور وتعريضه للتعذيب الشديد بالضرب والشبح، وصولا إلى اقتياده إلى معسكر احتجاز "إسرائيلي" مع نجله وأشخاص آخرين من عائلته.
وأشار إلى نقله لاحقا إلى حاجز "بيت حانون/إيرز"، شمالي قطاع غزة، وقال: "أبقانا الجنود تحت الأمطار في العراء طوال ساعات الليل قبل أن ينقلنا إلى موقع آخر مكون من بركسات".
وأضاف: "من شدة الضرب والتعذيب، بقي جسدي ينزف، وكان الجنود يشغلون الموسيقى بصوت عالٍ، ويفتحون المراوح الهوائية على صدورنا بعد صب الماء البارد علينا"، لافتا إلى تعريضه لاحقا للشبح على عمود خرساني بشكل معكوس.
وأبرز الأورومتوسطي أن اعتقالات الاحتلال الإسرائيلي لفلسطينيين من قطاع غزة طالت معظم الفئات تقريبا، مثل حالة المحامي محمد خيري دلول (35 عاما) من سكان حي الزيتون جنوب مدينة غزة، وقد تم اعتقاله في 19 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي لدى محاولته النزوح إلى وسط قطاع غزة استجابة لطلب جيش الاحتلال، واحتجازه بشكل تعسفي لمدة 56 يوما.
وقال دلول في إفادته: "طلب الجنود مني التعري بالكامل وفتشوني عبر الأجهزة الإلكترونية، ومن ثم اقتادوني للتحقيق، وخلال ذلك تعرضت للضرب بالعصي والهراوات بما في ذلك على وجهي، وقد وضع أحد الجنود قدمه على صدري حتى انقطع نفسي بشكل شبه تام، وعندما رأى الجنود الدماء تسيل من رأسي وقدمي تركوني في المكان".
وأضاف: "في عصر يوم اعتقالي تم نقلي مع عدد من المعتقلين إلى موقع بيئيري مكبلي اليدين ومعصوبي الأعين، وتم احتجازنا داخل خيمة ودخل علينا حوالي عشرة جنود وقاموا بضرب الجميع وكنا حوالي 40 شخصا، وأحدنا كان كفيفا وقاموا بنتف ذقنه وهو يصرخ من الألم، ثم تم نقلي إلى سجن السبع، ومكثت فيه 14 يوما وأنا معصوب الأعين ومكبل اليدين من الأمام، ثم تم استجوابي مجددا وضربي بشدة".
وتابع: "في اليوم الخامس عشر من اعتقالي، تم نقلي مع حوالي 50 معتقلا آخرين إلى مكان قريب، وهو عبارة عن كونتينرات. وقام الجنود بإطلاق كلاب علينا ومن ثم ضربنا في جميع أنحاء الجسد، خصوصا في المعدة والمناطق الحساسة بشدة، ونحن معصوبو الأعين ومكبلو اليدين، ثم تم نقلنا إلى سجن النقب. وفي الطريق تناوب علينا الجنود بالضرب المبرح والشتائم والتهديدات، وقد كنت وباقي المعتقلين غارقين بالدماء حتى أننا تبولنا وتبرزنا دما من شدة الضرب".
وأفاد دلول بأنه لدى وصوله لمركز احتجاز سجن النقب، تم احتجازه مع 17 معتقلا آخرين في خيمة تتسع لخمسة أشخاص في أفضل الأحوال، ولم يكن هناك مساحة للنوم أو الراحة، ولم يستطع النوم لمدة أسبوع متواصل من شدة الضرب والألم، وقد طلب مرارا عرضه على طبيب لكن الرد كان الرفض المصحوب بالشتائم والإهانات.
ووفق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان؛ فإن الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين من قطاع غزة لدى جيش الاحتلال الإسرائيلي يتعرضون إلى جرائم قتل عمد وإعدام تعسفي وخارج نطاق القانون والقضاء، بما في ذلك القتل تحت التعذيب.
وأكد المرصد أن تلك الجرائم تستوجب تحرك الجهات القضائية الدولية وفتح تحقيق دولي فوري وجاد لمساءلة ومحاسبة مرتكبيها، وإخراج جثامينهم وتحديد هوياتهم وإعادة رفاتهم، وإنصاف الضحايا وعائلاتهم، مؤكدا ضرورة اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لإنقاذ حياة الآلاف ممن ما يزالون قيد الاعتقال والأسر والاختفاء القسري في المعتقلات وسجون الاحتلال الإسرائيلي.
وتحولت سجون ومراكز احتجاز "إسرائيلية" وفق الأورومتوسطي إلى نسخ أشد دموية من سجن غوانتانامو، بما تشهده من أشكال تعذيب مشينة، بما في ذلك المفضي إلى القتل، وسوء المعاملة والمعاملة الحاطة بالكرامة الإنسانية، والحرمان من الحد الأدنى من الحقوق الأساسية، وذلك رغم الإدانات الدولية المتعددة والمطالب بضمان حقوق الأسرى والمعتقلين وسلامتهم.
وأعرب الأورومتوسطي عن فزعه وصدمته إزاء توالي الكشف عن جرائم قتل عمدية نفذت بحق أسرى ومعتقلين فلسطينيين، فيما قضى آخرون جراء التعذيب الشديد وسوء المعاملة خلال احتجازهم في معسكر "سدي تيمان" وغيره من مراكز الاحتجاز والمنشآت العسكرية الإسرائيلية.
وكشفت صحيفة "هآرتس" العبرية عن استشهاد 27 معتقلا من قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، خلال استجوابهم واحتجازهم في منشآت عسكرية للاحتلال، وذلك بفعل التعذيب أو الحرمان من العلاج.
ووفق ما أوردت الصحيفة، فإن المعتقلين قضوا لدى احتجازهم في قاعدتي "سدي تيمان" قرب مدينة بئر السبع، و"عناتوت" قرب مدينة القدس المحتلة، أو أثناء التحقيق معهم في منشآت أخرى دون أن ينشر جيش الاحتلال أي معطيات حول ظروف وفاتهم.
ويواصل جيش الاحتلال ارتكاب جريمة الإخفاء القسري للأسرى والمعتقلين من قطاع غزة، بحيث يرفض الإقرار بحرمان هؤلاء من حريتهم، من خلال رفضه الإفصاح عن قوائم بأسمائهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم، ما يحرمهم من الحماية القانونية المقررة لهم، ولفترات طويلة من الزمن.
وأكد الأورومتوسطي أن العديد من الأسرى تعرضوا للتعذيب الجسدي والنفسي والعنف الجنسي والتهديد من لحظة الاعتقال حتى لحظة الإفراج التي تتم لبعضهم، فيما تعرض بعض المعتقلين لمساومات وعمليات ابتزاز من أجل التعاون مع الجيش والشاباك مقابل التخفيف من تعذيبهم أو الحصول على بعض ما أسميت "الامتيازات" والإفراج عنهم.
وسبق أن حذر المرصد الأورومتوسطي من تحول معسكر "سدي تيمان" الإسرائيلي إلى سجن "غوانتانامو" جديد يحتجز فيه الأسرى والمعتقلون في ظروف قاسية جدا داخل أماكن أشبه بأقفاص الدجاج في العراء، ودون طعام أو شراب لمدد طويلة، فضلا عن تعرضهم للتعذيب الشديد والضرب المبرح والمعاملة اللاإنسانية، لنزع الاعترافات بالإكراه و/أو معاقبتهم لكونهم فلسطينيين، ودون أن يتاح لهم أي تواصل مع العالم الخارجي.
وذكر أن الفئات العمرية للمعتقلين في المعسكر تتراوح بين الأطفال والشباب وكبار السن، ويحقق معهم وهم معصوبو الأعين وأيديهم مكبلة بشكل متواصل على مدار أيام في مجمعات مسيجة. وبحسب الإفادات، فإنه خلال ساعات الليل، تكون الأضواء مضاءة ومسلطة عليهم بقوة بهدف إرهاقهم وحرمانهم من النوم على نحو متواصل، فضلا عن تعرضهم إلى أنماط متعددة من التعذيب وسوء المعاملة، وحرمانهم كليا طوال فترة الاحتجاز من أي لقاء مع محامين أو زيارات من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أو تلقي العلاج اللازم.
وكشفت شهادات عن تعرض معتقلات فلسطينيات لممارسات قاسية تصل حد التعذيب والعنف الجنسي والتهديد بالاغتصاب، بما يشمل ضربهن بشكل وحشي، وتوجيه ألفاظ نابية بحقهن، والإجبار على التجرد الكامل من الملابس والتفتيش العاري وتقييدهن وتعصيب أعينهن لفترات طويلة، وملامسة أعضائهن الحساسة، واحتجازهن في أقفاص مفتوحة وسط أجواء شديدة البرودة، وحرمانهن من الطعام والأدوية والعلاج اللازم والمستلزمات النسائية، وتهديدهن بشكل متواصل بحرمانهن من رؤية أطفالهن. عدا عن نهب جيش الاحتلال الإسرائيلي الأموال والممتلكات التي كانت بحوزة المعتقلات عند الاعتقال.
وقال الأورومتوسطي: إن الأشد خطورة وصدمة هو إصرار جيش الاحتلال الإسرائيلي على نزع الإنسانية من الفلسطينيين في قطاع غزة، دون إيلاء أي اعتبار لإنسانيتهم وآلامهم وكرامتهم، بمن في ذلك الأسرى والمعتقلون، وتنفيذ جرائم ترتكب ضدهم على نحو وحشي وسادي، وتعذيبهم وقتل بعضهم ومن ثم إخفاء جثثهم دون حتى تبليغ عوائلهم بمصيرهم أو نشر أي أسماء ومعلومات حولهم.
وأشار المرصد إلى أن جيش الاحتلال خول لجنوده شن عمليات اعتقال تعسفية وعشوائية وواسعة النطاق في قطاع غزة تحت إطار "قانون المقاتلين غير الشرعيين"، الذي يجرد الأسرى والمعتقلين من الحقوق التي يوفرها لهم القانون الدولي الإنساني ومعايير حقوق الإنسان، بما في ذلك الحماية القانونية المقررة لهم بحسب أوضاعهم القانونية.
وبيّن أنهم بموجب هذا القانون لا يحظون بمعاملة أسير الحرب بموجب اتفاقية جنيف الثالثة، أو بمعاملة الأشخاص المعتقلين بموجب اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، والبروتوكول الأول لاتفاقيات جنيف.
وقد عدل هذا القانون مع بدء جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، بحيث يسمح باحتجاز الفلسطينيين من قطاع غزة لمدة 75 يوما قابلة للتمديد إلى ما لا نهاية، وذلك على أساس أدلة سرية لا يحق للمحتجز أو محاميه الاطلاع عليها، مما يحرمه من حقه في الدفاع والمحاكمة بأدنى معايير المحاكمة العادلة.
وبحسب البيانات التي قدمتها سلطة سجون الاحتلال الإسرائيلي، فإن عدد الفلسطينيين المعتقلين من غزة بموجب القانون المذكور بلغ نحو 800 معتقل، إلى جانب آلاف آخرين يتم احتجازهم في منشآت اعتقال عسكرية.
وأشار المرصد إلى أن اثنين على الأقل ممن قضوا خلال احتجازهم لدى الجيش كانا عاملين من قطاع غزة يحملان تصاريح عمل (داخل الأراضي المحتلة)، وقد اعتقلا بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حيث جرى احتجاز مئات العمال في منشآت عسكرية بدعوى التحقيق معهم.
وأكد المرصد الأورومتوسطي أن تقاعس المنظمات الدولية ذات العلاقة، لا سيما اللجنة الدولية للصليب الأحمر، عن المتابعة الفاعلة لأوضاع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين من قطاع غزة، وعدم اتخاذها للمواقف العلنية بشأن عدم سماح السلطات الإسرائيلية بقيامهم بعملهم، شكل ضوءا آخر لجيش الاحتلال الإسرائيلي لممارسة المزيد من الجرائم بحقهم.
وقال إن الجيش يواصل ارتكاب تلك الانتهاكات الجسيمة رغم ازدياد عدد الشهداء من الأسرى والمعتقلين، ورغم التقارير التي نشرتها جهات دولية وأممية حول التعذيب وسوء المعاملة للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، رجالا ونساء، بما في ذلك الاغتصاب والتحرش الجنسي، وما ينشره أفراد الجيش بأنفسهم من مقاطع فيديو وصور لمئات المعتقلين وهم عراة، ومحتجزون في ظروف تحط من الكرامة الإنسانية، بما يكفي لأن تكون مؤشرا لما هو أخطر وأكبر على صعيد مستوى الجرائم التي تنفذ ضدهم.
وجدد المرصد الأورومتوسطي مطالبته اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتحمل مسؤولياتها والتحقق من أوضاع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، والتأكد من ظروف احتجازهم، والبحث عن المفقودين، والمساهمة في الكشف عن مصير هؤلاء، مشددا على ضرورة قيام الصليب الأحمر بتبني المواقف العلنية وإصدار البيانات في كل مرة ترفض فيها تل أبيب السماح لها بالقيام بمهامها المنوطة بها، وعلى رأسها زيارة المعتقلين والأسرى الفلسطينيين.