وسط إقليم ملتهب على مدار عقود، لا يعد الأردن بمعزل عن الأزمات والكوارث الطبيعية، لا سيما في الوقت الذي يشهد فيه شرق المتوسط حالةً من عدم الاستقرار الجيوسياسي؛ في ظل عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، واستهدافه البشر والحجر هناك منذ 132 يوماً.
اقرأ أيضاً : اجتماع أردني سوري عراقي لبناني لبحث مكافحة آفة المخدرات
ومنذ بداية العدوان، يرى مراقبون أن المنطقة ليست بمنأى عن التدحرج نحوَ مواجهة عسكرية موسعة سيكون لها تداعيات شتّى على الأردن.
ويتجلّى ذلك في تصريحات مسؤولين أردنيين كبار يرون أن التداعيات في الأراضي المحتلة تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، وينبّهون إلى مخاطر ارتداد ذلك على المملكة في حال تنفيذ مخطط تهجير للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وغزة.
لذلك أكد مسؤولون أن عمان ستتعامل مع محاولات التهجير من "تل أبيب" كإعلان حرب.
ووسط تواصل العدوان على قطاع غزة طرحت تساؤلات حول استعدادات الأردن ومدى جهوزيته في مواجهة أي تداعيات.
الخبير الاستراتيجي في إدارة الأزمات إبراهيم العبادي يوضح لـ"رؤيا" أن إعلان حالة الحرب في حال تهجير الفلسطينيين، بحسب ما جاء على لسان الحكومة لا يعني بالضرورة الإقدام على مواجهة عسكرية مع "تل أبيب"، إنما في مرحلته الأولى يشير إلى عدة نقاط، على النحو التالي:
ووفقا للعبادي فإن إعلان حالة الحرب في حال حدث يعني عودة العلاقة بين الأردن والاحتلال إلى ما قبل توقيع اتفاقية السلام عام 1994، حين كان الطرفان في حالة حرب. لكن آخر مواجهة عسكرية بينهما كانت عام 1973 على الأراضي السورية، مشيرا إلى أن حالة الحرب لا تعني الدخول في مواجهة مسلحة.
وتعد دول عالمية عديدة في حالة حرب متقابلة، إلا أنها لا تشهد مواجهات عسكرية.
ولأن الدول تسعى لتجهيز ذاتها بأفضل الاستعدادات، تعد الملاجئ أمراً لا غنى عنه للتعامل مع حالات الكوارث والحروب.
ويؤكد مصدر أمني مسؤول لـ "رؤيا" أن الأردن يملك البنى التحتية والخطط المتقدمة للتعامل مع التحديات المحتملة، كافة دون أن يكشف تفاصيل أوسع في هذا الصدد.
الخبير الاستراتيجي في إدارة الأزمات إبراهيم العبادي يرى من جانبه أن الدولة لا تعلن عن خططها واستعداداتها ما لم تستدعِ الضرورة ذلك، مشيرا إلى أن الأردن يملك ملاجئ محصنة لإيواء المدنيين وحمايتهم في حال اندلاع مواجهة عسكرية، إلا أنها مغلقة في الوقت الحالي: "لأننا لسنا في حالة حرب مع أي طرف".
وبين العبادي أن البنى التحتية للمملكة في هذا السياق ممتازة، بوجود ملاجئ إيواء في المدن الرئيسة ومناطق ذات كثافة سكانية، عدا عن وجود ملاجئ في المنشآت الحساسة وعدد من المستشفيات.
وتملك المملكة ملاجئ إيواء ضد الأسلحة البيولوجية، كما توجد مدارس وجامعات محددة لدى الجهات الرسمية مسبقا يتم تحويلها إلى مراكز إيواء في حالة الكوارث والأزمات، حسب العبادي.
ويعرف الملجأ بأنه "مأوى محصنا يحتمي فيه المدنيون والعسكريون من قنابل الطائرات أو الهجمات الكيميائية و قذائف المدفعية. وفي الحربين العالميتين الأولى والثانية والحرب الباردة استخدمت الملاجئ مخابئ للأسلحة ومرافق للتخزين ومراكز للقيادة ".
ولم يغب عن بال صناع القرار إعداد خطة وطنية متكاملة للتعامل مع الأزمات بأنواعها، إذ تملك الدولة خطط استجابة سريعة للطوارئ الصحية، وإدارة الأزمات الصحية والاستجابة للتحديات التي تفرضها. يتجلى ذلك عبر تطبيق استراتيجية صحية وطنية تشاركية بين جميع الجهات ذات الاختصاص.
وتعتمد الاستراتيجية على تأمين مخزون استراتيجي احتياطي من الأدوية والأمصال والمطاعيم والمستهلكات الطبية، بالإضافة إلى فلاتر غسيل الكلى، والمحاليل الوريدية، والغازات الطبية، ولوازم المختبرات والأشعة والتخدير، ومستلزمات عيادات طب الأسنان.
ووفقا لمصادر رؤيا، فإن المستشفيات في الأردن تملِك قدرات عالية للتعامل مع الأزمات المختلفة؛ بحيث تتحوط لمخزون استراتيجي من الأدوية واللوازم الطبية لمدّة 6 أشهر، وفي بعضها يصل إلى 10 أشهر.
وبالعودة للأرقام الصادرة عن الجهات الرسمية، شهدت البلاد توسعا في عدد المرافق والخدمات الصحية ونوعيتها. حيث وصل عدد المستشفيات إلى أكثر من 126 مستشفى حكومي وخاص، فيما ارتفع عدد الأسرة إلى 16 ألفا، وفقا لمدير مديرية الأزمات في وزارة الصحة الدكتور إبراهيم لبيب.
بينما بلغ عدد المراكز الصحية التابعة لوزارة الصحة أو الخدمات الطبية الملكية أكثر من 695، إضافة إلى أكثر من 80 مركزا تابعا لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" ومؤسسات خيرية.
وفي الأردن 4060 مدرسة حكومية، حسب تصريحات الناطق الرسمي باسم وزارة التربية والتعليم د. أحمد المساعفة.
وفي الإجمال، يضم الأردن 7315 من بينها 3093 مدرسة خاصة و 169 تابعة لوكالة الغوث، إضافة إلى 48 مدرسة ثقافَة عسكرية، وفق دائرة الإحصاءات العامة.
تشير المعطيات إلى أن الأردن حقق تقدما في مؤشرات الأمن الغذائي العالمي؛ إذ جاء بالترتيب الـ47 عالميا عام 2022 صعوداً من 62 في 2020، وفق تصريحات سابقة لوزير الزراعة خالد حنيفات مستشهداً بتصنيف منظمة الزراعة والغذاء العالمية "فاو".
ويعد مخزون القمح والمواد الغذائية الأساسية هدفا استراتيجيا للدولة، بحيث تسعى دائما لامتلاك مخزونٍ يكفي لعدة أشهر؛ وذلك لتتمكن من تأمين احتياجات مواطنيها خلال فترات الأزمات.
الناطق الرسمي باسم وزارة الصناعة والتجارة ينال برماوي أشار في وقت سابق إلى أن مخزون الأردن من القمح يصل إلى 10 شهور كاملة، لافتاً إلى تنوع مصادر الاستيراد، من ضمنها رومانيا فيما تصل الشحنات عبر الموانئ البحرية. ويؤكد برماوي أن مخزون الأردن من الغذاء وافر جدا، سواء من المنتج المحلي أو المستورد، لا سيما وأن المواد التموينية تستورد من مناشئ مختلفة وبكل يسر وسلاسة.
وحول هذه النقطة، يقول العبادي أن المخزون الاستراتيجي من الغذاء في الأردن لا يقل عن 3 أشهر في أسوأ الظروف، بحيث يتدرج تخزين الغذاء وفقا لأسس تتمثل بالمواد الأساسية كالقمح مثلا، الذي لا يقل مخزونه عن 6 أشهر؛ تليِه السلع الأساسية بمخزون يكفي 3 أشهر على أقل تقدير.
يشاطرْهما الطرح الخبير في مجال الأمن الغذائي عمران الخصاونة، الذي يؤكد أن وضع الأردن في الأمن الغذائي "جيد جدا". على أن الخصاونة يشكو في حديث ل"رؤيا" من ارتفاع نسبة الهدر في الغذاء؛ لافتا إلى أن "أكثر من ثلث غذاء الأردنيين يذهب هدرا"، وفق تقارير أممية.
ووفقاً لمؤتمر القمة العالمي للأغذية في عام 1996 فإن تعريف الأمن الغذائي هو:
"وضع يتحقق عندما يتمتع جميع الناس في جميع الأوقات بإمكانية الحصول المادي والاقتصادي على أغذية كافية وسليمة ومغذية تلبي احتياجاتهم الغذائية وافضليتهم الغذائية من أجل حياة نشطة وصحية".
وأوضح الخصاونة أن الأبعاد الثلاثة المكونة لمفهوم الأمن الغذائي تتمثل بتوفير الغذاء، وسلامته، والقدرة المادية واللوجستية للحصول عليه، مع ضرورة ديمومة هذه المكونات الثلاثة على مدار العام.
وأكد أن الأردن لا يعاني من أي مشكلات كبيرة في البعدين الأول والثاني؛ بحكم أن الغذاء متوفر وسليم نسبيا، إلا أن أغلب المشكلات تتمثل في الجزء الأول من البعد الثالث والمتعلق بقدرة الأفراد المادية للحصول على الغذاء نظرا للارتفاع الكبير بنسب الفقر والبطالة.
الخصاونة يدعو إلى جعل الأردن مركزا إقليميا للأمن الغذائي، مستشهداً بدعوة الملك عبد الله الثاني قبل سنوات؛ وذلك بحكم موقع الأردن الاستراتيجي على خطوط التجارة العالمية.
ويتطلب تحسين حالة الأمن الغذائي تركيز الحكومة من خلال أدواتها على المحاصيل الاستراتيجية لا سيما محاصيل العجز مثل القمح والشعير وغيرها، بحسب الخصاونة الذي يدعو الحكومة إلى تغيير مقاربتها حيال الزراعة من نظرة اقتصادية إلى وطنية، إضافة إلى العمل على زيادة الوعي المحلي بأهمية الغذاء وقيمته لتلافي هدره.
ويتحدث عن فرقٍ شاسع بين مفهومَي الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي؛ إذ إن الاكتفاء الذاتي يعني قدرة الدولة على تأمين حاجتها من الأغذية من المحاصيل وأنواع الغذاء الحيوانية المختلفة بإنتاج محلي داخل حدودها، وهو ما لا يمكن لأي دولة في العالم تحقيقه؛ لعدة أسباب أبرزها العوامل الجغرافية. بينما يعرف الأمن الغذائي بحسب منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" بأنه:
"تأمين الغذاء لجميع أفراد المجتمع بالكمية والنوعية اللازمتين للوفاء باحتياجاتهم بصورة مستمرة، من أجل حياة صحية ونشطة"
وحقق الأردن الاكتفاء الذاتي بشكل نسبي بإنتاج عدد من المحاصيل مثل أنواع من الخضروات والفواكه وزيت الزيتون.
ويبقى الحفاظ على الأمن الغذائي في الحروب والأزمات تحديا أمام الدول، ما يتطلب اتباعها خططا معدة مسبقا، من خلال تركيز الجهود على عدة زوايا:
لطالما طرح هذا الأمر في غرف صناعة القرار بالأُردن الذي يعتمد على الآخرين لتأمين طاقته.
ووفقاً لأرقام صادرة عن وزارة الطاقة والثروة المعدنية فإن الأردن يستورد أكثر من 90 % لتلبية حاجته من النفط الخام ومشتقاته والغاز الطبيعي. كما يعتمد في توليد الطاقة على 300 مليون م3 من الغاز يومياً تستورده شركة الكهرباء الأردنية من شركة "نوبل إنيرجي" التي كانت المشغل الرئيسي لحقلي "تمار" و"لفياثان" قبل أن تستحوذ عليها شركة "شيفرون" على شاطئ المتوسط.
الخبير في مجال النفط والطاقة عامر الشوبكي يحثّ الأردن على التحوط لا سيما أنه يعتمد على الغاز القادم من شركة عالمية في تل أبيب بنسبة 95 % لتغطية استهلاكه اليومي، بينما يعتمد على حقل الريشة بنسبة 5 %، مشيرا إلا أن ذلك لا يعني عدم تحقيق الأردن لأَمن التزود بالطاقة.
ويقول الشوبكي لـ "رؤيا" إن الأردن وصل إلى مرحلة الأمان في التزود بالطاقة؛ بعد أن سنّ قوانين فرض بموجبها على شركات توليد الكهرباء المحلية امتلاك خزانات وقود يمكنها توليد الكهرباء من خلالها لمدة لا تقل عن 14 يوما. وهذا يعد خط دفاع أول في حالات الطوارئ، لكنّه ليس كافياً، بحسب الشوبكي.
الشوبكي يوضح بأن الأردن ما يزال يستأجر سفينة الغاز العائمة في خليج العقبة منذ 2013 ويستطيع من خلالها التحوط بطلب إرساليات غاز مسال، عبر السفينة المرتبطة بخط الغاز العربي الممتد من مصر.
وفي السياق ذاته، يفيد الشوبكي بأن محطة العطارات للصخر الزيتي تعد مصدرا آخر للطاقة، وتنتج في الوقت الحالي قرابة 450 ميغا واط، أي خمس استهلاك المملكة. ويمكن توسيع هذه الإنتاجية لتحقيق الأمن بالطاقة بشكل كامل، بحسب الشوبكي، الذي يدعو الحكومة إلى إجراء تعاقد جديد مع الشركة المشغلة لمشروع العطارات بحيث تحصل الدولة على الطاقة بأسعار مخفضة.
وتظلّ أزمة المياه التحدي الأبرز إذ يصنّف الأردن ثاني أفقر دولة في العالم بالمياه، وفقا للمؤشر العالمي للمياه. إذ تقدر احتياجاته المائية بـ 3 ملايين م3 يوميا للاستخدامات كافة، ورغم إدراك الحكومات المتعاقبة.
وبالنظر إلى الوضع المائي في الأردن، فإن الاحتلال الإسرائيلي يزودنا ب55 مليون م3 سنويا من مياه بحيرة طبريا، والتي تنقل عبر قناة الملك عبد الله إلى العاصمة عمان بموجب اتفاقية وادي عربة.
وفي وقت سابق قال الناطق الرسمي باسم وزارة المياه عمر سلامة إن الوضع المائي في الأردن يعد مستقرا إلى درجة كبيرة، مؤكدا أن الأردن يملك خططا شاملة للتعامل مع كافة التحديات الممكنة في هذا المجال.
وتبذل وزارة المياه كافة الجهود الممكنة لتحقيق تزويد مائي شامل لمختلف المحافظات الأردنية.
وكانت المملكة سعت منذ سنوات لتنفيذ مشاريع مثل مشروع جر مياه الديسي الضخم، ومشاريع تجديد شبكات المياه، والتوسع في إنشاء السدود، لكنها لم تؤتي أكلها بشكل وافر.
ولتخطي هذه المشكلة ينفّذ لأردن مشروع "الناقل الوطني" كخيار استراتيجي لمشكلة عجز المياه المتفاقمة؛ لأنه سيوفر 300 مليون م3 من المياه المحلاة، أي ما يزيد على احتياجات الأردن سنويا.
وبحسب سلامة يتضمن المشروع إنشاء محطات تحلية ضخمة على شاطئ مدينة العقبة، ومحطات لنقل المياه وضخها لمحافظات الأردن وسطا وشمالا، عدا عن خطة الوزارة لتقليل الفاقد المائي بمعدل 2% سنويا للوصول إلى 25% عام 2040 ومحاولات توسيع خطط جمع مياه الأمطار من خلال بناء سدود جديدة، ورفع استيعابها إلى 285 مليون م3، وإيجاد مصادر إضافية للمياه ورفع كفاءة الاستخدام خاصة في قطاع الزراعة.
وتقدر كلفة الناقل الوطني بـ 2.8 مليار دولار، بحيث خصّصت الحكومة 815 مليون دولار من خلال المنح والقروض، وتعمل على توفير المبلغ المتبقي.
ولدى استكمال المشروع، تكون المملكة قد قطعت شوطاً مهما في تأمين استعداد واسع للتعامل مع مختلف الأزمات المحتملة، في ظل وجود مؤسسات رسمية وأهلية راسخة قادرة على إدارة الدفة بحنكة واقتدار للمضي قدما في مسيرة الوطن، وضمان راحة مواطنيه وأمنهم المعيشي.