مئة يوم من الحرب .. وغزة المنطقة الجغرافية التي لا تذكر في موازين الخرائط والجغرافيا، الصغيرة مساحة الكبيرة عنفواناً وثورية؛ عصية على الانكسار قذفت مفاهيم الذل والخنوع في عرض بحرها وحذفت منطق الاستسلام من ذاكرة ووجدان أبنائها، أمام جحافل جيش كان قد تفاخر بأنه لا يُقهر قبل السابع من تشرين أول / أكتوبر.
اقرأ أيضاً : بالفيديو.. أبو عبيدة يعلن نتائج عملية طوفان الأقصى بعد 100 يوم على إطلاقها
منعطف حقيقي واستثناء ما حدث؛ إذ تعرّضَ جيش الكيان واستخباراته لنكسة حقيقية، بل ضربة تاريخية في ست ساعات، جاءت من مقاومين يوجدون في فضاء يشبه السجن، هو قطاع غزة، هجوم على مستوطنات ومعسكرات إسرائيلية، وأسر أزيد من 240 اسرائيليًا وأجنبيًا وهي المرة الأولى التي يحتجز فيها هذا العدد من الإسرائيليين لكل هذه المدة.
وبعد أن استفاقت تل أبيب من هول الضربة حتى بدأت تتصرف على أساس أن المقاومة قد ارتكبت الخطأ الذي كانت تنتظره كذريعة لتنفيذ خططها الموضوعة مسبقًا لتصفية القضية الفلسطينية واستكمال اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه، فدشنت حربها الانتقامية بحجة الدفاع عن النفس بدعم غربي وأميركي منقطع النظير غير المستغرب،
فدُمّر شمال غزة عن بكرة أبيه، واتسعت نطاق النيران حتى الجنوب؛ إبادة جماعية جعلت واحداً من بين 20 غزي إما شهيداً أو جريحاً أو مفقوداً، حصيلة الضحايا قفزت حاجز الـ 23 ألفًا، ومليون و900 ألف باتوا نازحين مجاعة تهددهم و انتشار للأوبئة والأمراض المعدية وانعدام المأوى؛ وإغلاق الأبواب أمام المساعدات الإنسانية والدوائية.
هو ثمن باهظ مدفوع فلسطينيًا؛ أحياء مسحت تمامًا مبانٍ سويت بالأرض، 7 إلى 10 سنوات هو ما يلزم لإزالة هذا الركام؛ شكل حياة اختفى من مناطق واسعة من القطاع بسياسة الأرض المحروقة، خلال 100 يوم من الغارات والقصف الذي نشر الموت والهدف قتل الحياة برمتها.
استثناء آخر وغير مسبوق تجلى بجلب تل أبيب لتمثل أمام محكمة العدل الدولية تتهمها جنوب إفريقيا بارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق سكان القطاع المنكوب، لتصدح أصوات عربية ودولية دعمًا وتأييدًا وشكرًا لتلك المقاضاة التاريخية والمنتصرة لحق الفلسطينيين.
أهداف عسكرية معلنة، لم يتحقق أي منها بعد انقضاء 100 يوم من الحرب، كما لم يبلغ الاحتلال الحد الأدنى منها، ومحللون ووفقًا للمؤشرات الميدانية يؤكدون بأن الجانبين لا يزالان لديهما القدرة على استمرار القتال.
تعيش هذه الأيام غزة على وقع سمفونيّة وحشيّة بقيادة الكيان الصهيوني الغاصب الذي لا يأبه بالقانون الدولي ولا بالأمم المتحدة ولا بمجلس الأمن ، إلا أن غزة تلك البقعة من الأرض نذرت نفسها لأن تكون مصدر القلق والتحدي لكل من يحاول طمس الهوية الفلسطينية ومسح معالم الحق الفلسطيني في أرضه ومقدساته وحريته.