أحيت الكنائس الكاثوليكية في الأردن، صباح الجمعة، يوم الحج الوطني والمسيحي الرابع والعشرين إلى موقع معمودية السيد المسيح - المغطس، وذلك بقداس احتفالي حاشد ترأسه غبطة الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين ورئيس مجلس الأساقفة الكاثوليك في الأرض المقدسة، وتم خلاله رفع الأدعية والصلوات من أجل وقف الحرب والعدوان على قطاع غزة.
اقرأ أيضاً : القيادات النسائية في الميثاق الوطني تزور جمعية الشابات المسيحية
وشارك في القداس الذي أقيم في كنيسة المعمودية، النائب البطريركي للاتين في الأردن المطران جمال دعيبس، ورئيس أبرشية بترا وفيلادلفيا للروم الكاثوليك جوزيف جبارة، والسفير البابوي المطران جيوفاني دال توزو، وممثلو الكنائس المارونية والسريانية والكلدانية والأرمنية، وعشرات الكهنة، وعدد من النواب وأعضاء السلك الدبلوماسي، وألوف المؤمنين الآتين من مختلف مناطق المملكة.
وقبيل القداس، أقام المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام مؤتمرا صحفيا شارك به راعي ومترئس الاحتفال، والأمين العام لوزارة السياحة والآثار عطوفة الدكتور عماد حجازين، ممثلا لمعالي الوزير مكرم القيسي، ومدير المركز الأب رفعت بدر، بحضور السفير البابوي المطران جيوفاني دال توسو، والمدير العام لموقع المعمودية المغطس المهندس رستم ماكجيان، وعدد من الأساقفة ورؤساء الكنائس الكاثوليكية في الأردن.
واستهل المؤتمر بالوقوف دقيقة صمت وصلاة وحداد على أرواح الشهداء في غزة. من بعدها، رحب الأب رفعت بدر بالحضور الإعلامي وبالمشاركين في يوم الحج الرابع والعشرين، لافتا إلى أن الكاردينال بيتسابالا يترأس هذا القداس لأول مرة منذ تنصيبه كاردينالا من قبل قداسة البابا فرنسيس في نهاية أيلول الماضي، وقد أتى هذا الحدث كعلامة بابوية لافتة لتعزيز صوت الأرض المقدسة، ومدينة القدس تحديدا، بآلامها وآمالها، على الساحتين الكنسية الكاثوليكية والدولية.
وأشار الأب بدر إلى أن يوم الحج لهذا العام يتزامن مع إحياء كنائس الشرق الأوسط هذه السنة بمرور 50 عاما على إنشاء مجلس كنائس الشرق الأوسط، وبالتالي الاحتفال بنصف قرن على المسيرة المسكونية والأخوية التي تجمع مختلف الكنائس والعائلات الكنسية الأربعة في منطقة الشرق الأوسط، وهي: العائلة الكاثوليكية، العائلة الأرثوذكسية، العائلة الأرثوذكسية الشرقية والعائلة الإنجيلية.
ولفت إلى أن أدعية الحج لهذا العام ستكون على نية السلام الغائب في فلسطين، ومن أجل وقف العدوان على غزة، وإيصال المساعدات الإنسانية بشكل سلس إلى الشعب المنكوب في القطاع. وفي هذا السياق، رفع الأب بدر التحية للجهود الجبارة التي يبذلها الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، وولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ووزارة الخارجية، على مختلف الأصعدة السياسية والدبلوماسية والإنسانية، وعلى جهود القوات المسلحة الأردنية المتمثلة بالمستشفيات الميدانية في غزة والضفة الغربية، وفي إيصال المساعدات الإغاثية الشعب الفلسطيني الشقيق، لاسيما إلى النازحين في كنيستي العائلة المقدسة والقديس برفيريوس خلال فترة عيد الميلاد.
وحيا الأب بدر وزارة السياحة والآثار، وهيئة تنشيط السياحة، وهيئة موقع المغطس وعلى رأسها رئيس مجلس أمناء موقع المعمودية والمستشار الشخصي لجلالة الملك، صاحب السمو الملكي الأمير غازي بن محمد، على الجهود الحثيثة لتشجيع السياحة الدينية إلى المملكة، وآخرها اللقاءات التي عقدها قبل أيام معالي الوزير مكرم القيسي في كل من حاضرة الفاتيكان وإيطاليا لتعزيز الحج المسيحي، حيث تم الإعلان عن سنة يوحنا المعمدان في عام 2023، والتي ستحيي مرور ألفي عام على عماد السيد المسيح في هذه البقعة المقدسة.
وفي الختام، قدم الأب بدر الشكر للجيش العربي ولكافة الأجهزة الأمنية التي تسهر وتتعاون مع الكنائس من أجل إنجاح الحج السنوي، كما شكر كافة الفعاليات من كشافة وشبيبة ولجان تحضيرية، وفرق الترتيل وخدام الهيكل من طلاب المعهد الإكليريكي في بيت جالا في فلسطين، ولكل من حضر وحضر لهذا اليوم المبارك.
من جهته، أشار الكاردينال بيتسابالا إلى اللقاء الذي جمعه، برفقة رؤساء الكنائس والفعاليات الإسلامية في الأردن وفلسطين، وبالأخص من مدينة القدس، قبل أيام من عيد الميلاد المجيد، مع جلالة الملك عبد الله الثاني، حيث كان فرصة لشكر جلالته والعائلة الهاشمية والأسرة الأردنية الواحدة على وقفتها التاريخية النبيلة مع أبنائنا وبناتنا الأعزاء في غزة.
ومن موقع المعمودية، جدد نيافته الدعوة إلى وقف فوري للغة السلاح والقتل والتشريد وهدم البيوت. ولفت إلى أن احتفال هذا العام، وكما كان في عيد الميلاد، سيقتصر على الشعائر الدينية حدادا على أرواح الشهداء، وصلاة لشفاء الجرحى والمصابين، موضحا أن كل القداس سيقدم من أجل إسكات الحرب، والسماح للجمعيات الخيرية والمنظمات الإنسانية بإيصال مساعداتها الإنسانية.
ودعا الكاردينال بيتسابالا الأسرة الدولية لكي تعمل بتناسق كبير مع ما يدعو إليه قداسة البابا فرنسيس وجلالة الملك عبد الله الثاني، من أجل حل شامل للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين ووضع خاص لمدينة القدس.
وقال: آتي بدوري من القدس، وأحييكم على كل جهودكم الإعلامية، وأرجو كل الخير للأردن الحبيب ليبقى، بقيادة جلالة الملك الذي نهنئه بيوبيله الفضي للجلوس ملكا على عرش المملكة، مشجعا على الحوار والتلاقي بين المسلمين والمسيحيين.
ووجه الكاردينال بيتسابالا دعوة للحجاج من كل مكان في العالم ليأتوا لزيارة الأردن، مقدما الشكر للجهود الكبيرة التي يبذلها مجلس أمناء موقع المعمودية، ووزارة السياحة، وهيئة تنشيط السياحة، وموقع المعمودية، والكنائس، ولكل من يعملون في هذا القطاع السياحي الهام بالنسبة للاقتصاد الأردني، وكذلك لبناء الجسور بين الكنائس المحلية وكنائس العالم.
من جهته، شكر الدكتور عماد حجازين نيافة الكاردينال على ترؤسه نيافة الكاردينال القداس الاحتفالي بمناسبة حج الكنائس الكاثوليكية. وأشار إلى أن السياحة قد تضررت بسبب العدوان على غزة، مشددا على أن الأولوية والهم الأردني في الوقت الحالي هو لوقف العدوان الحالي، ومن ثم تعود عجلة السياحة إلى الازدهار من جديد.
وحول الخطط المستقبلية لزيادة رحلات السياحة الدينية إلى المملكة، أشار حجازين إلى الجهود الحثيثة التي تبذلها الوزارة، بتوجيهات سامية من جلالة الملك عبدالله الثاني، حيث قام مؤخرا وزير السياحة مكرم القيسي بعقد سلسلة لقاءات هامة مع كبار المسؤولين في حاضرة الفاتيكان، ومع وزيرة السياحة الإيطالية، وذلك لتشجيع الحج المسيحي إلى المواقع الدينية في المملكة.
وبعد المؤتمر الصحفي، انطلق موكب الحج من جوار المركز الروسي للحجاج، متقدما بالفرق الكشفية، من دون معزوفات احتفالية حدادا على أرواح الشهداء، نحو كنيسة المعمودية. وخلال القداس، رش البطريرك جموع المؤمنين بمياه مباركة جلبت من نهر الأردن، معلنا بدء الحج السنوي لهذا الموقع التاريخي الهام.
وألقى المطران جمال دعيبس عظة القداس استذكر فيها المعاني الروحية للمعمودية. وقال: "من خلال سر المعمودية أصبحنا جماعة مسيحية متحدة ومبشرة برسالة السماء، في تمجيد الله في الأعالي، والسلام في الأرض لبني البشر. وعلى مثال السيد المسيح، فكل مسيحي مدعو تحقيق ملكوت الله، ملكوت عدل وسلام ومحبة. عدل وسلام ومحبة، وهذا ما نصلي من أجله اليوم، لجميع المتألمين والمظلومين".
وأضاف: "في موقع المعمودية هذا يلتقي تاريخ الخلاص بجغرافية المكان، أو كما دعاه البابا بولس السادس بجغرافية الخلاص. هنا، تعمد السيد المسيح وانطلق يبشر يدعو إلى التوبة وإلى ملكوت الله. هنا، انشقت السموات، فزال الحاجز بين الله والناس... وعندما نقول ’هنا‘، فهذه ليست مجرد إشارة جغرافية. ’هنا‘ تعني أن الله اختار هذا المكان وهذه الأرض. ’هنا‘ تعني فخرنا بانتمائنا لهذا البلد ولهذه البقعة الجغرافية التي قدسها الله. هنا جذورنا، هنا خلاصنا، هنا فخرنا ورسالتنا".
وفي ختام القداس، ألقى أمين سر النيابة البطريركية اللاتينية في عمان، الأب عماد علمات، كلمة شكر فيها جميع الجهات الحكومية من وزارة السياحة والآثار وهيئة تنشيط السياحة وهيئة موقع المغطس، والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية، واللجان الليتورجية والوجستية، والحركات الشبابية من كشاف وشبيبة وخدام هيكل وفرق ترنيم، التي عملت بروح الفريق الواحد لإنجاح هذا اليوم المميز. كما شكر المرنمة اللبنانية كريستيان نجار على مشاركتها في إحياء ترانيم الحج لهذا العام.