أصدر منتدى الاستراتيجيات الأردني ورقة سياسات بعنوان "الاستثمار في السلامة المرورية لإطلاق الإمكانات الاقتصادية"، بمناسبة احتفال الأمم المتحدة بالأسبوع العالمي "للسلامة على الطرق" خلال الفترة ما بين 12–16 أيار/مايو.
اقرأ أيضاً : ابنة متوفى في حادث العدسية تروي جزءا من تفاصيل حياته
جاء ذلك بهدف تحديد أهم الأسباب وراء الحوادث المرورية، وتسليط الضوء على أبرز الملاحظات حول الحوادث المرورية البشرية في الأردن وبعض البلدان الأخرى، واستخلاص الدروس المستفادة لتحسين السلامة على الطرقات في المملكة.
وأشار المنتدى إلى أولوية قطاع النقل في "رؤية التحديث الاقتصادي"، إذ جاء قطاع "النقل والخدمات اللوجستية" كأحد أولويات النمو الأربع ضمن محرك "الصناعات عالية القيمة".
وأكد أن وثيقة الرؤية ركزت وفق أولويات قطاع النقل والخدمات اللوجستية، على أنه "رغم امتلاك الأردن لشبكة طرق حديثة، إلا أن هناك حاجة ماسّة لتعزيز شبكات النقل، وبالأخص شبكة نقل السكك الحديدية، والربط مع الدول المجاورة في المنطقة."
وفي هذا السياق استعرض المنتدى أبرز نقاط الضعف في قطاع النقل بحسب ما جاء في رؤية التحديث الاقتصادي؛ وهي كل من ضعف البنية التحتية للطرق والسكك الحديدية، والاعتماد الرئيسي على السيارات الخاصة، نتيجة النقص الكبير في وسائل النقل العام، وما ينتج عنها من ازدحام.
وبحسب رؤية التحديث الاقتصادي، فقد شمل محور "النقل والخدمات اللوجستية" 16 مبادرة يبلغ اجمالي استثماراتها المتوقعة بـ 3.1 مليار دينار أردني ما بين الأعوام (2022-2033). ويشكل هذا المبلغ 7.5% من إجمالي التمويل المطلوب لرؤية التحديث الاقتصادي الذي يبلغ 41.4 مليار دينار أردني. حيث اشتملت بعض هذه المبادرات على تحسين البنية التحتية لقطاع النقل وخدماته، ووضع خطة شمولية لتطوير النقل العام في جميع أرجاء المملكة، ووضع سياسات السلامة المرورية، بالإضافة إلى تعزيز روابط النقل الإقليمي.
واستعرض المنتدى بعض المشاهدات من تقرير "إصابات حوادث الطرق" الصادر عن منظمة الصحة العالمية في حزيران /يونيو 2022؛ مشيراً إلى أن إصابات الحوادث على الطرق تعتبر السبب الرئيسي لوفيات الأطفال والشباب بين أعمار 5 - 29 عاماً، إذ يتوفى ما يقارب من 1.3 مليون شخصاً كل عام نتيجة الحوادث المرورية على الطرقات. كما أن 93% من وفيات الحوادث على الطرق في العالم تقع في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل. وتمتلك هذه الدول ما يقارب 60% من المركبات في العالم. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحوادث المرورية تُكلِّف معظم دول العالم حوالي 3% من نسبة ناتجها المحلي الإجمالي.
وفي هذا السياق، بين المنتدى أبرز الأسباب الرئيسية للاصطدامات المرورية والحوادث، وفق تقرير منظمة الصحة العالمية، وهي كل من السرعة، حيث أن كل زيادة بنسبة 1% في متوسط السرعة، ينتج عنها زيادة في خطر الحوادث المميتة بنسبة 4%، وفي خطر الاصطدامات الخطيرة بنسبة 3% . والقيادة تحت تأثير الكحول أو المخدرات، حيث أنها تزيد من نسبة خطر وقوع الحوادث المرورية، وتزداد نسبة الخطر بشكل تصاعدي مع ازدياد نسبة تركّز الكحول في دم السائق.
اقرأ أيضاً : حوادث السير تفجع الأردنيين.. قطامي ينعى شقيقته
وفيما يتعلق بعدم استخدام تدابير السلامة، أشار التقرير إلى أن خطر الوفاة يقل بين السائقين وركاب المقاعد الأمامية بنسبة 45-50% عند ربط أحزمة الأمان. وتنخفض نسبة الوفيات أو الإصابات الخطيرة بين ركاب المقاعد الخلفية بنسبة 25% عند ربط أحزمة الأمان. علاوة على أن السائقين الذين يستخدمون الهواتف المحمولة أثناء القيادة أكثر عرضة -بأربعة أضعاف - لخطر الاصطدامات من السائقين الذين لا يستخدمونها.
وحول البنية التحتية، أشار التقرير إلى أهمية مراعاة سلامة جميع مستخدمي الطرق عند تصميمها، مما يعني ضرورة التأكد من وجود مرافق كافية تلبي احتياجات المشاة، وراكبي الدراجات الهوائية والنارية، مؤكداً أنه وفي حال تطبيق هذه التعليمات على معايير تصنيع وانتاج المركبات، فسيتم تفادي العديد من الحوادث والاصابات البشرية. كما أشار التقرير إلى أن التأخر في تقديم الرعاية بعد الحادث وتقديم الرعاية اللازمة للمصابين، يعد سببا رئيسياً في زيادة خطورة الإصابات.
واستعرض المنتدى في ورقته أبرز الملاحظات حول الحوادث المرورية في الأردن وبعض الدول الأخرى، مشيراً إلى أن أعداد المركبات المسجلة في الأردن ازدادت بشكل كبير في الخمسين عاماً السابقة، كما شهدت المملكة ازدياداً هائلاً في ملكية الأفراد للمركبات نسبة إلى عدد السكان. فقد كانت نسبة الملكية مركبة واحدة لكل 68.6 فرد في العام 1970، وأصبحت مركبة واحدة لكل 6.2 فرد في عام 2021.
وفي هذا السياق، أشار التقرير إلى أنه يتوقع نتيجة الزيادة الهائلة في أعداد المركبات المسجلة في الأردن، زيادة كبيرة في حوادث المركبات والاصابات البشرية، حيث ارتفعت حالات الإصابة من 8,439 حالة في عام 1981، إلى أكثر من 17,000 حالة في عام 2021. كما ازدادت أعداد الوفيات الناتجة عن الحوادث المرورية من 457 حالة في عام 1981، إلى 589 حالة في عام 2021.
وفي سياق آخر، انخفض عدد الإصابات لكل 10,000 مركبة من 369.3 إصابة في عام 2001، إلى 116.0 إصابة في عام 2016، وإلى 97.4 إصابة في عام 2021. كما انخفض عدد الإصابات لكل 100 ألف نسمة من 363.4 إصابة في عام 2001، إلى 177.9 إصابة في عام 2016، وإلى 158.1 إصابة في عام 2021. كما أن عدد الوفيات قد انخفض من 15.4 وفاة لكل 10,000 مركبة في عام 2001، إلى 5 وفيات في عام 2016، وإلى 3.3 وفاة في عام 2021. وانخفض عدد الوفيات لكل 100 ألف نسمة من 15.1 وفاة في عام 2001، إلى 7.7 وفاة في عام 2016، وإلى 5.3 وفاة في عام 2021.
وعند مقارنة واقع الحالة الأردنية ببعض الدول المتقدمة، أشارت الورقة إلى أن أداء الأردن غير مرضٍ. فمعدل الوفيات لكل 100,000 نسمة في الأردن هو (5.3) وفاة، وهذا الرقم أعلى بكثير من النرويج (1.5) وفاة، والسويد (1.9) وفاة، والدنمارك (2.2) وفاة، وغيرها من الدول، كما أن نسبة عدد الوفيات لكل 10,000 مركبة تبلغ 3.3 وفاة، وهي أعلى بكثير من إيرلندا، والمملكة المتحدة، وسويسرا، والدنمارك، والسويد، والنرويج. إلا أنها قريبة من دول أخرى كتشيلي وكولومبيا.
و أدرج المنتدى في ورقة السياسات بعض الملاحظات على الحوادث البشرية في الأردن، بالاستناد إلى التقارير السنوية لمديرية الأمن العام للعام 2021، مشيراً إلى أن أعداد حوادث الإصابات البشرية، تتفاوت بالمتوسط، حسب أشهر السنة، كما أنه من اللافت أن أعداد حوادث الإصابات البشرية لا تقل خلال العطلة الأسبوعية (يومي الجمعة والسبت)، مقارنة بباقي أيام الأسبوع. وتقع معظم حوادث الإصابات البشرية في أيام الطقس الصافية، وتنخفض أعداد حوادث الإصابات البشرية، بشكل كبير خلال ساعات الصباح الباكر. كما أشار التقرير إلى أن معظم حوادث الإصابات البشرية تقع على الطرق ذات السرعات المنخفضة (من 40 الى 60 كيلو متر بالساعة).
وفيما يتعلق بالسائقين المسجلين، فإن العدد الأكبر من السائقين المسجلين هو في الفئات العمرية الأقل من 41 سنة. حيث تمثل الفئة العمرية من (18 - 29 سنة) ما نسبته 21.3% من مجموع السائقين المسجلين، وتعتبر هذه الفئة مسؤولة عن 28.2% من إجمالي حوادث الإصابات البشرية. كما أن الفئة العمرية من (30 - 41 سنة) تمثل ما نسبته 30.6% من مجموع السائقين المسجلين، وتعتبر مسؤولة عن 30.2% من إجمالي حوادث الإصابات البشرية. أما الفئة العمرية من (42 - 50 سنة) فتمثل ما نسبته 18.9% من إجمالي عدد السائقين المسجلين، وتعتبر مسؤولة عن 15.0% من إجمالي حوادث الإصابات البشرية. كما تمثل الفئة العمرية من (51 - 59 سنة) ما نسبته 13.8% من إجمالي عدد السائقين المسجلين، وهي مسؤولة عن 8.8% من إجمالي حوادث الاصابات البشرية. وتمثل الفئة العمرية 60 عاماً فأكثر ما نسبته 15.4% من إجمالي عدد السائقين المرخصين، وتعتبر هذه الفئة مسؤولة عن 17.7% من إجمالي حوادث الاصابات البشرية.
وحول التكلفة المالية للحوادث المرورية، أشار التقرير إلى أن كلفة الحوادث المرورية قد بلغت حوالي 320 مليون ديناراً في العام 2021. وفي هذا السياق أدرج منتدى الاستراتيجيات الأردني توصياته لجعل النقل البري أكثر فعالية وكفاءة، واستدامة، مؤكداً أن تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي بشكل عام، والمبادرات المتعلقة بقطاع النقل والخدمات اللوجستية بشكل خاص سيعمل على المساهمة في خفض التكاليف البشرية والاقتصادية لحوادث الاصابات البشرية، ويعزز من إطلاق الإمكانات الاقتصادية.
حيث أشارت ورقة المنتدى إلى أهمية اعتماد سياسة شمولية لوضع اللوائح المرورية على الطرق وصيانتها والحفاظ عليها. من خلال تحديد مسارات المرور بوضوح، واستخدام ألوان مرئية للسائقين. كوضع علامات الطريق الطولية (المتصلة والمتقطعة)، والتي ترشد السائق خلال القيادة، وتوجهه نحو الأمام، وتحذّره كذلك من التجاوزات الخطرة بين المسارب.
وحيث أن الغالبية العظمى لحوادث الاصابات البشرية تقع على الطرقات ذات السرعات المنخفضة من (40 - 60 كم/ساعة)، فقد شددت الورقة على ضرورة قيام الحكومة، وفي جميع المحافظات، بتركيب كاميرات مناسبة. واعتماد نظام غرامات مدروس من شأنه ردع السائقين عن ارتكاب التجاوزات.
وأوصى المنتدى بربط أقساط التأمين على المركبات بالفئة العمرية والمتسببين بالحوادث المتكررة، كما ينبغي النظر في تغيير قسط التأمين (الطرف الثالث/ ضد الغير) الذي تدفعه كل فئة، وقيام أصحاب العلاقة بدراسة أثر التأمين الإلزامي على الحوادث المرورية، والأداء المالي لشركات التأمين. حيث تساءل المنتدى إن كان القسط الحالي 92 ديناراً أردنياً يزيد من الحوادث ويرفع من خسائر شركات التأمين، مشيراً إلى أنه وفي حال كان الأثر المالي سالباً، فهناك حجة قوية ليس فقط لزيادة هذا المبلغ، بل أيضًا لزيادته تصاعديا على الأفراد الذين يتسببون بحوادث مرورية متكررة.
وأكد المنتدى على ضرورة تطوير برامج لتقويم سلوك السائقين من خلال تنفيذ حملات لزيادة الوعي بمخاطر السلامة على الطرق، وأهمية الالتزام بتدابير السلامة كأحزمة الأمان، والخوذات، والقيادة الواعية، والالتزام بالسرعات المحددة على الطرق، وتجنب قيادة المركبات غير الآمنة، وغيرها من السلوكيات المحفوفة بالعديد من المخاطر. بالإضافة إلى تحسين البنية التحتية للطرقات من خلال تصميمها وفق معايير السلامة العامة، وتخصيص ممرات آمنة للمشاة، ووضع اللافتات والإشارات المرورية اللازمة، علاوة على الحفاظ على الطرقات الحالية وتوسعتها وصيانتها بشكل دوري.
وشدد المنتدى على ضرورة تعزيز إنفاذ القانون وزيادة مراقبة المخالفات المرورية، مع تطبيق عقوبات صارمة على المخالفين. علاوة على تطوير منظومة النقل العام من خلال توفير أنظمة نقل عام مريحة ودقيقة وفعالة، و تشجيع استخدام وسائل النقل البديلة والمستدامة كالمشي وركوب الدراجات والاستخدام المشترك للسيارات، والتي يمكن أن تساعد في تقليل عدد المركبات على الطرق، وبالتالي تقليل مخاطر وقوع الحوادث.
وأشار المنتدى إلى أن الاستثمار في التكنولوجيا والابتكار مثل أنظمة التنبيه عند انحراف المسار والتحكم في السرعة في المركبات، وتوظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي لمراقبة الطرق، وممرات المشاة، سيساهم في وضع الآليات الوقائية للتنبؤ بالحوادث المرورية وتعزيز السلامة على الطرقات.
وشدد المنتدى على أهمية الاستثمار في البحث والتحليل لدراسة بيانات الحوادث وتحديد أنماطها، والعوامل المساهمة فيها، من أجل توجيه تصميم السياسات والاستراتيجيات للتخفيف من الخسائر البشرية والاقتصادية للحوادث المرورية، بالإضافة إلى تعزيز العمل المشترك والمنسق ما بين كافة الجهات الحكومية والقانونية ذات العلاقة، وهيئات وسلطات النقل، ومقدمي الرعاية الصحية، وشركات التأمين، والمنظمات المجتمعية ضمن منظومة حوكمة رشيدة متكاملة تعمل على تنفيذ استراتيجيات وخطط طوارئ فعالة للتخفيف من الحوادث المرورية وآثارها السلبية.