تعاني معظم دول العالم، من مستويات التضخم التي لم تسجل منذ عقود، مع ارتفاع أسعار سلع وخدمات تعد أساسية.
اقرأ أيضاً : الضريبة توضح آلية انضمام القطاع الصناعي لنظام الفوترة الالكتروني
ورغم أن ذروة التضخم ربما تلوح في الأفق، فإن آثاره قد تزداد سوءا، بحسب ما ذكرت وكالة رويترز.
انتهت مدة طويلة ومريحة من التضخم المحدود وأسعار الفائدة المنخفضة فجأة، بعد أن عصفت جائحة كورونا بالعالم، إذ استمرت الحكومات والبنوك المركزية في دعم الشركات التي أغلقت أبوابها والأسر بتريليونات الدولارات.
ومنع دعم الحكومات، العمال من الانضمام إلى طوابير الإعانات، والشركات من الانهيار وأسعار المنازل من التراجع الشديد.
وفي المقابل، أدى الدعم أيضا إلى توقف العرض والطلب على نحو لم يسبق له مثيل.
وبحلول عام 2021، مع انتهاء عمليات الإغلاق ونمو الاقتصاد العالمي بأسرع وتيرة بعد ركود منذ 80 عاما، ألقت أموال حزم التحفيز الضخمة هذه بظلالها على نظام التجارة العالمي.
ولم تستطع المصانع التي كانت متوقفة أن تعمل بالسرعة الكافية لتلبية الطلب، وتسببت القواعد الآمنة لكورونا في نقص العمالة في قطاعات البيع بالتجزئة والنقل والرعاية الصحية، فيما أطلقت طفرة الانتعاش شرارة ارتفاع أسعار الطاقة.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، لتندلع الحرب الروسية الأوكرانية في شباط/فبراير، وتؤدي العقوبات الغربية على أكبر مصدر للنفط والغاز إلى ارتفاع أسعار الوقود، وفقا لرويترز.
يُعرف التضخم بأنه "ضريبة على الفقراء" لأنه يؤثر على ذوي الدخل المنخفض، وقد أدى تضخم في خانة العشرات إلى زيادة التفاوت وعدم المساواة في أنحاء العالم.
ففي حين يمكن للمستهلكين الأكثر ثراء الاعتماد على المدخرات التي تراكمت خلال عمليات الإغلاق إبان الجائحة، يجد آخرون صعوبة في تغطية نفقاتهم.
وتهيمن مخاوف تكاليف المعيشة على سياسات الدول الغنية، وفي بعض الحالات يُغض الطرف عن أولويات أخرى مثل إجراءات مكافحة تغير المناخ.
ولكن إذا كانت الأمور صعبة في الاقتصادات الصناعية، فإن ارتفاع أسعار المواد الغذائية يزيد من حدة الفقر والمعاناة في البلدان الفقيرة، من هايتي إلى السودان ولبنان إلى سريلانكا.
ويقدر برنامج الأغذية العالمي أن 70 مليونا آخرين في جميع أنحاء العالم باتوا على شفا المجاعة منذ بداية حرب أوكرانيا في ما يسميه "تسونامي الجوع".
وشرعت البنوك المركزية في أنحاء العالم في رفع أسعار الفائدة رفعا حادا لتهدئة الطلب وترويض التضخم. وبحلول نهاية 2023، يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينخفض التضخم العالمي إلى 4,7 في المئة.
والهدف من ذلك هو "هبوط ناعم" في دورة الأعمال تتراجع فيه الأسعار من دون انهيار سوق الإسكان أو إفلاس شركات أو ارتفاع معدلات البطالة.
ومن رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) جيروم باول إلى كريستين لاغارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي، هناك حديث متزايد عن أن دواء رفع أسعار الفائدة قد يكون مر المذاق.
صندوق النقد الدولي قال من جانبه، إن الأسوأ لم يأت بعد. وفي 2023 سيشعر كثيرون بالركود".
وكان التضخم الاقتصادي خلال العام 2022 الشغل الشاغل لصانعي السياسات، فانهمك القادة في لقاءاتهم، بالبحث عن حلول للأزمة العالمية. فجاء تقرير تشرين الأول/أكتوبر لصندوق النقد الدولي بعنوان، "مجابهة أزمة المعيشة" في دلالة على الجهود العالمية بوجه موجة التضخم الحادة.
وتشير التنبؤات إلى تباطؤ النمو العالمي من 6,0 في المئة خلال عام 2021 إلى 3,2 في المئة في عام 2022 ثم 2,7 في المئة في عام 2023، في ما يمثل أضعف أنماط النمو على الإطلاق منذ عام 2001 باستثناء فترة الأزمة المالية العالمية والمرحلة الحرجة من جائحة كورونا، حسب تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي" الصادر عن صندوق النقد الدولي خلال تشرين الأول/أكتوبر 2022.
وبحسب التنبؤات، فإن التضخم العالمي سيرتفع من 4,7 في 2021 إلى 8,8 في المئة في 2022 ليتراجع لاحقا إلى 6,5 في المئة في 2023 و4,1 في المئة في 2024.
وأشار البنك الدولي إلى أن الاقتصاد العالمي يشهد الآن أشد معدلات التباطؤ في أعقاب تعاف ما بعد الركود منذ عام 1970. وتمر أكبر 3 اقتصادات في العالم، وهي الولايات المتحدة الأمريكية والصين ومنطقة اليورو، بتباطؤ حاد للنمو.
وعلى صعيد البورصات والأسواق، فإن النفط بصدد أن يختتم 2022 على ارتفاع بعد عام مضطرب شابه شح الإمدادات.
وارتفعت أسعار النفط وهي في طريقها لتحقيق مكاسب للعام الثاني على التوالي، وإن كانت ضئيلة، في عام اتسم بشح الإمدادات بسبب الصراع في أوكرانيا وقوة الدولار وضعف الطلب من الصين، أكبر مستورد للخام في العالم.
وارتفعت الأسعار في آذار إلى ذروة 139,13 دولارا للبرميل، وهو مستوى لم يتحقق منذ عام 2008، بعد أن بدأت الحرب الروسية الأوكرانية وأثارت المخاوف بشأن الإمدادات وأمن الطاقة.
وتراجعت أسعار النفط سريعا في النصف الثاني من هذا العام مع رفع البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم أسعار الفائدة لمحاربة التضخم وارتفاع الدولار.
وجعل ذلك السلع الأولية المقومة بالدولار استثمارا أكثر تكلفة لحاملي العملات الأخرى.
وأدت قيود الصين للحد من فيروس كورونا، والتي لم تُخفف سوى في كانون الأول/ديسمبر الحالي، إلى القضاء على آمال تعافي الطلب على النفط لدى ثاني أكبر مستهلك للخام في العالم.
ويذكر أن أسعار الذهب ارتفعت، الجمعة، لكنها تتجه لخسارة سنوية ثانية على التوالي، إذ أضعف رفع مجلس الاحتياطي الاتحادي أسعار الفائدة بشدة جاذبية السبائك التي لا تدر عوائد.
ويتجه الذهب نحو انخفاض سنوي 0,6 في المئة بعد أن بات الدولار ملاذا آمنا ومفضلا وسط الزيادات الضخمة في أسعار الفائدة.
وحقق مؤشر الدولار أفضل أداء سنوي له منذ عام 2015، مما جعل الذهب باهظ الثمن لحاملي العملات الأجنبية.
ومع ذلك، ارتفعت أسعار الذهب بنحو 200 دولار من أدنى مستوى في أكثر من عامين سجلته في أيلول/سبتمبر، وهي في طريقها لتحقيق أفضل أداء فصلي لها منذ حزيران/يونيو 2020، على أمل أن يبطئ البنك المركزي الأمريكي وتيرة زياداته لأسعار الفائدة.