أصبح موقف حافلات بالقرب من الدوار السادس في العاصمة عمّان، "موقع جذب" للفضوليين، رغم الظلام الذي يحيط فيه. هنا تجلس شابّة في مساءات عمّان بعيدا عن ألفة المنزل، حتى بزوغ الفجر.
اقرأ أيضاً : الحبس 6 سنوات لمتهم بتزوير كمبيالات بقيمة 1.5 مليون دينار
"فتاة الدوار السادس"؛ بات لقبا متعارفا لشابّة تتوجس من نظرات المتطفلين ولسان حالها: "حلّوا عني".
تساؤلات عديدة أثيرت حول أسباب انطواء الشابة في ذلك المكان ورفضها تبادل الحديث مع سائقين أو مارّة.
على مضض، استجابت الفتاة الثلاثينية لفريق "رؤيا" الذي نجح في فتح حوار معها بعد محاولات عديدة، بحثا عن إجابات معلّقة حول من باتت تعرف بوسم (#فتاة_الدوار_السادس).
من أبرز القصص التي رويت عن الشابة، إصابتها بصدمة حزنا على وفاة والدتها في ذات المكان الذي تجلس فيه، في حين تشير رواية أخرى إلى وفاة والدها.
الأكيد أن الشابّة شبه الصامتة تحمل شهادة جامعية تخصّص لغّات وآداب، ودخلت سوق العمل في مرحلة سابقة كما تتمتع بشبكة من الصديقات والأصدقاء في الفضاء الإلكتروني.
في ليلة كانونية قارسة البرودة، استمع فريق "رؤيا" إلى تمتمات الشابّة المتوارية خلف جدار من العزلة: "آتي إلى هنا ليلا، هذا شارع مزدحم مليء بالسيارات"، أجابت وهي تشير بإصبعها إلى عدة كاميرات مراقبة. ثم أردفت: "أشعر بالأمان هنا".
فريق "رؤيا" الذي كان يرتجف من البرد سأل الشابة عن سبب دفئها؟ "سترتي ثقيلة للغاية (...) لا أشعر بالبرد، ولست جائعة، ولا أريد أي شيء (...)، يجب أن تغادروا الآن"، ردّت بنبرة حادّة.
في حوار دام ساعة تخلّله تطفل مارّة وسائقين، خرجت "فتاة الدوار السادس" عن صمتها، وفنّدت إحدى الروايات المتداولة وراء انعزالها عن العالم. "والدي حي وبصحة جيدة. يقود سيارته طوال اليوم"، ردّت بحدّة على شابّة عابرة سعت لمواساتها. ثم تساءلت بغضب: "لماذا تقولون إن والدي متوفىّ؟"
في منشورات سابقة لها، تحدّثت الشابّة عن وفاة والدتها وتلّقت تعاز من صديقات وأقرباء. آخر منشور على صفحتها يعود إلى 5 كانون الأول/ ديسمبر على شكل فيديو يتضمن دعوات وابتهالات طلبا للفرج والرحمة.
أثناء الحوار - معظمه من طرف واحد- مرّ عشرات الفضوليين؛ منهم من كان يحدّق فيما حاول أحدهم تقديم وجبة طعام لها. "لا، شكرا. تناولت ثلاث وجبات اليوم"، جاء ردّها باقتضاب ثم أشاحت بوجهها عنه. حاول الرجل مرة ثانية: "من فضلك خذيها، يمكنكِ أن تأكليها لاحقا". هنا أخذت الشابة الوجبة لكنّها ركنتها جانبا دون أن تلمسها.
أحد المارّة طلب التحدّث مع فريق "رؤيا" على انفراد وتجاهل مخاطبتها. لكنّ الشابة قاطعته بغضب: "روحو من هون (يمكنكم جميعا المغادرة)، بعرف إنكو بدكوا تسألوا عني. يالله روحوا".
بعد أن غادر الفضوليون، عادت فجأة إلى الفريق لتقول: "أريد فقط أن يتركني الناس بحالي!". وشرحت كيف "تتوقف مئات السيارات هنا، ويصورون مقاطع فيديو لي، ثم ينشرها أصحابها على تيك توك دون إذني، (...) إنهم لا يحترمون خصوصيتي".
عندما سُئلت عمَّ إذا كان يمكن فعل أي شيء من أجل مساعدتها؟ أجابت: "السلطات المختصة تقدم لي المساعدة"، في إشارة إلى وزارة التنمية الاجتماعية وإدارة حماية الأسرة. "إنهم يعرفون كل شيء"، تقول الشابة رافضة الخوض في المزيد من التفاصيل.
الناطق باسم وزارة التنمية الاجتماعية أشرف خريس أكدّ لـ"رؤيا" أن الوزارة عرضت على الفتاة "المساعدة مرارا وتكرارا، لكنها كانت ترفض دائما".
وقال إن الجهّات المختصة تتابع حال الشابّة، بما في ذلك إدارة حماية الأسرة، جمعية اتحاد المرأة إضافة إلى منظمات المجتمع المدني.
أثناء حديثها مع "رؤيا"، بالكاد حافظت الفتاة على تواصل بصري مع الفريق، في الوقت الذي كانت تواصل فيه تحديث حسابها على منصّة "تيك توك"، وهي ترتدي سماعات الرأس، لدرجة أن الفريق لم يكن متأكدا مما إذا كانت تستمتع له أم لا.
ودأبت على تحذير الفريق الصحافي من الجلوس بجانبها قائلة: "الآن سوف يصوّر الجميع مقاطع فيديو لكم أيضا، وينشرونها على تيك توك". وشرحت كيف جلست ظهرت فتاة غريبة أثناء "جلوس إحدى صديقاتي بجواري وأخذت تستمع إلى حديثنا". وعندما سألت "فتاة الدوار السادس" وصديقتها الشابة الأخرى عن سبب جلوسها إلى جانبهما، ردّت عليهما: "لا تشغلوا بالكم بي، فقط استمرا في حديثكما".
ومضت إلى القول: "الجميع يأتون من أجل الفضول. أنا مجرد شخص عادي مثلي مثلك". وتضيف: "ألم تسمعوا بالمثل: (الفضول قتل القطة)".