تجميل قاتل.. "شفط دهون" يفتك بأردنيين - فيديو

الأردن
نشر: 2022-10-30 17:31 آخر تحديث: 2022-10-31 05:02
عيادات تجميل
عيادات تجميل

تحقيق رداد القلاب 

إعداد أحمد الحجاج

تشوهات وسقوط ضحايا والمسلسل لم ولن يتوقف … الأبطال مستمرون في عروضهم والمسؤولية حدث ولا حرج لن تجد احد يسمع.

ماريان (32 عاما) توفيت تحت مقص طبيب جراحة التجميل، عام 2017 بعد أن بذل جهدا في اقناعها بالعمليات أكثر مما بذل و دقق في البروتوكولات الطبية، للحفاظ على سلامتها تحت التخدير.

ماريان ضحية نقص المعلومة الطبية وعدم التكافؤ في بينها وبين الجاني .. كانت قد "كرهت" جسدها بعد أن ترك عليه طبيب سابق ندوبا من سوء تقطيب الجروح.

مدخل جاء بها  إلى طبيب آخر -عبر وسائل التواصل الاجتماعي- وصلت له  فاستمالها بكلمات أحبّت سماعها عن "سهولة العملية التي من بعدها ستحصل على قوام جميل".

 ليس هذا فقط بل وأخبرها أيضا بضرورة إجراء عدة عمليات (شفط دهون، وتصحيح ندوب العمليات السابقة، وشد الأرداف، وشد البطن) في عملية واحدة، مقابل 10 آلاف دينار أردني (14 ألف دولار)، وفقا لشقيق الضحية طارق الساحوري. 

أجريت العملية التي أودت بحياتها داخل مستشفى للولادة يخلو من غرف عمليات كبرى لعمليات شفط الدهون. ولم تجر لها الفحوص الطبية اللازمة، مثل فحص الأنسجة وكريات الدم.

 شقيق الضحية اكد أن الطبيب لم يحسب كميات الدهون المراد شفطها، ولم يتفقد جسدها خصوصا أنها تعاني من كسر قديم نجم عنه تثبيت "براغي" في إحدى رجليها.

بحسب ملف القضية، التي لا تزال منظورة أمام القضاء منذ 2017، انشغل الطبيب (المتهم الرئيس) في ذات اليوم والتوقيت بعمليات أخرى. 

رسم على جسد الضحية أماكن الشفط ثم شرح مراحل العملية لطبيب آخر اختصاص جراحة عامة، غير مرخص لممارسة العمل في الأردن.

حقن الطبيب "المساعد، غير المختص" مناطق الجسد بمادة إذابة الدهون في الأماكن المزمع شفط الدهون منها مرة واحدة. 

ولم تتوقف العملية رغم انخفاض ضغط دم الضحية إلى 50/80، وهذا مؤشر خطر على الحياة. وحين احتاجت الضحية وحدات دم إضافية تبين عدم معرفتهم فئته.

ماريان والعديد من الساعين لتجميل أجسادهم يتعرضون لخطر الموت أو الإصابة بعاهات دائمة، بعد أن تستقطبهم إعلانات لعيادات ومراكز تجميل تروج لعمليات شفط دهون ونحت الاجساد، بأسعار رخيصة وبالتقسيط.

ضمن البحث والتقصي عن عمليات "شفط الدهون" في الأردن، عاين معد التحقيق عشرات الفيديوهات "تقشعر لها الأبدان" لمريضات مستلقيات على أسرة طبية داخل عيادات ومراكز خاصة، إذ تُظهر مريضات بكامل وعيهن،  وهن يصرخن ألماً بسبب دخول المشارط الطبية الى أجسادهن في مناطق مختلفة سواء تحت "الإبط" أو البطن أو الأرداف، وسط نزيف من الدماء التي ملأت المكان بعيدة عن أعين الرقابة الضعيفة  بالأصل.

فريق التحقيق استطاع الوصول لملفات مرضى و فيديوهات وصور تظهر بشاعة التشوهات الناتجة عن العمليات التي يجريها بعض الأطباء الغير الحاصلين على شهادة جراحة التجميل في عياداتهم الخاصة حيث تجري معظم العمليات الخطيرة بتخدير موضعي قد ينتهي أثناء العملية ومن دون إشراف طبي من اختصاصي التخدير وعدم تحضير المرضى المسبق، في مخالفات متعددة لمتطلبات نقابة الأطباء لإجراء عمليات شفط الدهون.

العمليات التي رصدها التحقيق، يجب إجراؤها في المستشفيات داخل غرف العمليات الكبرى، وأن تكون مهيأة لإجراء اي تدخل جراحي بسبب مضاعفات العملية من الجلطات الدهنية التي تتحرك نحو القلب والرئة وقد تؤدي الى الوفاة، إضافة إلى تخدير كامل بوجود طبيب تخدير  وهو ما حصل مع طبيبة الأسنان (غ. ب) داخل عيادة خاصة على يد طبيب اختصاص جراحة عامة، ومن دون وجود طبيب تخدير، أو إخضاعها لفحوص طبية قبل العملية مما تسبب  بوفاتها . 

 التحقيق في قضية وفاة طبيبة الاسنان يؤكد مايذهب له التحقيق حيث تبين من أن الجراح أدين بخطأ طبي جراء عمليات شفط دهون لشخصين، ووجهت له تنبيهات فقط، وبعد التنبيه بثلاثة أسابيع توفيت طبيبة الأسنان وسبب الوفاة: "الموت من شدة الألم".

غياب الرقابة الحقيقية على العيادات والمستشفيات ومراكز التجميل والمختبرات والصيدليات  علله مختصين بنقص عدد موظفي الرقابة والتفتيش في وزارة الصحة على العيادات الطبية والمراكز الصحية والمختبرات والصيدليات والمستشفيات حيث يبلغ عددهم نحو 70 موظفا مقابل 28911 طبيبا و118 مستشفى حكوميا وتعليميا وخاصا.

عدد العيادات والمراكز الطبية في الأردن:

عيادات الطب العام 739

 عيادات اختصاص 861 

مراكز طبية متخصصة 73 

مراكز طب وطوارئ 129 

المصدر: نقابة الأطباء

وبلغ عدد الشكاوى 43 قضية قدمت للنقابة في الفترة من 6 آب/ أغسطس 2020 حتى 31 كانون الأول/ ديسمبر 2020، وجرى تحويل تسع قضايا إلى لجنة التأديب النقابية بسبب قيامهم بعمليات شفط دهون وهم لا يحملون تخصص جراحة التجميل. كما أحيلت خمس شكاوى إلى الوزارة بسبب قيام الأطباء بعمليات شفط دهون داخل عيادات ومراكز طبية. نتائج التحقيق أفضت إلى توقيف خمسة أطباء مؤقتا عن ممارسة المهنة، منهم الطبيب الذي تسبب بوفاة طبيبة أسنان.

ينص قانون نقابة الأطباء الأردنية رقم (13) لسنة 1972 وتعديلاته (المادة 5/ج)، على أن يشطب اسم الطبيب من سجل الأطباء إذا صدر بذلك "قرار تأديبي" وحفظ سائر  الشكاوى بعد التوصل إلى حل سلمي بين المريض والطبيب.

رقابة لا تتناسب مع حجم السوق

أكد الموظف المسؤول في قسم التفتيش والرقابة في وزارة الصحة، أحمد السخارنة، أن عدد موظفي القسم -الوحيد المخول بالتفتيش- في وزارة الصحة نحو 72 موظفا موزعين على مديريات الصحة في محافظات المملكة، بينهم 7 موظفين في مركز الوزارة.  

ويقر السخارنة، بتلقي القسم الذي يديره، 400 إلى 600 شكوى شهريا، سواء مباشرة أو عبر الخط الساخن، أو عبر المديريات في المحافظات. من بين مئات الشكاوى، تقرر إغلاق 20 – 25 عيادة مخالفة، وتحويل أصحابها للنائب العام لقيامها بعمليات شفط دهون، في النصف الثاني من 2021.

وزير الصحة الأسبق غازي الزبن أكد أيضا بأن أعداد موظفي مديرية التراخيص والتفتيش في الوزارة غير كاف، ولا يقومون بمراقبة حقيقية، فيما يرى الزبن أن ضعف الرقابة يفتح باب شبهة "المفسدة"، بمعنى إمكانية تلقي أي موظف في الرقابة والتفتيش رشاوى، مقابل السكوت عن مخالفة ما في عيادة أو مركز أو مستشفى أو صيدلية أو مختبر.

ضعف التشريعات النافذة  والثغرات حسب المسؤولين فتحت المجال أمام طبيب يحمل شهادة في الجراحة العامة، ويعمل مدرس لجراحة طب الأطفال في إحدى الجامعات الرسمية، ويمارس جراحة التجميل في عيادته الخاصة، وبحقه شكاوى عديدة، ولكن أحدا يسأله  ومن هنا دعا  مختصين السلطات والجهات المختصة إلى تعديل القوانين وتغليظ العقوبة وسرعة البت في القضايا لدى المحاكم وألا تصل لخمس سنوات.

انتقد بربراوي مواد العقوبات الواردة في قانون نقابة الأطباء، ووصفها بـ "القديمة" مطالبا بإعادة النظر في القانون والأنظمة والتعليمات الناظمة، وقال إن العقوبات تتدرج وفقا للمادة 55 من قانون  نقابة الاطباء الاردنيين رقم 13 لسنة 1973 وتعديلاته، إذ يغرم الطبيب المخالف بما لا يقل عن مئة دينار ولا يزيد عن ألف دينار.

ونبه بربراوي من دخول أطباء الأسنان، إلى عمليات التجميل، مشددا على أن القانون لا يسمح لهم القيام بهذا العمل ولا يسمح إلا لأطباء الأسنان الذين يحملون اختصاص جراحة الفكين والأنف بعمل عمليات "تجميل للوجه فقط".

ويطالب هؤلاء المسؤولين، رفد مديرية المهن والتراخيص بكوادر، وتحويلها الى مديرية مستقلة على غرار مؤسسة الغذاء والدواء، وضرورة بحث المريض عن الطبيب المنوي الاستطباب على يديه ومعرفة اختصاصه ومهنيته، والابتعاد عن الدعايات التجارية، التي تجتاح الفضاء الإلكتروني.

مخالفات تتكرر و عقوبات على ورق

حقّق مجلس نقابة الأطباء عام 2015 بوفاة خليجيين اثنين أثناء عمليتي شفط دهون أجريت في عيادة طبيب حيث كشفت التحقيقات  ان الطبيب المتهم  ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها  للجان تحقيق ومجالس تأديبية وأنه قام بإنشاء صفحات خاصة به عبر وسائل التواصل الاجتماعي مستهدفة الأردن وخارجه، وتعيين أطباء للرد على التساؤلات، في مخالفة لنظام الإعلام والإعلان الطبّي النافذ والمادة (4/أ-ب) من الدستور الطبي.

الطبيب المتهم  أعلن أيضا عن مركز طبي تحت اختصاص جراحة المنظار والسمنة آنذاك لم يكن سجل "هذا الاختصاص" بعد اضافة لإنشاء مركز تغذية متخصص، بتوظيف طبيبين تخصص الجراحة والعظام.

كما كشف التحقيق أن الطبيب المتهم كان يجري 90 عملية يوميا في حين أن معدل الطبيب لا يزيد عن 40 عملية وانه قام  بإخراج المريض من المستشفى في يوم العملية أو في اليوم التالي حين يتوجب بقاءه ثلاثة أيام تحت المراقبة. 

قرر مجلس النقابة وقف الطبيب عن العمل لمدة شهر بسبب المخالفات التي ارتكبها في البنود السابقة، وفقا لقانون النقابة، وخاطب المجلس وزير الصحة لتنفيذ ذلك القرار. 

إلا أن وزير الصحة آنذاك لم ينفّذ القرار، وحول الطلب الى ديوان التشريع والرأي لاستبيان الرأي القانوني، في سابقة في تاريخ النقابة والطب. 

وحول قرار إحالة ملف قضية وفاة مرضى خليجيين لديوان التشريع والرأي رغم أن قرار النقابة محصن. قال الوزير المعني إنه حّول القضية إلى المدعي العام، وإن القضية ما تزال منظورة أمام المحكمة منذ 2015 لغاية اللحظة.

المحكمة الإدارية الأردنية أيدت قرار مجلس النقابة ورغم ذلك بقي القرار في الأدراج. وبعد سنوات شيّد الطبيب المعني مستشفى كبيرا، وعيّن الوزير مديرا له بعد أن خرج من الوزارة.

اللجنة الفنية العليا ترفض الإفصاح عن إحصاءات

رفض رئيس اللجنة الفنية العليا في وزارة الصحة د.عبد الهادي بريزات تزويدنا بالإحصائيات الطبية التي نظرتها اللجنة فيما يخص مخالفات "شفط الدهون" بحجة أن كل مراسلات اللجنة سرية، ولا يجوز تسريبها وفقا للمادة (19/أ) من قانون المسؤولية الطبية والصحية رقم (25) لسنة 2018، مؤكدا أن اللجنة لا تستقبل الشكاوى من الأطراف المتخاصمة وفقا للقانون الذي حصر تلقي الشكاوى بالوزير أو النقابات المعنية (الأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة) أو من القضاء، وأن اللجنة ترد على طلب الجهات القضائية المختصة أو وزير الصحة.

إعلانات تخالف الدستور الطبي بلا رقيب

يقول الدكتور وليد حدادين: راجعتني المريضة (ه. ز) وتحمل شهادة الدكتوراة، وتعاني من "منطقة ناشفة ميتة بعد إجراء عملية شفط دهون"، فقدمت شكوى من أطباء تجميل إلى النقابة بحق المراكز التي تعلن عبر "فيسبوك"، بـ 7 صفحات عن عمليات شد الترهلات وعلاج السمنة يجريها في مراكز خاصة، واكتفت النقابة بتوقيع الطبيب على تعهد بإقفال الصفحات، وبعد أسبوع من التعهد عادت الصفحات لتعلن عن خدماتها.

وكشف د. حدادين عن تدني أسعار عمليات التجميل في الإعلانات المضللة عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، فمثلاً تكلفة شد البطن (1090 – 1350) دينار أردني في حين أن تكلفة العملية بحسب لائحة الأجور من 2000 الى 2200 دينار، لأنها تتضمن تكاليف التخدير والإنعاش وتكاليف غرفة العمليات في المستشفى، وبهذا فإن الإعلان يخالف الدستور الطبي الأردني، الذي يمنع المقاولات.

استيفاء أجور الأطباء والمستشفى مرة واحدة خارج إطار التسعيرة الرسمية للنقابة، ما يؤثر سلبا على نوعية الخدمة العلاجية المقدمة للمرضى وحقوق الطبيب.

يتم احتساب الأجور الطبية بطريقتين:

 الأولى تحتوي على الكشفيات والإستشارات والإشراف الطبي وبعض الإجراءات في العيادات للتخصصات بالدينار الأردني 

وضع  نقاط تعطي كل إجراء الحد الأدنى للنقطة الواحدة بواقع 2.8 دينار أما الحد الأعلى 

للنقطة فيحتسب 3.5 دينار ووفقا للائحة الطبية.

قوانين وحلول 

مختصين أكدوا على ضرورة تعديل قانون الصحة العامة النافذ، بنشر أسماء المخالفين أسوة بما يجري في دول العالم المتقدم  وضرورة ايضاح الصورة للمواطنين حتى لايقعوا ضحايا لهؤلاء الاطباء.

رئيس جمعية جراحي التجميل والترميم، قصي موسى ورئيس لجنة الشكاوى في نقابة الاطباء محمد بربراوي قالو ان اقرار "الوصف الوظيفي" للأطباء من قبل وزير الصحة، يحل جزءا كبيرا من تعدي أطباء على اختصاصات أخرى، إذ يحدد الوصف الوظيفي، للعمليات والإجراءات المسموح للطبيب القيام بها ضمن اختصاصه، وأي مخالفة للوصف الوظيفي تعتبر تعديا على المهنة، وهو ما طالبت بإقراره كل من النقابة والجمعية والوزير منذ 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، ولم يتم لغاية اللحظة.

معدو التحقيق واجهوا وزير الصحة فراس هواري، أكثر من مرة عبر اتصالات هاتفية ورسائل نصية حول الأسباب في عدم إقرار"الوصف الوظيفي" للأطباء المسموح لهم إجراء عمليات التجميل وشفط الدهون، لكنه رفض الرد.

القانون شيء، وما يجري داخل غرف عمليات مستشفيات وعيادات ومراكز خاصة شيء مغاير تماما، حيث أظهرت الوثائق التي حصلنا عليها من العيادات والمراكز،  بما لا يدع مجالا للشك أن عمليات شفط دهون، تتم بمخالفة القوانين والأنظمة والتعليمات الناظمة في الأردن، بعيدا عن الرقابة، وعن أي برتوكول طبي واضح. 

أخبار ذات صلة

newsletter