وحّد حبّ الحيوانات رجلاً صربياً وآخر ألبانياً يديران معاً مأوى للكلاب الضالة والمتروكة في كوسوفو، ويشكلان بذلك نموذجاً نادراً جداً على التعاون في منطقة تعاني توترات بين مختلف مكوناتها الإثنية. تحت شمس الخريف الباهتة، ينبح نحو 40 من الكلاب التي أنقذت من الشوارع بحماسة ما إن يقترب منها مينتور خوجا (55 عاماً) مؤسس الملجأ الألباني ، وسلافيسا ستويانوفيتش، وهو حارس سجن سابق في صربيا يبلغ 57 عاماً.
وهذه الكلاب التي تنتظر الطعام ودفء الإنسان محظوظة. فملاجئ الحيوانات نادرة جداً في هذه المنطقة الفقيرة من جنوب شرق أوروبا التي كانت الكلاب الشاردة فيها تُقتَل في الشوارع قبل بضع سنوات بتشجيع من السلطات. ولا يزال عدد هذه الكلاب كبيرا اليوم، تنتشر في الشوارع أو تنام في الحدائق العامة.
ويرى مينتور أن صداقته مع سلافيسا أمر طبيعي، إذ إن “الحرب انتهت منذ أكثر من 20 عاماً” بين القوات الصربية والمتمردين الألبان المؤيدين لاستقلال كوسوفو. ويضيف في المأوى الواقع في منطقة غراكانيتشا ذات الغالبية الصربية بالقرب من بريشتينا “نحن متفاهمان جداً”. ويضيف “هو ليس قومياً، ولا أنا. أنا أتحدث الصربية وهو يتقن الألبانية. لدي أصدقاء، ولكن ليس لدي صديق أفضل منه”.
أما سلافيسا ستويانوفيتش الذي فقد وظيفته كحارس سجن بعد الحرب لأن بلغراد لم تكن راضية عن الصرب الذين يعملون في مؤسسات كوسوفو الجديدة، لا يندم إطلاقاً على عمله مع منتور. ويقول “نحن متشابهان في الروح والقلب وحب الحيوانات، في كل شيء”.
حاول مينتور خوض غمار الصحافة، وعمل في بعثة للأمم المتحدة ولدى شركة تعدين بريطانية قبل أن يؤسس “بريشتينا دوغ ريفيوج” قبل 11 عاماً. ويعوّل المأوى بشكل أساسي على التبرعات ، إذ إن الأكلاف البيطرية أكبر من قدرة المنظمات غير الحكومية ذات الإمكانات المادية الشحيحة، ومنها الرعاية والتلقيح والتعقيم، فضلاً عن أن بدل الإيجار الشهري للأرض يبلغ 200 يورو.
وكما هي الحال في عدد من دول البلقان ، يتسبب انتشار الكلاب الشاردة بمشاكل كبيرة ، نظراً إلى خطر مهاجمتها البشر وخصوصاً في فصل الشتاء عندما يندر الغذاء.
وبعد الحرب ، عرضت السلطات المحلية على الصيادين مكافأة مقابل كل كلب يُقتلونه في الشارع ، لكنها اضطرت إلى صرف النظر عن ذلك بفعل الاحتجاجات التي واجهتها من جهات محلية ودولية، من بينها النجمة الفرنسية بريجيت باردو. وبعد تعرض ثلاثة أطفال لهجمات كلاب عام 2017، رصدت حكومة كوسوفو 1,3 مليون يورو لبرنامج تعقيم عشرات الآلاف من الحيوانات. إلا أن نحو عشرة آلاف كلب شارد لا تزال من دون علاج.
ويقول مينتور “كان لمشروعنا تأثير كبير على الوضع لجهة وعي المجتمع وموقفه تجاه الكلاب الضالة، وقبل كل شيء أهمية التعقيم”. ويضيف “لم يكن الناس يعرفون على الإطلاق أن من الممكن تعقيمها”.
وصورت المخرجة والناشطة في مجال حقوق الحيوان هانا نوكا (31 عاماً) فيلماً وثائقياً عن كلاب كوسوفو الضالة “التي تعيش في ظروف مروعة”. وقالت “نظراً إلى أنها لا تستطيع سرد قصتها، سأفعل. التحدث عن هذا الموضوع المؤلم مهم لأنه يؤدي إلى الوعي، والوعي يؤدي إلى التغيير”.
ويعطي مأوى غراكانيتشا الأولوية للجراء والحيوانات المصابة بسبب السعة غير الكافية، لكنه تمكّن منذ تأسيسه من مساعدة أكثر من ألف كلب، واضطر إلى إعادة بعضها إلى الشوارع بعد تطعيمها وتعقيمها، لكن أفراداً يتبنون نحو 80 كلباً كل عام ، وخصوصاً في أوروبا الغربية.
بولينا، مثلاً، وهي جرو صغير التقط من الشارع ، من الكلاب المحظوظة، إذ كانت تنتظر أن تأتي عائلة فرنسية بعد الظهر لتصطحبها معها إلى حياة جديدة.