أشار تقرير جديد صادر عن البنك الدولي اليوم الخميس بعنوان "الثروة المتغيرة للأمم" إلى تحقيق معدلات نمو في إجمالي الثروة العالمية، غير أن هذا النمو جاء على حساب رخاء المستقبل، وبتفاقم أوجه عدم المساواة.
فالبلدان التي تستنفد مواردها لصالح مكاسب قصيرة الأجل تضع اقتصاداتها على مسار غير مستدام للتنمية.
وعلى الرغم من أن العادة قد جرت على استخدام مؤشرات مثل إجمالي الناتج المحلي لقياس النمو الاقتصادي، يشير هذا التقرير إلى أهمية التدبر في رأس المال الطبيعي والبشري والمُنتَج لفهم ما إذا كان النمو مستداما.
اقرأ أيضاً : منحة ألمانية للأردن بقيمة 483,7 مليون يورو
ويغطي هذا التقرير ثروة 146 بلدا في فترة السنوات 1995ــ2018، من خلال قياس القيمة الاقتصادية لرأس المال الطبيعي المتجدد (مثل الغابات والأراضي الزراعية وموارد المحيطات)، ورأس المال الطبيعي غير المتجدد (مثل المعادن والوقود الأحفوري)، ورأس المال البشري (قيمة الدخل على مدى حياة الشخص)، ورأس المال المُنتَج (مثل المباني والبنية التحتية)، وصافي الأصول الأجنبية. ويشير التقرير لأول مرة إلى حساب رأس المال الطبيعي الأزرق، على سبيل المثال أشجار المنغروف ومصائد الأسماك في المحيطات.
وفي هذا السياق تقول ماري بانغيستو، المديرة المنتدبة لشؤون سياسات التنمية والشراكات بالبنك الدولي "من الضروري أن نستوعب على نحو عميق وأكثر دقة مفهوم استدامة الثروة حتى يتسنى لنا تحقيق مستقبل أخضر وقادر على الصمود في مواجهة الصدمات وشامل للجميع. "ومن الضروري إيلاء أهمية لرأس المال الطبيعي المتجدد ورأس المال البشري على غرار ما نوليه للمصادر التقليدية للنمو الاقتصادي، حتى يتخذ واضعو السياسات خطوات لتحقيق الرخاء على المدى الطويل".
ووفقا لهذا التقرير، نمت الثروة العالمية نموا كبيرا في فترة السنوات 1995ــ2018، فضلا عن لحاق البلدان المتوسطة الدخل بركب البلدان المرتفعة الدخل. لكن ترافق مع هذا الرخاء المتنامي إدارة غير مستدامة لبعض الأصول الطبيعية.
وانخفض نصيب الفرد من ثروة الغابات في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل بنسبة 8% في فترة السنوات 1995ــ2018 بسبب إزالة الغابات. وفي الوقت نفسه تراجعت الثروة السمكية بنسبة 83% بسبب سوء الإدارة والصيد الجائر. وقد تؤدي الآثار المتوقعة لتغير المناخ إلى تفاقم هذه الأوضاع.
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي تسعير الأصول على نحو لا يعكس القيمة الحقيقية لها، على سبيل المثال، الوقود الأحفوري المسبب لانبعاثات الكربون، إلى التقييم بأعلى من القيمة الحقيقية والإفراط في الاستهلاك.
ويمكن وضع التنمية على مسار أكثر استدامة بالنظر إلى الثروة نظرة شاملة ووضع تدابير على مستوى السياسات تشمل تسعير الكربون لتحسين قيمة الأصول وتعزيزها، على سبيل المثال، الغابات وأشجار المنغروف ورأس المال البشري.
ويشير التقرير إلى أن التفاوت في الثروة العالمية آخذ في الازدياد. وفي فترة السنوات 1995ــ2018، لم تتغير حصة البلدان المنخفضة الدخل في الثروة العالمية كثيرا، حيث ظلت عند أقل من 1% على الرغم من أنها موطن لنحو 8% من سكان العالم.
وشهد أكثر من ثلث البلدان المنخفضة الدخل انخفاضا في نصيب الفرد من الثروة. ونلاحظ أن البلدان التي تتراجع قيمة ثرواتها تشهد تراجعا أيضا في أصولها الطبيعية المتجددة. وتظل الإدارة السليمة لرأس المال الطبيعي غاية في الأهمية بالنسبة للبلدان منخفضة الدخل، سيما وأن نسبته تبلغ 23% من ثروتها.
وعلى المستوى العالمي، فإن هذه الحصة من إجمالي ثروة رأس المال الطبيعي المتجدد (الغابات، والأراضي الزراعية، وموارد المحيطات) آخذة في التناقص، كما أن تغير المناخ يمثل تهديدا متزايدا لها. وفي الوقت نفسه، أصبح رأس المال الطبيعي المتجدد أكثر قيمة لأنه يتيح خدمات النظم الإيكولوجية بالغة الأهمية. على سبيل المثال، زادت قيمة أشجار المنغروف أكثر من 250% لتصل إلى أكثر من 547 مليار دولار في 2018. كما زادت قيمة المناطق المحمية لكل متر مربع بوتيرة سريعة.
اقرأ أيضاً : تباطوء الاقتصاد الألماني أبرز تحديات الحكومة الجديدة
وفي سياق متصل تقول كارين كمبر المديرة العالمية لقطاع الممارسات العالمية بالبنك الدولي المعني بالبيئة والموارد الطبيعية والاقتصاد الأزرق " يتيح تقرير الثروة المتغيرة للأمم بيانات وتحليلات لمساعدة البلدان على تصحيح الأسعار والسياسات لتحقيق التنمية المستدامة. "ونظرا لتجاهل الآثار الناجمة عن التلوث والاحترار العالمي بسبب تغير المناخ ، جرت العادة أن يتم تقييم أصول الوقود الأحفوري بأعلى من قيمتها، وفي الوقت نفسه جرت العادة أن يتم تقييم الأصول التي تساهم في التخفيف من آثار تغير المناخ مثل الغابات بأقل من قيمتها الحقيقية".
ويبين هذا التقرير أن رأس المال البشري، الذي يقاس بالدخل المتوقع للسكان مدى الحياة، هو أكبر مصدر للثروة في جميع أنحاء العالم، وقد بلغ 64% من إجمالي الثروة العالمية في عام 2018. وزادت البلدان المتوسطة الدخل استثماراتها في رأس المال البشري، وحققت زيادة كبيرة في حصتها من ثروة رأس المال البشري العالمية.
وعلى الرغم من أن الآثار طويلة الأجل لجائحة كورونا لم تظهر بعد، من المتوقع أن تشهد البلدان المنخفضة الدخل أشد الآثار قسوة، ومن المتوقع أن تفقد 14% من إجمالي رأس مالها البشري. ويعاني رأس المال البشري إجمالا من قيود بسبب الفجوات بين الجنسين في جميع المناطق وعلى مستوى مجموعات الدخل، وقد شهد تحسنا طفيفا منذ عام 1995. ولتلوث الهواء عواقب وخيمة على رأس المال البشري وتغير المناخ، حيث تسبب في أكثر من 6 ملايين حالة وفاة مبكرة.
وتراجعت ثروة رأس المال الطبيعي غير المتجددة (المعادن والوقود الأحفوري) منذ عام 2014، ويرجع ذلك أساسا إلى انخفاض أسعار السلع الأساسية. ويتناول التقرير الآثار المتوقعة للتحول إلى اقتصاد منخفض الكربون، وضرائب تعديل حدود الكربون على ثروة الوقود الأحفوري، ويقدم توصيات لإدارة المخاطر الاقتصادية التي تواجهها البلدان التي تعتمد على الموارد. ووُجد أن البلدان التي تعتمد اعتمادا كبيرا على ثروة الوقود الأحفوري لديها حصص أقل من الثروة في رأس المال البشري، على الرغم من مستويات دخلها المرتفعة، حيث لا يشكل رأس المال البشري لديها سوى 34% من ثروتها.
ويحدد هذا التقرير العديد من الأولويات لواضعي السياسات لتنويع محافظ الثروة الوطنية وإعادة توازنها كي تكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة الصدمات وأكثر استدامة. ويوصي باستثمارات نشطة في سلع النفع العام، على سبيل المثال، التعليم والصحة والطبيعة لمنع نفادها على نحو غير مستدام وإدارة المخاطر المستقبلية. وتشمل التوصيات أيضا تدابير على مستوى السياسات والتسعير تساعد على تحديد القيمة الاجتماعية للأصول وتوجيه الاستثمار الخاص نحو تحقيق نواتج أفضل للجميع. وقد يشمل ذلك، على سبيل المثال، اتخاذ إجراءات مثل إعادة توجيه مسار الدعم المقدم لمصائد الأسماك، واتخاذ إجراءات لتسعير الكربون وتعزيز أصول الطاقة المتجددة.
الاتجاهات الإقليمية
في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، زاد نصيب الفرد من الثروة على مدى العقدين الماضيين، ولكن بمعدل أقل من المناطق الأخرى. وشهد 11 بلدا في المنطقة ركودا أو حتى انخفاضا في نصيب الفرد من الثروة بين عامي 1995 و2018 حيث تجاوز النمو السكاني معدل النمو الصافي في قيمة الأصول. وزاد رأس المال البشري في المنطقة بوتيرة أسرع من أي أصول أخرى. غير أن هذا النمو لم يكن متكافئا، ولم تتجاوز حصة المرأة في إجمالي رأس المال البشري الثلث. وانخفضت ثروة رأس المال الطبيعي، كما أن العديد من بلدان المنطقة تعتمد اعتمادا كبيرا على عائدات الموارد الطبيعية غير المتجددة، لا سيما من الوقود الأحفوري.
وفي 2018، بلغ نصيب منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ أكبر حصة من الثروة في العالم، بزيادة بلغت 188% منذ عام 1995. ويمثل رأس المال البشري أكثر من نصف ثروة المنطقة، ولا يتجاوز نصيب المرأة فيه الثلث.
وتبلغ نسبة رأس المال الطبيعي 4% من ثروة المنطقة، مع تراجع رأس المال الطبيعي المتجدد، لا سيما مصائد الأسماك البحرية. ومن المتوقع أن تتأثر ثروة الأراضي الزراعية تأثرا شديدا بتغير المناخ في بلدان المنطقة.
وفي منطقة جنوب آسيا، نما مجموع الثروة منذ 1995، ولكن نظرا للنمو السكاني في الفترة الزمنية نفسها، لا يزال نصيب الفرد من الثروة من بين أدنى المعدلات في العالم. ويمثل رأس المال البشري أكثر من نصف ثروة المنطقة، ولكنه غير متوازن للغاية، إذ يبلغ نصيب الرجال فيه 80%، مع تغير طفيف في العقدين الماضيين. وإذا تحققت المساواة بين الجنسين في المنطقة ، من الممكن زيادة رأس المال البشري على الصعيد الوطني بنحو 42 نقطة مئوية.
ومنطقة جنوب آسيا هي الأكثر تضررا من الخسارة المقدرة في رأس المال البشري بسبب تلوث الهواء. ورأس المال الطبيعي المتجدد، لا سيما الأراضي الزراعية، غاية في الأهمية بالنسبة للمنطقة ، كما نمت قيمة رأس ماله الطبيعي الأزرق على مدى العقدين الماضيين.
وزادت الثروة في منطقة أوروبا وآسيا الوسطى، بما في ذلك أوروبا الغربية، لأغراض هذا التقرير، بنسبة 45% منذ عام 1995. ونما نصيب الفرد من الثروة بوتيرة بطيئة مقارنة بالعديد من المناطق الأخرى. ويمثل رأس المال البشري أكثر من نصف ثروة المنطقة، مع تحقيق معدلات ثابتة مقارنة بالأصول الأخرى. وأصبحت موارد الغابات غير الخشبية أهم أصول رأس المال الطبيعي المتجدد في المنطقة ، نظرا لقيمة خدمات النظم الإيكولوجية التي تقدمها، وفي الوقت نفسه انخفضت قيمة أصول مصائد الأسماك البحرية انخفاضا كبيرا.
وعلى الرغم من أن مجموع الثروة قد تضاعف تقريبا في منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي على مدى العقدين الماضيين، فإن هناك تفاوتات كبيرة في نصيب الفرد من الثروة. فقد زادت ثروات بعض البلدان بأكثر من الضعف منذ عام 1995، بينما انخفض إجمالي نصيب الفرد من الثروة في العديد من بلدان المنطقة. ومع الوقت، بدأت ثروة رأس المال الطبيعي غير المتجددة في التراجع، بسبب تقلبات الأسعار، ولكن الثروة المتجددة آخذة في الازدياد.
وزادت الثروة في المناطق المحمية بأكثر من الضعف، على الرغم من تراجع مساحة الأراضي الفعلية للغابات. وتعتبر مشاركة المرأة في قوة العمل أعلى من أي منطقة أخرى، غير أن منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي لم تصل بعد إلى تحقيق المساواة بين الجنسين في رأس مالها البشري.
وزادت الثروة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في العقدين الماضيين، ولكن بدرجة أقل من إجمالي الناتج المحلي للمنطقة خلال الفترة نفسها. ويشكل رأس المال البشري أقل نسبة من مجموع الثروة في هذه المنطقة، مقارنة بالمناطق الأخرى، مع وجود اختلال كبير في التوازن بين الجنسين. ويشكل رأس المال الطبيعي غير المتجدد جزءا كبيرا من ثروة المنطقة، لكنه خلق مشكلات للبلدان التي تعتمد على الموارد وتواجه تقلبات الأسعار.
وتواجه بلدان المنطقة التي تعتمد على عائدات الوقود الأحفوري تحديات إنمائية فريدة في مواجهة الجهود العالمية الرامية إلى التحول إلى التنمية منخفضة الكربون. وعلى الرغم من أن الأراضي الزراعية لا تزال الأصل الطبيعي المتجدد الرئيسي في المنطقة، فقد تراجع نصيب الفرد من ثروة الأراضي الزراعية على مدى العقدين الماضيين. ويتعين أن تحافظ المنطقة على أصولها الطبيعية المتجددة واستعادتها إلى ما كانت عليه دعما لزيادة تنويع مصادر الثروة.