متدينون أو لا، يكون الشبان العراقيون في طليعة المحتفين بالمناسبات الدينية التي يحفل بها شهر محرم، واستغلوا هذه السنة المواكب والتقاليد والقصائد التي يرددونها كما فعل أجدادهم منذ زمن، ليعبّروا عن وجعهم وغضبهم من الطبقة السياسية.
اقرأ أيضاً : الكاظمي: تعرضت لـ3 محاولات اغتيال ولست قلقا أو خائفا
في مدينة كربلاء في جنوب العراق، حيث مرقد الإمام الحسين، ورمز واقعة الطفّ التي قتل فيها الحسين في المدينة نفسها قبل مئات السنين، الشعائر العاشورائية أمر تاريخي. الهيمنة الشبابية واضحة في بلد يشكّل من هم دون 25 عاماً نسبة 60% من سكانه، في إحياء المواكب العاشورائية وفي الأنشطة الخدمية مثل حملات تقديم الطعام وإقامة مجالس العزاء.
واختار أمير محمد البالغ من العمر 26 عاماً أن ينضمّ الى "الطرفة العباسية"، أحد المواكب الأكثر قدماً في كربلاء والمعروف بردّاته المميزة التي تحمل دائماً طابعاً سياسياً. وأمير "رادود" في الموكب، أي يؤدي قصائد ندب للإمام الحسين وصحبه وعائلته.
ويقول "في الطرفة العباسية خصوصاً تكتب الردات الثورية التي تتكلم عن معاناة الشعب العراقي. نتمنى إيصال هذه المعاناة من الفساد والحروب وعمليات الخطف، الى العالم، عبر الردّات الحسينية الثورية".
ومن هذه الردّات "يا شعبي لا تثق بالسياسي، كلّ همّه ومطلبه كرسي الرئاسة".
وتهيمن على المشهد السياسي في العراق أحزاب ومجموعات مسلحة متهمة بالفساد وسوء الإدارة.
وفي نهاية 2019، نزل العراقيون بكثافة الى الشوارع منادين برحيل الطبقة السياسية، لكنهم تعرضوا للقمع، واتهم البعض بها مجموعات شيعية مسلحة نافذة وموالية لإيران. كما تعرض ناشطون ومشاركون في تلك الانتفاضة الشعبية خلال السنتين الماضيتين لعمليات خطف أو اغتيالات.
ويحلم أمير الذي ارتدى ملابس سوداء كما كل المشاركين في مواكب عاشوراء، بأن يصبح يوماً مثل باسم الكربلائي، وهو من أكثر المؤدين شهرةً في العراق والعالم العربي. وكان أوّل من أدخل تجديداً في أداء الندبيات والقصائد الخاصة بعاشوراء، فجدّد في المقامات والتوزيع الموسيقي.
وتنظم المواكب العاشورائية عادة داخل كربلاء قرب مرقد الإمام الحسين خلال الأيام العشرة الأولى من محرم. ويشارك فيها الملايين.
من المقرّ المتواضع للطرفة التي تأسست في العام 1888، والذي تزيّن برايات العزاء، يقول الرادود كاظم الوزني، إن "الحسين سياسي جاء لإحداث تغيير في النظام الذي كان مسيطراً آنذاك"، معتبرا أن هذه الفكرة تترجم على واقع اليوم، "فالحسين جاء للتغيير، ونحن نحاول بثّ روح التغيير عن طريق شعاراتنا السياسية".
ويستذكر الرجل البالغ من العمر 63 عاماً أيام نظام حزب البعث السابق برئاسة صدام حسين، حينما كانت الشعائر ممنوعة علناً. ويقول "كنا نذهب للمشاركة في مجالس العزاء، لكن في الأروقة الضيقة والمظلمة لكي لا يرانا رجال الأمن ونتعرض للاعتقال. كثر تعرضوا للتعذيب والاعتقال حينها".
ويضيف أن الحاجة إلى تلك "الردّات السياسية لا تزال قائمة".
اقرأ أيضاً : حريق يلتهم قاعدة الإمام علي الجوية في ذي قار بالعراق
ومنذ أن سقط نظام صدام حسين في العام 2003، بات الشيعة يتحكمون بمفاصل السلطة في البلاد. وأصبح أداء الشعائر ممكناً.
ويقول الوزني "نلنا الحرية. نعم توجد حريةً اليوم، لكن من يديرون النظام السياسي يضيعون وقتهم بالسرقة وهم غير مكترثين بمعاناة الشعب".
في سوق الشيوخ في ذي قار جنوب كربلاء، دخلت الإيقاعات الحماسية الجديدة في صلب الشعارات التي تؤديها المواكب.
ويكرّس كرّار عبد الأمير البالغ 31 عاماً والذي يعمل خادماً في العتبة العباسية إلى جانب عمله كصائغ مجوهرات، من جهته وقته كاملاً خلال شهر محرم للاهتمام بموكب كله من الشباب يسمّى "عشاق علي الأكبر"، في إشارة الى علي ابن الحسين الذي قتل معه يوم واقعة الطف. وينظم مسيرات ويوزّع طعام مجانيا على المشاركين. إلا أن الأطعمة التي يعدها مع فريقه لا علاقة لها بالأطباق التقليدية الخاصة بالمناسبة، وأبرزها الأرز واللحم.
ويروي كرار لفرانس برس بينما كان يحضّر لموكب عزاء وحوله عدد من الشباب الذين يعملون معه، "نقدّم ألفي قطعة بيتزا و500 قطعة همبرغر".
ويضيف "غالبية الشباب متعبون، مصابون بالإحباط، فهم يدرسون في الجامعات لسنوات ثمّ يبقون من دون عمل".
ويتابع "ربما لا يكون الدين أولوية لهم... لكن الروحية في عاشوراء تختلف".
وتبلغ نسبة العاطلين من العمل في العراق اثنين من كل خمسة شباب.
ويصف علي، الطالب في هندسة الاتصالات والبالغ من العمر 24 عاماً نفسه بأنه "غير متدين كثيراً".
ويقول الشاب الذي شارك في تظاهرات تشرين الأول 2019 التي خرجت ضد الفساد والنظام وسوء الإدارة، ويطمح بالسفر إلى الولايات المتحدة والعمل في شركة "آبل"، لوكالة فرانس برس "الخدمة خلال شهر محرم أمر مهم جداً بالنسبة لي، تكريماً للإمام حسين وما يمثّله من قيم".
ويشدّد بينما يعمل الى جانب كرّار على أن هذه الخدمة "باتت حاجة ملحة اليوم" وسط الظروف السياسية التي يمر بها العراق، مشيرا الى هناك اليوم "طريقة جديدة في التعبير عن الدين"، تتمثّل بـ"الانفتاح وعدم إرغام أحد على التدين".
ورغم أن بعض الموروثات لا تزال راسخة، تتغيّر ممارسة العادات والتقاليد من جيل إلى آخر. ودخل عليها الإنترنت الذي أصبح منبراً أيضاً للكثير من الشباب للتعبير عن حزنهم في هذه المناسبة، وكذلك عن إحباطهم.
ويرى الشيخ صالح محمد مهدي البالغ من العمر 40 عاماً والذي يكرّس غالبية وقته في العمل مع الشباب أن "الثوابت موجودة... لكن التعاطي يجب أن يختلف لأننا الآن في زمن مختلف تتخلله أجهزة إلكترونية متطورة. ولا بدّ للدين أن يتعاطى مع هذا التقدم والتطور وينظر إلى الشباب بنظرة أخرى".