تباينت ردود الفعل تجاه الحالة (Status) على تطبيق (الواتس أب) وغيرها من تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي نظرا لما تعكسه من مشاعر وانفعالات لدى المتلقي بين مؤيد لجهة إبلاغ عن حدث ما، أو معارض لإفشاء سر أو انتهاك خصوصية.
اقرأ أيضاً : "الاقتصاد الرقمي": اعتماد شهادات المطاعيم فقط من خلال تطبيق سند الحكومي
وتتيح وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف مسمياتها مساحة معينة لنشر ومشاركة النصوص والصور ومقاطع الفيديو والصور المتحركة (GIF) تختفي بعد 24 ساعة من نشرها ولفترة وجيزة بحدود 30 ثانية، ناهيك عن إمكانية التحكم بها توجيها وعرضا لأشخاص دون غيرهم.
الناشطة الاجتماعية ماجدة أسعد ترى أن نشر الحالات الاجتماعية والنفسية على تطبيقات وسائل التواصل، تعبير آني عن مكنونات النفس من فرح أو حزن، وما يمر به الإنسان من ظروف يوجهها المرسل بصورة غير مباشرة لعجزه عن المواجهة، أو ضعف لا يتعدى حدود التلميح إذا كان يتحدث عن ذاته.
لكن المعلم محمد الزبيدي يقول إن هذه المساحة الصغيرة إيجابية تتيح توجيه رسائل النصح والإرشاد والتوعية بطريقة غير مباشرة إلى الأصدقاء والأحباب لتغيير بعض السلوكيات، لأن المواجهة أحيانا تلقى ردود فعل سيئة لأن الإنسان يرفض تقبل النصيحة المباشرة.
ويصف الزبيدي تلك المساحة "الحالة أو القصة" بمتنفس يعبر عما يختلج صدره من مشاعر وما يجول في خاطره وتروق له الكلمات، أو حيز يستعيد بعضا من الذكريات والحنين، أو الحوار مع نفسه والآخرين متجاوزا حدود المكان والزمان.
ويستخدم خالد السلامة صاحب سوبرماركت وخضروات هذه الميزة لبث روح الفكاهة لأصدقائه ومتابعيه بنشر المقاطع المضحكة، دون نشر الخصوصيات والأسرار أو الحالة النفسية، ولاسيما الحزينة التي لا تعود سوى بأثر سيء، كما يستغلها لعرض بعض المنتجات والخضروات الطازجة المتوفرة في محله. استاذة علم الاجتماع الاكلينيكي بالجامعة الأردنية الدكتورة رولا عودة السوالقة تقول إن هناك أكثر من مليار شخص حول العالم يستخدمون كل يوم القصص والحالات في وسائل التواصل الاجتماعي، وغالبيتهم من فئة الشباب، حيث استحدثت هذه الوظائف للتنسيق والتسويق الإعلامي لغايات تجارية مهنية بهدف التأثير على سلوك الأفراد في الشراء وزيادة زياراتهم للمواقع الإعلانية، والحفاظ على تفاعل الأفراد بطرق أقل مباشرة واتصال دائم.
وأضافت السوالقة أن وظيفة القصص والحالات لا تختلف كثيرا عما تؤديه وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام من حيث التفاعل مع الأخذ بعين الاعتبار قصر المساحة والوقت، مشيرة إلى أن التفاعل بين الأفراد في المجتمع رمزي من خلال اللغة وايماءات الجسد، وما ينطبق على التفاعل الاجتماعي الحقيقي، ينطبق على الافتراضي والثقافة الرقمية.
وبينت أن المتخصصين في علم الاجتماع والنفس منذ ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، مستمرون بفهم أبعادها وتأثيراتها الايجابية والسلبية على الفرد والمجتمع سواء على الصحة النفسية والعقلية والجسدية أو تأثيراتها السلوكية، نظرا لسوء فهم بعض الأفراد لغاياتها الأساسية التي وجدت من أجلها أو عدم التكيف والقدرة على التعامل مع رموزها ومعانيها المحددة أصلا.
اقرأ أيضاً : ميزة جديدة في واتساب
ووفقا للسوالقة، يمكن اعتبار القصص والحالات انعكاسا لذات الفرد وشخصيته وجوانبها المتعددة أو ما يرغب في ابرازه منها للآخرين، إما سعيا لإبراز مكانته الاجتماعية والاقتصادية أو التعبير عن انجاز وفرح أو ما يعتريه من مشاعر أو للفت النظر، ومحاولة إثبات الذات والوجود لإيصال فكرة أو رأي أو رد فعل لشخص أو أشخاص معينين، واحيانا قد يكون القصد منها الإساءة أو يظهر جوانب في شخصيته لا وجود لها أصلا أو يتمنى وجودها.
وحول أسباب التغيير المستمر للقصص والحالات والدوام على متابعتها، تؤكد السوالقة أن الفراغ يلعب دورا مهما في ذلك، ولا يمكن وصف المتابعين لتلك الحالات والقصص بــــ"المتطفلين" لأنها متاحة للعامة، وهي مسألة يقررها الفرد إذا كان ما ينشره يقع ضمن مساحته الشخصية وخصوصيته أم لا، وكل ما يدخل حيز الثقافة السيبرانية أو ما يسمى المجتمعات على الخط، فهو معلوم لدى الأفراد بأنه أصبح خارج حدود ما هو خاص ومتاح لردود الفعل كافة على اختلاف حدتها في النقد والثناء.
ولفتت إلى أن من أسباب ميل الأفراد في الثقافة العربية إلى سرد قصص وحالات يغلب عليها الحزن، هو انعكاس للواقع المعاش في بعض المجتمعات العربية نتيجة الأوضاع السياسية والاقتصادية المتردية.
بدورها، قالت مديرة مركز الملكة رانيا العبدالله للدراسات التربوية والنفسية الدكتورة وجدان الكركي إن الإنسان يمر بحالات نفسية مختلفة تعكس مشاعر وانفعالات متباينة لديه، كالحزن والغضب والحب والفرح، وعادة يرغب في مشاركتها مع الآخرين، مشيرة إلى أن الناس سابقا كانوا يتبادلون هذه المشاعر الاجتماعية الإيجابية في الأفراح والأتراح، ما يعزز الحالة الانفعالية لدى الإنسان؛ الكائن الاجتماعي الذي يؤثر ويتأثر بالآخرين.
وبحسب الكركي، ظهر نوع جديد من التفاعل الاجتماعي في ظل التقدم التكنولوجي، وهو التفاعل الرقمي الذي أصبح فيه التعبير عن الانفعالات والمشاعر باستخدام الصور والرموز وإظهار الحالة أو القصة على تطبيقات التواصل الاجتماعي وسيلة للتعبير عن المشاعر والانفعالات والحالة النفسية رغبة في تفاعل الآخرين ومساندتهم إلكترونيا بما يلائم روح العصر الرقمي في حال استخدامها منطقيا وباعتدال.
وأشارت إلى أن القصة والحالة تكشفان عن بعض الاضطرابات النفسية بحسب خبراء علم النفس من خلال الرموز التي يجري اختيارها في الحالة أو الألوان والأشكال، كوسيلة إسقاط تكشف عن جوانب لا واعية في الشخصية، وتعكس مكبوتات نفسية لا يعيها الفرد رغم أثرها السلبي في شخصيته.
ولكن من جهة أخرى، يمكن أن تكشف حالات الأشخاص عن قيمهم واتجاهاتهم العامة، الأمر الذي يوفر معلومات مهمة يمكن أن تستفيد منها جهات علمية لاستقراء الرأي العام وتوجهات الشعوب ما يسهم في التخطيط للمستقبل في حال جرت الاستعانة بمتخصصين في علم النفس.
وبينت أن الإنسان كائن ثقافي واجتماعي يعبر في نشر الحالة عن رأيه واتجاهاته إزاء قضايا مجتمعية مهمة ليكون نموذجا وقدوة للآخرين، ولكن المبالغة في الحديث عن الخصوصيات يعكس تدني الثقة بالنفس وربما الشعور بالنقص والدونية ومحاولة للتعويض وإظهار الذات بصورة أقل مما هي عليه ما يستدعي الحاجة للإرشاد والعلاج النفسي.
اقرأ أيضاً : تعرف إلى كيفية تفعيل خاصية "الصور والفيديو لمرة واحدة" في واتساب
بدوره، يقول عميد كلية الشريعة في جامعة اليرموك الدكتور أسامة الفقير إن وسائل التواصل الاجتماعي أتاحت الفرصة للإنسان أن يكتب وينشر حالته الشخصية للتعبير عن نفسه وما يشعر به من فرح أو حزن، مردفا، لكن إذا كان المقصود من الحالة ايذاء الآخرين أو المفاخرة فلا يجوز ذلك.
ويرى الفقير أن لا مشكلة في استخدام بعض الألفاظ والرسائل غير المباشرة ليفهمها البعض، مشددا على ألا تكون مما يثير النزاعات والنعرات المتعلقة بالقبلية والطائفية والفئوية والإقليمية، الأمر الذي لا يجوز شرعا.
وأضاف الفقير أن تلك المساحة الصغيرة والقصيرة زمنيا المتاحة، قد تكون بابا من أبواب الحسد والعين، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "العين حق فإنها تجلس الفرس القدر والفارس القبر"، داعيا إلى عدم نشر الأشياء الخاصة والشخصية.
وأشار إلى أن هناك حالات لا بأس من النشر في إطارها لأن فيها منفعة للناس للتوعوية والتربية والصحة والأدعية.