مفرداتُ الفرحِ تتزاحمُ وتجتمع فرحتينِ في آنٍ واحد، لتطرق أبواب المقدسيين وتملأ قلوبهم بالمسرّات، فأجواءُ العيدِ في أروقةِ القدس "عيدٌ آخر" بنكهةٍ مميزة تتزامنُ مع أصواتِ التكبير على أعتابِ "باب الرحمة".
فالمشهدُ في ساحةِ "باب الرحمة" بعد صلاةِ العيد يبدو لافتًا ومُبهِجًا بأعدادِ المقدسيين الذين ينقلون بهجة العيد إلى هذا الباب وإحياء شعائر الفرحِ فيه، رغم محاولاتِ الاحتلال بنزع قدسيته من المسلمين.
"باب الرحمة" أو الباب الذهبي، هو الوحيد الذي يُعتبر بوابة للمسجد الأقصى والبلدة القديمة في مدينة القدس، لكنَّ مطامع المتطرفين اليهود تتزايدُ في السيطرةِ على بابِ الرحمة ومنع المقدسيين من الوصول إليه.
عيدٌ بنكهة مقدسية
وبانتظار الفرحة بعد عطش، يُحاولُ المقدسيين في أول أيامِ عيد الأضحى أن تعجّ ساحةِ "باب الرحمة" بألوانِ الفرحِ التي يتزين بها الأطفال والكبار، وأن يجعلوه متنفسًا وفرصة لتبادل المعايداتِ والحلوى.
يسردُ الحاج أحمد محمد لـ "وكالة سند للأنباء"، معاني الفرحِ في أيام العيد المباركة: "ما يُميِّزُ أهل القدس في الأعياد والشيء المفضل لديهم هو وجودهم في ساحات الأقصى، فمن هناك يُشرق العيد ولا نتخيل غير ذلك".
واعتاد المقدسيون على مدار أيام العيد، الانتشار في حواري وأزقة البلدة القديمة، وتوزيع الحلويات، وإعلاء أصوات التكبير والتهليل وسط بهجة تعمّ الأرجاء، خاصة عند الأطفال والنساء.
أما "باب الرحمة" يُكمل "الحاج أحمد" حديثه: "هو من أبواب الأقصى الجميلة، ونحرص أن تبدأ فرحتنا منه، كما نعتبر العيد، فرصة لتجديد عهد الثبات والتمسك به وبكل مقدساتنا في القدس".
وتعود ذكراته إلى ليالي العيد قديمًا قائلًا: "كنا نسهر مع بعضنا سهرات متأخرة ونتجمع بمكان معيّن، وكل شخص منَا يُحضر أكلته معه، ونتشارك جميعًا بسفرة واحدة تحت ظلال خيمة، كما كنّا نُوزع من هذه الأكلات على العوائل المستورة بالمكان".
أما الأضاحي، فيُشير إلى أنهم اعتادوا تربية "الأضحية" في بيوتهم والاعتناء بها قبل أشهر من قدوم عيد الأضحى، على أن تُذبح فجر أول أيام العيد على عتبات البيوت.
وتفرّد العم "محمد" لسنواتٍ طويلة بذبح الأضاحي لجيران الحيّ، عَلت ضحكة وادعة في نبرة صوته: "أتنقل بين البيوت من أضحية لأخرى بمشاعر صادقة لا يُمكن وصفها".
طقوس باب الرحمة
المقدسية منـوى أحمد لـ "وكالة سند للأنباء"، تقول عن العيد في ساحات الأقصى "العيد هناك له قُدسية كبيرة؛ فكل ركعة فيه "عيد" وكل نظرة لمسرى رسول الله هي جائزة وهبة من الله".
وتُتابع، إن "أجواء عيد الأضحى في باب الرحمة عظيمة، تكاد أحجاره وأشجاره وهوائه ينطقون مكبرين؛ ليُعبِّرون عن فرحة المحبين العابدين".
وتصف أجواء العيد قائلةً، "يتزينُ الكبار والصغار بأبهى الملابس والروائح العطرة، يتسابقون ويحملون ألذ أنواع الحلويات والفطائر، ويتزاحمون من سيقدم فطائره أولًا".
وأشارت "منـوى" إلى "كعك السمسم" من البلدة القديمة، وهو من تراث القدس ويتميز به المقدسيين في المناسبات السعيدة، إضافةً إلى توزيع الفطائر باليانسون والكعك والمعمول والبقلاوة بأنواعها".
ولا تخلو مشاهد الفرح من انتشار شرطة الاحتلال في ساحة "الأقصى"، وتنغيص الفرحة عليهم بمنع الشبان وكبار السن من الوصول إلى باب الرحمة، وإغلاق الطرق المؤدية إلى "الأقصى"، لكنّ ذلك لا يمنع المقدسيين من استشعار الفرح بكامل تفاصيله، وفق المقدسية منوى أحمد.
للفرحةِ ألوان
بصوتٍ دافئ يحمل بنبرتهِ لهجة أهل القدس، تقول الشابة المقدسية ميس عباسي، إن العيد عند المقدسيين يبدأ بالصلاةِ في ساحةِ "الأقصى"، ومن ثم يتّجه كل منّا إلى بيته للمباشرة في ذبح الأضحية، وتقسيمها، وتوزيعها.
وتُضيف لـ "وكالة سند للأنباء" نتجمع أنا وعائلتي بعد الانتهاء من وجبة الإفطار، ويستأنف "رجال العائلة" جولتهم بزيارة الأقارب، في حين تستعد "الوالدة" لتحضير طعام الغداء وهي " الفتة الفلسطينية" في أول يوم العيد.
ولـ "باب الرحمة" طقوس بهجة تختلف عن باقي الأبواب كما تُحدثنا "ميس"، فهناك يجتهد الشبّان والأهالي بتزين الباب بألوان الفرح والبلالين، إضافة إلى وجود المهرِّجين مع الأطفال على مدار أيام العيد.
ويُجهز المقدسيون في أيام العيد، طاولة كبيرة في ساحة باب الرحمة، يُوضع عليها الحلويات بأصنافها والمكسرات والعصائر التي يعدها الأهالي والألعاب، لتوزيعها على الضيوف والمارين من هناك.
وعن سبب اهتمام المقدسيين بـ "باب الرحمة" تُعلل "ميس" لـ "حمايته من مخططات الاحتلال الاستيطانية، وتشجيع الناس للصلاة فيه والتواجد على مدار الساعة هناك، ونزع شعور الخوف من الاعتقال والإبعاد".
ونوّهت أن الاحتلال يستفرد "بباب الرحمة" لقلّة المرابطين فيه، ويطمع به لأسبابٍ غير مفهومة، فقد أُغلِق "الرحمة" لفترةٍ طويلةٍ منذ عام 2003 حتى عام 2019.
ومنذ إعادة فتح المصلى، تلاحق الشرطة الإسرائيلية المصلين وحراس المسجد الأقصى فيه، حيث أصدرت الشرطة الإسرائيلية عشرات الأوامر لإبعاد المصلين عنه.