"جيرة عليكم، حظر الجمعة الجاي عنا"، و"تعالوا ننحجر سوا بنتسلى"، دعوات يصر عليها بعضهم على سبيل "تغيير الجو"، لدحر ملل تداعيات كورونا، أو هكذا تبدو في الشكل، لكنها في المضمون، تنسف الهدف الاساس، الذي اقر من أجله الحظر الشامل في أيام الجمع، إلا وهو منع الاختلاط، والتباعد الجسدي، وتفادي أي تجمعات قد تتسبب بمزيد من الاصابات بفيروس كورونا المستجد، في موازاة استمرار التصاعد النسبي لها في المملكة.
ولا يجد خبراء في علمي النفس والاجتماع تعليلا للتحايل غير المباشر على حظر يوم الجمعة، من خلال التجمعات، وتجاوز القانون، والتعدي على صحة الافراد من قبل البعض، الا في سياق انعدام المسؤولية والاستهتار واللامبالاة، وعدم الإدراك الفعلي لخطورة الفيروس الذي حصد في الأردن، حتى اللحظة 6858 وفاة، و611,577 إصابة، فيما سجل رقم اقترب من حاجز 3 ملايين وفاة، و128 مليون إصابة عالميا.
ويشدد الخبراء، ومعهم أطباء، على اهمية الالتزام بعدم مبارحة المنازل في أوقات الحظرين الشامل والجزئي ايضا، وعلى عدم تحويل أيام الجمع، كمناسبة للقاء أكبر عدد ممكن من الأشخاص، في تحد سافر للقانون، ونسف لكل الجهود الحكومية المبذولة، بغية الحد من انتشار المرض، حماية للوطن والمواطن.
ناشطون يتساءلون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عن جدوى الحظر الشامل خلال ايام الجمع، "طالما انها اضحت أياما للتجمع، والمخالطة وعدم التباعد"، كما يقولون، الأمر الذي يزيد من "طينة عدد الإصابات بلة"، على حد وصف أحدهم.
اقرأ أيضاً : عشرات الوفيات وآلاف الإصابات الجديدة بكورونا في الأردن الأربعاء.. تفاصيل
وكما الكثير من المواطنين، تستغرب زينة الفاعوري، 38 سنة، ربة منزل، ما تسميه "هجرة آخر الاسبوع من محافظة لأخرى"، حيث يتقاطر الناس متوجهين لأسرهم في مختلف المحافظات، وكأن الحظر الشامل وجد لقضاء العطلة مع أكبر عدد ممكن من الأقرباء، متسائلة: هل من المعقول ان يكيد المرء نفسه، أو يتقصد جلب الأذية له، ولمحيطه؟ وتكشف عن أن الاختلاط في ايام حظر الجمع لا يقتصر على العائلة الواحدة، بل يتعداه لاختلاط الجيران مع بعضهم بعضا، ممن يقطنون ذات الحي او البناية او القرية، معربة عن أسفها لاستهتارهم، وعدم احساسهم بالمسؤولية الاجتماعية والصحية.
وفيما أن عماد المسؤولية الوطنية، كما ترى الفاعوري، هو درء الخطر، والاسهام قدر الامكان في تعزيز كل الإجراءات الاحترازية، بموازاة جهود الدولة وكل أجهزتها المعنية في هذا السياق، داعية إلى "احترام الانسانية والقوانين على حد سواء، وعدم الانجرار لعاطفة اللقاء الذي لا يحمد عقباه".
ولا ينحصر "لقاء الجمعة المحظور"، بما تقدم، بل يتعداه لان يقفز البعض من على السور الفاصل بينهم وبين الجيران، لقضاء يوم "هش ونش" عندهم، او لتبادل اطباق الطعام والاكل على الطاولة ذاتها، دون اي كمامات بطبيعة الحال، او اي تباعد او احتراز، او تدارك لوجود مرض "من اساسه"، وفقا للخمسيني ابو نايف، الذي يشتكي من تصرفات لجيران، يلحظ سلوكهم سالف الذكر، ليس لانه يراقب الناس كما يقول، بل لانه يقطن في الطابق الخامس، ويرى من على شرفته، هذه التحركات التي يصفها ب"المريبة وغير المسؤولة".
وتجاهر الاربعينية فدوى، بمللها من وحدة وضجر ايام كورونا، حيث لا لقاءات ولا زيارات ولا تسوق، على حد شكواها، كاشفة عن أنها ليست ضد لقاء الأسر ايام الجمع بالمطلق، شريطة ألا يتعدى هذا اللقاء العدد المسموح به، وان يلتزم الجميع بالتباعد والتعقيم والكمامات.
يعتقد البعض ان تعمد الاقتراب من الخطر هو نوع من انواع إثبات الذات"، هكذا يفسر استشاري الطب النفسي الدكتور زهير الدباغ ضمن حديثه لوكالة الانباء الاردنية(بترا) قيام البعض بكسر قواعد حظر ايام الجمع، والاصرار على الالتقاء مع العائلة الكبيرة أو الممتدة أو مع ثلة من الاصدقاء والاقرباء، موضحا، أن إثبات الذات يأتي عادة في سياق إيجابي، وضمن سلوكيات تعود بالفائدة على المجتمع.
ويوضح أن إثبات الذات لا يتأتى من خلال إيذاء النفس والمجتمع، والمشاركة في نقل العدوى، كما أن محاولة تجاوز معاناة النقص في قوة الشخصية، لا يعني تحدي القانون، وإنما من خلال الارتقاء لمستوى المسؤولية، والبعد عن كل ما شأنه المس بالأمن المجتمعي الصحي، وأن يحول كل منا ذاته لأنموذج مثالي في الالتزام بكل الإجراءات الوقائية، مسببا "عدوى ايجابية" بالمعنى الايجابي الفعلي، بوازع اخلاقي يعمم الخير، ويرفض الشر.
ويتساءل الدكتور الدباغ: من يرغب منا في ان يصاب أو يصيب الآخرين بالمرض؟ والجواب المنطقي: حتما لا احد يرغب بذلك، اذن، على الجميع مواصلة الالتزام الفعلي بالحظر الشامل، وعدم تحويله ليوم ترفيه مشوب بريبة الاصابة، والقلق وايذاء النفس والمجتمع، على ان نستغل ايام الجمع، كما يقول، كيوم نوعي تشاركي تفاعلي منتج، ضمن الاسرة الواحدة، على أمل اللقاء بمن نحب من اقرباء واصدقاء، بعد انقشاع الغمة، وزوال الشدة بإذن الله تعالى.
ويشاطر اختصاصي الأمراض الصدرية الدكتور محمود الشبول، ما ذهب اليه الدكتور الدباغ، لجهة اهمية الالتزام بالحظر الشامل، مستدركا: "غير ان ما نراه يغاير تلك الدعوات"، حيث جنوح بعض الناس نحو قضاء ايام الجمع خارج المنزل، وكأننا نعيش أياما اعتيادية، وكأن مرضا لم يكن!ويشدد في هذا السياق، في ظل تحويل البعض، وللأسف، كما يقول، ايام الجمع لملتقيات عائلية على ضرورة التباعد الجسدي، قدر الامكان، والالتزام الفعلي بارتداء الكمامة وعدم المصافحة او التقبيل مطلقا، محذرا من خطورة عدم الاكتراث، والاستهتار، لا سيما في ظل تفاقم انتشار فيروس كورونا المتحور، وازدياد أعداد الاصابات.
ولفت الدكتور الشبول إلى أن البعض لا يقوم بإجراء فحص اختبار الإصابة بفيروس كورونا من عدمه، "بي سي آر"، حتى لو علم بإصابة أحد أفراد أسرته، معللا ذلك، بعدم إدراكهم لخطورة المرض، أو خطورة أن يكونوا من حامليه وناقليه، ما يفاقم الوضع الوبائي، جراء ذلك الاستهتار.
اقرأ أيضاً : المفلح: جاهزون لتنفيذ قرارات الحكومة الجديدة المتعلقة بقطاع الحماية الاجتماعية
من جهته يقول أستاذ علم الاجتماع والفكر التنموي الدكتور سالم ساري: إن الذي تعود على استضافة الأقارب في أيام الجمع، يرى في تراجعه عن تلك العادة لأي سبب كان، سلوكا لا يليق به، كما أن الوباء الطارئ والمستجد، لن يقابل من قبل البعض الا بكراهية وعناد، وبالاستمرار على ما هم عليه، حيث الإنكار لفكرة التباعد.
ويضيف: التقارب الاجتماعي هو القيمة الثقافية الاجتماعية الكبرى والمكتسبة، التي ناضلت المجتمعات بغية نيلها، بعد عقود طويلة من العداء والقطيعة والعزلة والكراهية، ولكن المجتمعات المتقدمة يحكمها العقل والمنطق، وليس العواطف والعادات والانفعالات، ولذلك هم أكثر استجابة لمتطلبات القواعد والقوانين.
ويلفت الدكتور ساري إلى أن مجتمعنا الاردني العريق بثقافته في التكافل والتضحية والايثار، قد استجاب لإجراءات كورونا، بصورة إيجابية مذهلة، بالاعتماد على مخزونه القيمي الوفير، عازيا عدم التزام البعض بتلك الإجراءات، لقلة الوعي الصحي، ولحجم الاشاعات التي تضخ بكثافة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وللتضارب في الاخبار المغلوطة والآراء والاتجاهات، لاسيما في ظل محدودية المعلومات العلمية الحاسمة بشأن كل ما يتعلق بكورونا، وخاصة المتحور منه.
ويذهب الاستاذ في كلية الشريعة بالجامعة الاردنية الدكتور محمد الخطيب إلى أن ما يجري في بعض المناطق والمحافظات من قبل البعض، لجهة إقامة للسهرات والجلسات العائلية التي يحضرها العشرات، هو استهتار بقيمة الصحة قد يسبب في انتقال سريع للعدوى،لذلك فالمواطن مطالب، ومن منطلق ديني واخلاقي ووطني، بأن يقي نفسه من هذا البلاء عن طريق الامتناع عن هذه التجمعات خاصة في ظل الخرق غير المباشر، لحظر يوم الجمعة الشامل.
ويدعو في سياق متصل، للتخفيف عن الناس، والغاء فكرة الحظر الشامل لاحقا، حيث لا يطبقه الجميع كما يجب له ان يكون على ان يلتزموا بكل الاجراءات الوقائية.
يشار إلى أن الحكومة كانت قد اصدرت اخيرا قرارا "يقضي بتمديد العمل بحظر الجمعة الشامل، والحظر الليلي الجزئي حتى 15 أيار المقبل.