أكدت دائرة الإفتاء العام في بيان اليوم الخميس، أن الحالة الوبائية من الأعذار الشرعية، التي يترخص بها من صلاة الجمعة والجماعة، وذلك حفاظا على حياة الناس، وهو مقصد شرعي عظيم والواجب علينا الإلتزام بذلك، لاسيما أن الجهات الطبية توصي بعدم التجمعات، ومنها التجمع في صلاة الجمعة.
وتاليا نص البيان: بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطّاهرين، أمّا بعد:فتؤكد دائرة الإفتاء العام على ما أوردته سابقاً في بياناتها وفتاواها من أن الحفاظ على النفس الإنسانية وصيانتها عن كل ما يضرها ويؤدي إلى إتلافها من أهمّ مقاصد الشريعة الإسلامية، لأجل ذلك نهى الله تعالى عن كلّ ما يؤدي إلى إتلاف هذه النفس، ودعا للمحافظة عليها بكافة السبل والوسائل المشروعة، فقال سبحانه وتعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة: 195، وقال كذلك: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) النساء: 29.
اقرأ أيضاً : وزارة الأوقاف: الخروج لأداء الصلوات أثناء الحظر الليلي يعتبر خرقا لأوامر الدفاع
وفي ظلّ ما تشهده بلادنا من انتشار الوباء الذي أدى إلى وفاة الكثير من أبناء وطننا الغالي، ودخول كثير منهم إلى المستشفيات لفترات طويلة، وتعرضهم للآلام والأوجاع والابتلاءات، فإن الواجب الديني والإيماني يدعونا إلى ضرورة الالتزام الكامل بجميع التعليمات والإرشادات الصحيّة والتنظيميّة الصّادرة عن الجهات ذات الاختصاص، واتّخاذ الوسائل اللازمة لمنع انتقال المرض وانتشاره، للمحافظة على قوة المجتمع واستقراره.
وقد جاءت الشريعة الإسلامية بالتيسير على العباد، وتسهيل أمورهم، وعدّ ذلك أصلاً من أصولها، لأن الغاية من العبادات هي إصلاح أمورهم ودفع الضرر عنهم في الدنيا والآخرة قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، وقدْ اعتبر السادة الفقهاء المطر والطّين من الأعذار التي يُترخص بها من صلاة الجمعة والجماعة، واستدلوا على ذلك بما جاء في (صحيح مسلم): عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: " إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَلَا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ "، قَالَ: فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَاكَ، فَقَالَ: (أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَا، قَدْ فَعَلَ ذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ) قال الإمام النّوويّ الشافعي: "هذا الحديث دليل على تخفيف أمر الجماعة في المطر ونحوه من الأعذار".
وبما أن الجهات الطبية توصي بعدم التجمعات، ومنها التجمع في صلاة الجمعة لأن في ذلك غاية سامية ونية سليمة، وهي الحفاظ على حياة الناس الذين بهم يُحفظ الدين نفسه، وبسلامتهم تُقام شعائر الإسلام، وانطلاقا من القواعد الشرعية التي ترفع الحرج وتدعو إلى اليسر، فيكون ذلك عذراً شرعياً تسقط به الجمعة، لما فيه من تحقيق هذه الغاية، والواجب الشرعي يحتم علينا أن نلتزم ذلك، خاصة ونحن في زمن ينتشر فيه الوباء بين الناس. وندعو الجميع لأداء صلاة الظهر في بيوتهم جماعة، كما ندعو المصلين إلى الالتزام بالإجراءات الوقائية التي تمنع نشر العدوى وانتقالها للآخرين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) رواه ابن ماجه، ولأن في هذه الإجراءات إحياء للنفس البشرية التي يجب صيانتها عن الأذى، ومن هذه الإجراءات إحضار سجادة خاصة للصلاة عند الذهاب إلى المسجد، والقراءة من المصحف الخاص بالمصلي، والوضوء في المنزل، والمحافظة على التباعد الجسدي، وعدم مصافحة المصلين؛ لأن في ذلك وقايةً للمصلين من انتشار الوباء، ومحافظةً على حياتهم، وحرصاً على صحتهم.
سائلين الله تعالى أن يجعل بلدنا آمنا مطمئنا، وسائر بلاد المسلمين، وأن يحمينا من الأمراض والأسقام، إنه على ذلك قدير، وآخر دعونا أن الحمد لله ربّ العالمين.