الثاني من آذار يوم لعمان.. قراءة في تحولات المكان والسكان في مئة عام - فيديو

الأردن
نشر: 2021-03-02 10:54 آخر تحديث: 2023-06-18 12:19
الباحث في شؤون عمان محمد أبو عريضة
الباحث في شؤون عمان محمد أبو عريضة

قرر مجلس الوزراء يوم الأول من أمس الأحد اعتبار يوم الثاني من شهر آذار يومًا لعمان، بوصف أن الأمير عبدالله الأول كان قد وصل عمان في اليوم نفسه قبل مئة عام.

لتتبع مسار التحولات العميقة خلال مئة عمان، وحولت القرية الصغيرة الوادعة عمان، التي اتخذها الأمير الحجازي عاصمة لدولته الناشئة، إلى مدينة كبيرة متنوعة "كوزموبوليتك"، يسكنها اليوم حوالي 5 ملايين نسمة، استضافت فقرة "أصل الحكاية" ببرنامج "دنيا يا دنيا" على قناة رؤيا الباحث في شؤون عمان محمد أبو عريضة.

أبو عريضة استعرض المحطات التاريخية التي مرت بعمان قبل تأسيس الدولة الأردنية، فقال إن عمان حضارة زراعية منذ أن بدأ الإنسان الزراعة، فالوادي الواسع الممتد من رأس العين وحتى عين غزال، ظل على مدى التاريخ يستقبل المياه المتدفقة من الجبال المحيطة بالمكان، ويشكل نهرًا صغيرًا، هو سيل عمان، وخير مثال على أن المدينة ظلت طوال عمرها صاحبة حضارة زراعية أن أقدم حضارة زراعية مكتشفة حتى اللحظة على وجه الأرض  هي حضارة عين غزال.

استمرت المدينة عبر الحقب الزمنية بحضارتها الزراعية ووفرتها المائية إلى أن أصابها في القرن الخامس عشر وباء الملاريا، فهجرها سكانها، وظلت خالية من السكان.

وقال أبو عريضة أن المقصود بالمدينة الزراعية هي الوادي، وليس الجبال المحيطة به، ففي الجبال ظل السكان موجودين، وكانت عشائر البلقاء التي تسكن حول عمان، تنزل إلى رأس العين لإسقاء حلالها، والتزود بالماء، وتعود إلى الجبال، فلا تقترب من صحن المدينة - وسط البلد - خشية المرض والموت، إذ أن الأخبار عمن مات من الملاريا تواردت من الأجداد ووصلت إلى الأجيال اللاحقة.

كانت قافلة الحج الشامي التي تمر بمناطق شرق الأردن، وهي متجهة إلى الأراضي المقدسة - مكة المكرمة والمدينة المنورة -  تتعرض لغزو  القبائل في شرق الأردن، فأرادت أن تحمي هذه القافلة، وأخذت تسترضي قبائل البلقاء ومعان.

وأوضح أن عمان التي هجرها سكانها، أخذت تنفض الغبار عن نفسها منذ منتصف القرن التاسع عشر، حينما أصدرت الدولة العثمانية قانون الطابو العثماني، الذي أسس لتوطين جزء من بدو البلقاء على سيف البادية بالقرب من عمان.

لكن الحدث الأبرز الذي أعاد لعمان الحياة هو البدء في إنشاء الخط الحديدي الحجازي، الذي كانت الدولة العثمانية تعتبره أكبر مشروع لها لبسط سيطرتها على المناطق البعيدة عنها، وحماية قافلة الحج الشامي.

وأشار أبو عريضة إلى أن المهندس الألماني الذي استعانت به الدولة العثمانية لتصميم طريق الخط الحديدي، اختار عمان كأحد محطات الخط، الأمر الذي دفع الدولة العثمانية للتفكير باستقدام عائلات من مناطق زراعية، قادرة على إعادة إحياء المكان، فاختارت قبائل شركسية كانت قد هربت من بطش قيصر روسيا.

أحضرا العائلات الشركسية التي وصلت عمان معها أشجار الكينا، وزرعتها، ومن المعروف أن الكينا هو دواء الملاريا.

عام 1909 تأسست أول بلدية لعمان، حينما كان عدد سكان القرية الزراعية الصغيرة ألفي نسمة، معظمهم من الشركس، غير أن المدينة بدأت تستقبل مهاجرين جدد من فلسطين والشام، ومن حواضر شرق الأردن.

حينما اختار الأمير عبدالله عمان عاصمة له، كان عدد سكان المدينة الصغيرة أقل من سبعة آلاف نسمة، لكنها ما أن استقر الحكم فيها بدأت تستقبل مهاجرين جدد من مناطق مختلفة للعمل في العاصمة الناشئة.

ضاق الوادي بسكانه بعد أن تضاعف عدد القاطنين حول السيل، فأخذت بعض العائلات ببناء منازل اسمنية لها على سفوح الجبال، الأمر الذي أحدث تحولًا كبيرًا تمثل في الحاجة لنقل المياه إلى الجبال، وبذلك بدأت بلدية عمان تُتشيء خزانات مياه صغيرة الحجم على سفوح الجبال، تضخ لها المياه من السيل بمضخات تعمل على الوقود، ومد شبكات مياه - قساطل - لإيصال المياه إلى المنازل، خاصة في الجبال.

قبل عام 1938 لم يكن في المدينة كهرباء، فباستثناء عدد قليل من المولدات الصغيرة، كانت تنتج الكهرباء للمقر السامي - القصر الأميري -، ولبعض الشخصيات النافذة، كانت المدينة بلا  كهرباء، حتى أن شوارعها ظلت تضاء بـ 200 قنديل.

في العام 1938 تأسست شركة كهرباء عمان، وبدأت عملها في إنارة شوارع عمان القليلة بمولد كهربائي كانت تتقاسمه مع مطحنة، إذ كانت المطحنة تستعمله في النهار، والشركة في الليل.

المحطة الأبرز في تلك الفترة هي نكبة فلسطين، وما ترتب على ذلك من هجرة مئات ملايين الفلسطينيين إلى دول جوار فلسطين، وكان قسط الأردن الأكبر من هؤلاء المهاجرين.

مع الارتفاع الكبير في عدد السكان كان لا بد أن تتوسع المدينة، فأخذت تنتشر البيوت في الجبال، وما رافق ذلك من تحولات في أنماط حياة الناس، لكن المدينة حتى نهاية ستينات القرن الماضي ظلت صغيرة، تنام مبكرًا، فآخر عمان من جهة جبل عمان الدوار الررابع، ومن جهة العبدلي دوار الداخلية، وهكذا.

المحطة الأخطر في تاريخ عمان الاجتماعي هو منتصف سبعينات القرن الماضي، بعد أن قفز سعر النفط إثر حرب رمضان 1973، ما أدى إلى تشكل فائض نقدي مهول لدى دول الخليج والسعودية، ما أصاب الأردن جزء منه.

بدا الأردنيون بعد منتصف السبعينات الانتقال للعمل في دول الخليج والسعودية، ومع الوقت بدأوا يحولون الأموال إلى أهاليهم في الأردن، وهؤلاء أخذوا يبنون لهم بيوت، وإذ بالمدينة تتسع بشكل غير مسبوق.

الأخطر في هذا التحول هو النمط الاستهلاكي الذي أخذ يتسلل إلى الأردنيين، وهجرهم بعض الأعمال، خاصة في الزراعة والبناء، واستبدالهم بالعمال المصريين، وما أن جاء عام 1990، وهو محطة خطيرة أخرى، حتى احتل العمال المصريون مكان الأردنيين، فلم تعد تجد عامل بناء أردنيًا، او عاملًا زراعيًا أردنيًا، أو بناء حجر أو "دقيق" حجر، وهكذا.

عام 1990عاد إلى الأردن أكثر من 400 ألف مغترب من  الخليج، معظمهم من الكويت، وهؤلاء عادوا بأموالهم، وهو ما شكل فرصة للتوسع في الاستثمار، والتوسع في البناء، لكنهم عادوا بأنماط استهلاكية احضروها معهم من دول الخليج الغنية، فقبل عام 1990، نادرًا ما كان يُشاهد في عمان خادمات.

محطة جديدة أثرت على عمان وهي احتلال العراق عام 2003، إذ أن تدفق عشرات آلاف العراقيين إلى الأردن، أدى إلى زيادة الطلب على العقارات، فازدهرت سوق العقار، وارتفعت أسعارها بشكل لافت، وهو ما جعل إمكانية اقتناء بيت ضرب من الخيال.

المحطة الخطيرة الأخرى هي عام 2011، حينما بدأ ما يسمى "الربيع العربي"، وبدء الأزمة السورية، وتدفق المهاجرين السوريين إلى الأردن، وهؤلاء يختلفون عن العراقيين، فالعراقيون جاءوا ومعهم أموالهم، أما السوريون فإن معظم اللاجئين منهم من الفقراء.

المهم زاد الطلب على العقارات والماء والغذاء والطاقة والصحة، لكن الأهم أنهم أسهموا في ارتفاع معدلات الفقر والبطالة. 

أخبار ذات صلة

newsletter