يعود تشرين الثاني والأرض تبسط نفسها في انتظار سقوط المطر، يعود هذا الشهر، والأردن يطوق لثامه لا يميطه خشية أن تفضح العيون مافي النفس من شوق وأحزان.
على درجات الشيرتون في العاصمة المصرية القاهرة، رصاصة رابعة دويها اخترق وجدان كل أردني، وتهوي بأحلام القابضين على جمر الوطن.
عام جديد يحيي فيه الأردنيون ذكرى استشهاد رئيس الوزراء الأسبق، وصفي مصطفى وهبي التل، الذي الذي قضى برصاصات غادرة أمام فندق الشيرتون بالقاهرة عندما كان يستعد لحضور اجتماع مجلس الدفاع العربي المشترك في الثامن والعشرين من شهر تشرين الثاني عام 1978.
لحظات مفزعة عاشها من عاصرها، فوصفي الذي خرج حاملا خطة لتقوية المقاومة الفلسطينية وتعزيز دورها في مواجهة العصابات الصهيونية، عاد محمولا على الاكتاف، وشيع في جنازة ذرف فيها الأردنيون الدموع في وداع أبي مصطفى الذي اتفق الجميع على محبته.
حالة فريدة ونادرة شكلها أبو مصطفى حتى بات مثلا أعلى حتى لمن لم يعاصره، فسيرته السياسية والاجتماعية كانت كفيلة بأن يتأكد الجميع بأن وصفي المسؤول الذي لن يكرره الزمان.
في هذا العام، يعرض مركز التوثيق الملكي الأردني الهاشمي عدداً من صفحات مذكرات رئيس الوزراء الأسبق الشهيد وصفي التل المأخوذة من دفاتر يومياته المخطوطة بخط يده، والتي كان يلخص فيها أحداث يومياته ونشاطاته ومواعيده وديونه، وذلك في الذكرى التاسعة والأربعين لاغتياله.
وتلقي هذه الوثائق الضوء على جزء جديد من تاريخ التل الذي تدرج في مواقع المسؤولية إلى أن وصل لموقع رئيس الوزراء.
ويقول الكاتب، بلال حسن التل، في مقال له :" بالرغم من مرور نصف قرن على ذلك، فإن احدا لايستطيع ان يجادل بأن وصفي هو الاكثر حضورا في وجدان الأردنيين ويومياتهم".
ويصف الكاتب بلال التل، وصفي بأنه "رجل فية مواصفات كمواصفات وصفي, وأولها ان الرجل كان واضحا صريحا لايكذب ولايجامل ولاتشغله تفاصيل العمل اليومي عن أهدافه الاستراتيجية ، وثانيها أنه لم يكن في يوم من الأيام موظفاً يطلب لقمة عيش وتسخره الوظيفة فتقوده ولا يقودها".
أما الثالثة، وفق الكاتب، فإن وصفي لم يكن صاحب أجندة خاصة، لكنه كان صاحب مشروع قومي معلن، فالرجل لم يكن من الذين يخفون مشروعهم ودور الأردن المركزي فيه، بل أن جزء من مشروعه كُتب في رئاسة الوزراء يوم كان رئيساً للوزراء، بعنوان خطة تحرير فلسطين، باعتبارها جزء من مشروع وطن وأمة، وليست أجندة خاصة لوصفي".
الرئيس المواطن
وعلى صعيد قرب الرئيس من الأردنيين، كان وصفي يخصص يوما لاستقبال المواطنين والاستماع الى مشاكلهم ومطالبهم.
ومن القصص التي يتداولها الأردنيون، أن رجلا جاء الى وصفي التل في يوم كان مخصصاً لاستقبال المواطنين في دار الرئاسة، شاكياً مظلمة، حاملاً معه وورقة تظهر اعتقال ابنه بتهمة السب على رئيس الوزراء.. سمع التل القصة، وأخذ الورقة، وكتب على ظهرها " يلعن أبو وصفي التل اللي بتسجنو الناس مشانه " وطلب من الأب أن يسلمها إلى مدير المركز الأمني.
وصفي الفلاح
بعيدا عن أنه كان رجل دولة من طراز رفيع، أردني لا تشوبه شائبه، حريصا على أرضه، ومؤمنا بالشعب الأردني، وباراً بالقضايا الوطنية، كان أبو مصطفى فلاحا لا يشق له غبار.
وصفي الذي كان يقف أمام سهول حوران الخصيبة، ويؤكد أن هذه الأرض ستطعم الشام كاملا من قمحها وبقلها لو وجدت القليل من الاهتمام.
من القصص التي تتناقلها الأجيال، أن الكثيرين من زائري وصفي في المنزل كانوا ينتظرونه إلى حين عودته من فلاحة أرضة، وهو ما زاد من محبة التل الذي لم يبعده "البرستيج" عن أرضه.
ومع حلول ذكرى جديدة لاغتيال الشهيد التل، حالت جائحة كورونا دون إقامة فعاليات سنوية هذا العام، ولجأ الكثيرون إلى مواقع التواصل الاجتماعي لإحياء الذكرى عبر نشر الصور ومقاطع الفيديوهات التي تجسد القليل من تفاصيل وقضايا كثيرة عاصرها الشهيد.