على رغم ما جلبت جائحة الكورونا من تأثيراتٍ سلبيةٍ على قطاع السياحةِ الداخلية، وبالأخص البيئيةِ منها، إلا أن السياحةَ التجريبية في المحميات، والتي أطلقتها الجمعية الملكية لحماية الطبيعة سابقاً، تبقى أنموذجاً فريداً يستحق التجربة.
السياحة التجريبية، مفهومٌ جديد في السياحة البيئية، تسعى من خلاله الجمعية لمنح الزائر تجربةً فريدة يعيش من خلالها الزائر عادات وتقاليد المجتمع المحلي ويتذوق من مطبخه ويستمتع برواياته وفولكلوره، وحتى أزيائه المميزة.
وأطلقت الجمعية الملكية لحماية الطبيعة هذه الفكرة، بسبب تميز الأردن بتنوع ثقافي وبيئي وجغرافي فريد، لطالما كان السبب في ثراء هذا الوطن وغناه التاريخي والحضاري والاجتماعي، وأدركت الجمعية الملكية لحماية الطبيعة مبكراً أن هذا التنوع هو أحد أسباب ثراء الوطن، لتستثمر في الإنسان والبيئة، وتطلق البرامج التي تعزز من حماية الطبيعة وتمكين المجتمعات المحلية في ذات الوقت.
وفي حين أصبحت محمية الأزرق المائية، التي تشرف على الصحراء الشرقية، رمزاً للتنوع الحيوي بسبب غناها بالأنواع النادرة وخاصة الطيور التي تزدهر في مواسم الهجرة، إلا أنها تتميز أيضا بغنىً ثقافي وتنوع سكاني فريد جعل منها أنموذجاً مصغرا للتنوع على مستوى المملكة.
وشكلت محمية الأزرق محطة تنموية حيث يصل عدد الموظفين الدائمين في المحمية إلى 48 موظفاً من أبناء المجتمع المحلي، وتستفيد من وجود المحمية مئات الأسر في الأزرق من خلال شراء الحاجيات والطعام من السوق المحلي بالإضافة للأسر التي تم إدماجها في السياحة التجريبية بحسب ما قال مدير المحمية حازم الحريشة.
وبلغ مجموع استفادة المجتمع المحلي في مدينة الأزرق للعام 2019 بلغ قرابة 351 ألف دينار في حين كان الرقم للعام 2018 قرابة 514 ألف دينار، في حين بلغ مجموع استفادة المجتمع المحلي، وبشكل تراكمي من المحمية قرابة 2.5 مليون دينار.
وبسبب غنى المحمية الحيوي، وغنى محيطها السكاني والثقافي، خاصة وأن المجتمع المحلي هو مزيج فريد من السكان من الأصول الدرزية والبدوية والشيشانية، أدخلت المحمية هذه التجارب الثلاث بهدف إطالة مدة إقامة الزائر وتعرفيه على العادات والتقاليد المختلفة، إضافة إلى إشراك السكان المحليين في منظومة عمل الجمعية وتحقيق هدف تنمية المجتمعات المحلية، بحسب ما قال الحريشة.
التجربة الدرزية
تزخر منطقة الأزرق بتنوع وتعدد ثقافاتها، ومن بين تلك الثقافات المجتمع الدرزي العريق، حيث يخوض الزائر التجربة الدرزية بتفاصيلها من خلال التعرف على ثقافتهم الأصيلة، تنطلق التجربة من نزل الأزرق باتجاه جمعية درزية محلية، حيث يتم استقبال الزوار من قبل المجتمع المحلي الدرزي مع جلسة تعريفية عن الثقافة الدرزية وما يتصل بها من عادات وتقاليد، تليها رقصة اللوحة الدرزية باللباس الدرزي التقليدي، كما يمكن للزوار تعلم الرقصة أو الاكتفاء بالمشاهدة.
المحطة التالية هي تجربة المطبخ الدرزي في أحد بيوت المجتمع المحلي البسيط، ومن خلالها سنتعلم طريقة إعداد وجبة غداء كاملة من المطبخ الدرزي مكونةً من طبق رئيسي، يتبعها طبق من الحلوى، وأخيراً الاستمتاع بوجبة الغداء.
التجربة البدوية
تنطلق التجربة البدوية بقيادة الدراجات الهوائية من نزل الأزرق باتجاه الخيمة البدوية والتي تبعد 4 كم عن النزل، وعند الوصول ترحب عائلة بدوية بالزوار وتستقبلهم بفنجان من القهوة العربية الأصيلة ذات المذاق المميز ورائحة الهيل الزكية.
بعد ذلك يستهل الزوار التجربة البدوية الشيقة برعي الأغنام والتعرف على أساسيات الرعي، وصفات الراعي المتميز، في هذا المكان يتجول لمدة 30 دقيقة، ومن ثم العودة إلى الخيمة البدوية وأخذ قسط من الراحة مع كأس من الشاي المحضر على الحطب.
التجربة التالية حلب الماعز وتذوق حليبها الطازج. تليها تجربة صناعة اللبن المخيض، وخض اللبن (السقا) داخل القربة المصنوعة من جلد الماعز أو البقر، حيث تعتبر هذه التجربة من إحدى العادات اليومية للنساء البدويات، وهنا يحين وقت الغداء وتذوق إحدى الوجبات البدوية الشهيرة كالمنسف، أو الرشوف، أو قلاية البندورة، يتبعها طبق من حلويات حياة البداوة، بعد أن يتعلم الزوار كيفية تحضير القهوة العربية على أصولها.
تنتهي التجربة البدوية بصورة تذكارية باللباس البدوي العربي الأصيل مع رسم الكحل للسيدات وبذلك تكونوا قد خضتم يوماً بدوياً مميزاً بجميع تفاصيله.
التجربة الشيشانية
ولأن منطقة الأزرق واحة تتنوع بالثقافات المختلفة، يتجه الزوار لعيش التجربة الشيشانية إذ ينحدر السكان الشيشان من منطقة شمال القوقاز وتعتبر حضارتهم من أقدم الحضارات هناك.
تنطلق التجربة بقيادة الدراجات الهوائية من نزل الأزرق باتجاه البيت الشيشاني الذي يبعد حوالي 3 كم عن نزل محمية الأزرق المائية، ليتعرف السكان أكثر على الحياة الشيشانية كما هي على أرض الواقع، وكذلك التعرف على أشهر العادات والتقاليد عندهم.
تبدأ التجربة الشيشانية بتناول كأس من الشاي يتبعها جلسة تعريفية عن الثقافة الشيشانية والحضارة القديمة، ويلتقي الزوار بسيدة شيشانية من المجتمع المحلي للتعريف أكثر على اللباس الشيشاني التقليدي وعرض رسومات يدوية إبداعية عن الحضارة الشيشانية. بعد الانتهاء من ذلك، يحين وقت الغداء وتذوق الوجبات الشيشانية التقليدية والحلويات الشهية. ومن ثم تنتهي التجربة الشيشانية بمشاهدة، عرض للرقص الشيشاني الذي يعكس الثقافة الشيشانية العريقة، وتمنح التجربة الزوار إمكانية مشاركة الراقصين، وأخيراً أخذ صورة تذكارية باللباس الشيشاني الجميل.
وفي حين تطبق الجمعية الملكية لحماية الطبيعة السياحة التجريبية في الأزرق، إلا أنها تطبقها في محميات أخرى، مثل محمية ضانا للمحيط الحيوي ومحمية غابات عجلون، وتعتبر الجمعية الملكية لحماية الطبيعة من الأوائل على مستوى المملكة التي تطبق هذا النوع الفريد من السياحة.