تعج مستشفيات العالم بالمصابين بفيروس كورونا الذين وصل عددهم منذ بداية الجائحة إلى أكثر من 34 مليونا، وحصد أرواح أكثر من مليون شخص.
ولعل أقسى فصول المعركة مع الفيروس الخفي، رحيل المرضى وحيدين دون عائلاتهم، في غرف باردة موحشة.
كثيرة هي تلك القصص المؤلمة، ففي تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" وثقت عدداً من حالات الوفيات الحزينة تلك لمصابين قضوا وحدهم في غرف العزل بالمستشفيات، دون أن يتمكن أحد من ذويهم أو أحبائهم من الربت على أكتافهم أو تقبيلهم وفي بعض الحالات دون حتى التعبير لهم عن مدى حبهم وافتقادهم.
اقرأ أيضاً : نيكول سابا تقدم نصيحة لحمايتكم من كورونا.. فماذا قالت؟
وحيدة تبكي
وفي هذا السياق، روت نانسي هوبكنز تجربتها المريرة مع والدها، ( 83 عاماً)، قائلة:" إنه كان يتعرق ويلهث في محاولة يائسة للتنفس، فوضعت كفها على ذراعه قبل أن يضعه رجال الإسعاف في سيارة لنقله إلى مستشفى العزل، ووعدته بأنها ستكون معه في كل خطوة على الطريق.
إلا أن هذه اللمسة كانت آخر وأقرب ما أمكنها الوصول إلى والدها للأبد. فقد تحركت هوبكنز في سيارتها خلف سيارة الإسعاف باتجاه المستشفى القريب في كونواي، جنوب كاليفورنيا، في ذلك المساء منتصف مارس. وعندما وصلت هناك، علمت أنها لن تستطيع الدخول بسبب القيود المفروضة على زيارة المرضى خلال جائحة كورونا.
وكانت هوبكنز تحرص على الذهاب إلى المستشفى أملاً في أن يتم السماح لها بزيارة والدها وتنتظر لساعات جالسة تبكي داخل سيارتها بساحة السيارات في المستشفى.
أكبر تحدٍّ في الحياة
فقد كان والد هوبكنز، روبرت ماكورد (تاجر ماشية متقاعد) مريضاً بكوفيد-19 وظل لمدة 14 يوماً في غرفة عزل في الطابق العلوي من مركز كونواي الطبي.
وعندما اقترب من الموت في 1 أبريل، قالت هوبكنز إنه على الرغم من تعقيمها وتغطيتها برداء مصنوع من البلاستيك لعزلها بالكامل تم السماح لها بالوقوف خلف نافذة زجاجية لتراه لآخر مرة، بينما تحمل ممرضة الهاتف الآخر بالقرب من أذنه.
كما قالت هوبكنز، التي تعمل كمُعلمة وتبلغ من العمر 59 عاماً: "كان التحدي الأكبر في حياتي. لم أستطع أن أكون إلى جواره هناك، رغم أني وعدته".
الوداع الأخير
لعل أفظع ما يحمله هذا الوباء هو الطريقة التي يعزل بها ضحاياه حتى في لحظاتهم الأخيرة، حيث يموت المرضى بمفردهم في غرف المستشفى، ولا يتمكن أزواجهم وأطفالهم وإخوتهم وأقاربهم من الاقتراب منهم.
أما لحظات الوداع الأخيرة، إذا أمكن السماح بها، فتتم عبر جهاز لوحي أو هاتف ذكي، بمساعدة ممرضة كوسيط بين الأهل والمريض.
عبر تطبيق هاتف ذكي
وفي قصة محزنة أخرى، قال ديفيد مايكل دادلي جونيور إنه كان مجبراً على وداع والده البالغ من العمر 61 عاماً، بينما كان يحتضر عبر تطبيق على الهاتف الذكي يوم 31 مارس.
وتدمع أعين دادلي وهو يقول إن والده استيقظ من نومه مع سعال قبل أسبوع واحد فقط من وفاته، وتم نقله إلى مستشفى بالتيمور حيث تم تزويده بالأكسجين لمساعدته على التنفس. لكن حالته لم تتحسن وتم نقله إلى العزل حيث تم وضعه على جهاز تنفس اصطناعي.
كما وصف دادلي اللحظات الأخيرة بأنها كانت مؤلمة للغاية وجرت في ظروف غير عادية، إذ لم يكن يعرف ما إذا كان والده يمكنه سماعه بالأساس، كما أنه جاهد لإخراج كلمات يعبر له بها عن حبه وسط مكالمة جماعية محرجة شهدها أقارب آخرون وأطباء وممرضات في غرفة المستشفى.
الدفء العائلي
ولا يتوقف السيل المتدفق من الروايات والمشاهد الدرامية، حيث إن هناك آلاف الوفيات التي تعج بحالات التشابه والتباين في التفاصيل والأحداث عدا النهايات الواحدة وهي الوفاة.
ويبقى أن الكثير من الضحايا ذهبوا تاركين حزنا وألما عميقا للفراق بين أحبائهم. ففي حالة الجدة كيكو نويتز من لويزفيل، كنتاكي، كان من النادر أن تكون وحيدة، إذ عاشت حياتها التي امتدت إلى 87 عاماً وسط عائلة كبيرة من 8 أبناء إضافة إلى أزواجهم و28 حفيداً، والذين حرصت على تربيتهم جميعاً بكل الحب والتفاني بعدما ترملت منذ عقود.
أصيبت كيكو بجلطة قبل خمس سنوات، لكنها نجت منها وعادت لمنزلها وكان هناك مناوبات كل ليلة لفرد من أفراد عائلتها الكبيرة إلى جانبها. استعادت عافيتها وعاودت ترتيب التجمعات العائلية في كل المناسبات وتعليم أحفادها القراءة والصلاة.
لكن بعدها أصيبت بضيق التنفس، الذي أجبرها على البقاء وحيدة على سرير بالمستشفى بعيداً عن هذه الأجواء الدافئة الحاشدة بالأهل والأحباب منذ 25 مارس.
وصية الجدة كيكو
وبعدما أكدت نتائج الاختبار إصابتها بفيروس كورونا، كان على أفراد الأسرة اتخاذ قرار بشأن وضعها على جهاز تنفس اصطناعي. ولكن كانت الجدة منذ وقت ليس ببعيد قد أوصت بألا يتم وضعها على الأجهزة وهي تحتضر.
أمام مستشفى نورتون برانونسبورو في لويزفيل، كان ستة من أبنائها الثمانية الكبار، يقفون مصطفين على بعد مترين بين كل منهم، حرصاً على اتباع نصائح الوقاية من العدوى، إذ لم يسمح المستشفى إلا بدخول واحد منهم فقط على أن يقوم بارتداء ملابس واقية، تغطي كامل الجسم، والذهاب إلى غرفة الجدة لفترة وجيزة. وبالفعل دخلت ابنتها كاثي ميلز (62 عاماً) لتجد الجدة كيكو منهكة القوى، لكن مستيقظة ومستلقية على جانبها بذراع واحدة ممتدة من السرير.
"لا أستطيع تقبيلك"
نظرت ميلز إليها من وراء قناع تنفس N95، وقناع ثانٍ فوقه، ونظارات وقاية، مرتدية زوجين من قفازات المستشفى الزرقاء، ثم تمكنت من الإمساك بيد أمها.
وقالت لها والدموع تنهمر من عينيها: "أنا آسفة لأنني لا أستطيع تقبيلك". وأشارت الجدة كيكو إلى المعدات الطبية في الغرفة، وقالت بصوت واهن: "هذا كثير".
بلا عناق
خرجت الابنة لتنضم إلى باقي أخوتها أمام المستشفى حيث تم إجراء مكالمة عبر تطبيق "فيس تايم" مع ممرضة تحمل الهاتف بالقرب من الجدة كيكو بينما كان كل ابن من أبنائها بالتناوب يقول لها: وداعاً.
وبينما أجهش الجميع في البكاء والنحيب لم يتمكن أي منهم من أن يحتضن الآخر أو أن يقترب منه ليربت على كتفه. وتقول ابنتها الأخرى ديبي: "لم نتمكن من معانقة بعضنا بعضا. كان الوضع غير طبيعي على الإطلاق ففي العادة كنا نبكي على أكتاف بعضنا بعضا".
الاحتضار أمام كمبيوتر محمول
ومن أجل مزيد من التواصل مع الالتزام بالقواعد والإرشادات، قامت الحفيدة ليسي تايلور (29 سنة) بتسليم كمبيوتر محمول محمّل بتطبيق التواصل الاجتماعي Houseparty إلى المستشفى، حيث قامت ممرضة بوضعه في مواجهة سرير الجدة كيكو، كي تتمكن كل أفراد العائلة من محادثتها ومتابعتها في غرفة العزل داخل المستشفى.
تبادلوا الأحاديث معها وقاموا بالغناء لها فيما كانت الجدة تمد يدها في محاولة للمس الشاشة عندما يظهر أحفادها في الصورة.
وفي الساعة 7:45 صباح الاثنين، كانت الجدة كيكو تلفظ أنفاسها الأخيرة بينما كان الأقارب يراقبونها.
موقف نبيل للممرضات
وكانت الممرضتان أودري ووترز وجوليا هانت تمسكان بإحدى يدي الجدة كيكو أثناء وفاتها، تنفيذاً لوعدهما لها.
واضطرت ووترز (33 عاماً)، للعمل مدة 12 ساعة إضافية بعد انتهاء نوبة عملها، لأنها وزميلتها هانت كانتا قد وعدتا الجدة وعائلتها بأنهما لن يتركاها وحدها.
مكالمات الفيديو
بالقرب من توليدو في أوهايو، قالت الممرضة هيلين ريفيز إنها لم يسبق لها أن مرت طوال حياتها المهنية، التي تمتد لـ35 عاماً، بمثل هذه المواقف والظروف المؤلمة إنسانياً.
كما أضافت أنه قبل الجائحة، عندما كان شخص ما يحتضر، كانت تتصل بالعائلة حتى يكونوا معه في الغرفة لوداعه، أما الآن فهي تقوم بترتيب مكالمات فيديو عبر تطبيق "فيس تايم" حتى يتمكن الأبناء البالغون من وداع آبائهم وأمهاتهم قبل الوفاة، موضحة أن "الأمر صعب للغاية. ولا يمكن أن يضع الشخص نفسه مكانهم للحظة".
كمبيوتر لوحي لكل غرفة
إلى ذلك أصبحت مكالمات الفيديو ضرورية للغاية للمرضى وعائلاتهم خلال جائحة كورونا لدرجة أن مستشفى ليتلتون أدفنتيتست في كولورادو تستهدف توفير جهاز كمبيوتر لوحي لكل غرفة في القريب العاجل.
كما تسعى مؤسسة كوفيد تيك كونيكت، غير الربحية والتي تأسست في مارس، إلى توزيع 10 آلاف كمبيوتر لوحي في المستشفيات والمراكز الطبية.
وحتى الآن، تم تدبير حوالي 2500 من الأجهزة اللوحية المتبرع بها بالفعل، وجارٍ العمل على توزيعها. وجمعت المؤسسة أكثر من 125000 دولار من نحو مليون دولار تستهدف استخدامها لاستكمال الخطة.