حذر خبراء اقتصاديون واجتماعيون من الأثر الأمني والاجتماعي لارتفاع معدلات الفقر والبطالة، مؤكدين عدم جدوى الحلول التقليدية لمعالجة التحديات التي يواجهها الاقتصاد الأردني.
ودعا الخبراء إلى إعادة النظر في منظومة تشجيع الاستثمار وانقاذ المشروعات الاستثمارية المتعثرة، وإيلاء ارتفاع معدلات البطالة اهتماما بحجم تأثيرها على المجتمع.
الخبير الاقتصادي نائب رئيس الوزراء الأسبق الدكتور جواد العناني، دعا إلى ضرورة التوجه نحو الحلول المنتجة للمجتمع، والتركيز على حل مشكلة البطالة وطرق تخفيض معدلاتها من خلال جذب الاستثمارات والعمل المجتمعي، إضافة إلى وضع برامج مخصصة لمحاربة الفقر.
اقرأ أيضاً : الرزاز: الأردن استطاع تحقيق إنجازات مهمة في مجال القضاء على الفقر
وبحسب أرقام رسمية صادرة عن دائرة الإحصاءات العامة، ارتفع معدل البطالة في الربع الثاني من العام الحالي إلى 23 بالمئة، بارتفاع مقداره 3.8 بالمئة، عن نفس الفترة من العام الماضي.
العناني استطرد في حديثه، قائلا: "يجب إعادة النظر في منظومة تشجيع الاستثمار، في ظل أحجام الاستثمار المتواضعة التي تضاف إلى الاقتصاد سنويا"، داعيا أصحاب القرار إلى إعادة النظر بعدة ركائز رئيسية في هذا الملف كالقوانين والحوافز الاستثمارية، ومنح مزيد من الإجراءات أمام المستثمر المحلي والأجنبي.
كما دعا الحكومة إلى ضرورة تحديد الأولويات التي تتناسب مع مقدرات البلاد وتسهم في استيعاب الكثير من الأيدي العاملة وبناء استراتيجيات اقتصادية قابلة للتطبيق على المستوى المحلي.
ولفت العناني إلى أهمية تشجيع الشباب وخاصة الذين يحملون "الشهادة الجامعية" على التفكير في مشروعات صغيرة ومتوسطة الحجم، تعمل ضمن منظومة لعمل هيكل متكامل لصناعات لتغذي كل واحدة الأخرى، وبالتالي يصبح لدينا القدرة على توفير المنتجات للسوق المحلي وتصديرها للعالمي.
وشدد العناني على ضرورة إنقاذ المشروعات الاستثمارية المتعثرة وخاصة التي توفر فرص عمل، من خلال دراسة كل مشروع ومعرفة أسباب التعثر ووضعه المالي والإداري لمحاولة إحياء هذه الصناعات المحلية.
وطالب الحكومة بتوفير إحصائيات دقيقة وشاملة لمناطق جيوب الفقر في الأردن، وعمل دراسة لكل أسرة على حدة ومعرفة عدد الأفراد العاطلين عن العمل فيها لتوفير فرصة عمل واحدة على الأقل فيها، للتخفيف من حدة الفقر على الأسر.
اقرأ أيضاً : خبير اقتصادي لـ "رؤيا": مليون ونصف المليون من الأردنيين "متعثرين" مالياً.. فيديو
بدوره، قال الخبير الاقتصادي حسام عايش: "إن الحكومات المتعاقبة ركزت على الانجاز المالي المتمثل في زيادة إيرادات الدولة من خلال الضرائب والرسوم على القطاعات والافراد، ما حقق نسبا متواضعة من النمو، إضافة إلى الاستدانة المحلية والخارجية بهدف سداد ديون مستحقة والابتعاد عن الهدف الرئيس للاصلاح الاقتصادي المتمثل بتوجيه الدين لاقامة مشاريع تنموية تحقق الهدف المنشود من الاقتراض.
وأضاف أنه في ظل هذا النموذج الاقتصادي فإن نسب البطالة سترتفع، خاصة أن نسبة الوافدين الجدد الى سوق العمل " المتمثلة بالخريجين من الجامعات الأردنية" يتزايدون بشكل مستمر، لعدم استيعاب السوق المحلي لاعداد الخريجين سنويا.
وأوضح أن ارتفاع معدلات البطالة سينعكس على معدلات الفقر سواء كان الفقر في المعدل العام او الفقر الموسمي، بمعنى ان كثيرا من الاسر تتأثر ظرفها الاقتصادي والواقع المعيشي لها بطبيعة عمل أفرادها في القطاعات الاقتصادية الموسمية ، كالسياحة والزراعة ، ما من شأنه رفع معدلات الفقر. بيانات دائرة الاحصاءات العامة أظهرت في تقريرها الربعي الاخير، أن معدل البطالة كان مرتفعاً بين حملة الشهادات الجامعية (الأفراد المتعطلون ممن يحملون مؤهل بكالوريوس فأعلى، مقسوماً على قوة العمل لنفس المؤهل العلمي)، حيث بلغ 6ر26 بالمئة، مقارنة بالمستويات التعليمية الأخرى.
وقال عايش إن متابعة الفقر وجيوبه واسبابه ما زالت تحتاج إلى مزيد من الجهود الحكومية والاستقصائية للتعرف على طبيعة الفقر ومناطقه ونوعية الفقراء وكيفية الانتقال من مرحلة الفقر الى تجاوز هذه الحالة. وأضاف أنه لتجاوز هذه الحالة نحتاج إلى دراسات حصيفة تحتوي على معلومات دقيقة لتحديد خط الفقر ومعدلاته، داعيا الى ضرورة تحليل الرقم الاحصائي ومتابعته ضمن خطط ومنهجية مدروسة تحقق التنمية المرجوة في مناطق جيوب الفقر، لافتا الى أن هناك دراسات مستفيضة حول معدلات الفقر في هذه المناطق وما زالت حبيسة الادراج ولم يتم الاخذ بعين الاعتبار مخرجات هذه الدراسات.
وبين أن قيمة نجاح الدراسات تتمثل في انخفاض معدلات الفقر على ارض الواقع ، وتحسين مستويات الاستفادة من الخدمات الحكومية من الحماية الاجتماعية، والصحية، والتعليمية التي من شأنها تحسن بيئة الفقراء.
وتابع عايش أن معالجة الفقر تحتاج الى سياسات تتعلق بالاستثمارات والتعليم والمشاريع الاقتصادية لمواجهته، موضحا ان ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي تزيد من معدلات دخل الفرد، وبالتالي تحسن من قدرته على الانفاق، اضافة إلى تحسين مستوى معيشته. وأشار إلى ان معالجة الفقر تستدعي ايجاد فرص عمل، ومزيد من الرعاية والحماية الاجتماعية الذكية، مؤكدا ضرورة الخروج من منطق التفكير التقليدي في مواجهة الفقر إلى التفكير بحلول ابداعية من خلال تحويل الفقراء الى منتجين في مناطقهم او تهيئة الظروف المناسبة لهم. وبلغت نسبة الفقر بين الأفراد الأردنيين 15.7 بالمئة، أي أن 1.069 مليون أردني متواجدون ضمن منطقة الفقر، في حين بلغت نسبة فقر الجوع في الاردن 0.12 بالمئة، أي ما يعادل 7993 فردا.
وبلغت فجوة الفقر 3.5 بالمئة، في حين سجلت نسبة شدة الفقر 1.2 بالمئة، وفقا لنتائج مؤشرات الفقر في الأردن الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة لعام 2017- 2018. وفيما يخص شبكة الأمان الاجتماعي، قال عايش إن الحماية الاجتماعية من المفترض أن تكون مرنة وقادرة على توفير الأمان الاجتماعي للفئات الأكثر فقرا، والأكثر عرضة لسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للعاملين في المياومة.
اقرأ أيضاً : متوسط الإنفاق السنوي للأسرة في الأردن 12236 ديناراً
وبين انه لابد من وجود برامج معدة مسبقا للتعامل مع الحالات الطارئة بدرجات متفاوتة وبالتشارك مع مختلف الجهات المعنية، في تطبيق الآليات والوسائل التي تتضمنها تلك الخطوط العريضة للتصنيفات المختلفة للحالة الاجتماعية القائمة. وأشار إلى ضرورة تنمية المجتمعات الفقيرة ومعرفة احتياجاتها ومتطلباتها، وكيفية إدماجها في المجتمع، وامكانية تحسين المستوى المعيشي لها، داعيا الحكومة والقطاع الخاص لتوفير البنى الأساسية والتحتية لاقامة مشاريع صغيرة ومتوسطة في هذه المنطقة، وتشغيل اكبر عدد ممكن من العاطلين عن العمل . ومن جهته، قال عميد كلية العلوم الاجتماعية في جامعة مؤتة الدكتور حسين محادين، إن حجم الضغوطات وتكاليف الحياة على المواطنين ولا سيما الشرائح البسيطة زاد في السنوات الاخيرة بشكل ملحوظ، عازيا ذلك لعوامل ذاتية وموضوعية. وبين محادين أن دخول الاردن في مشروعات الخصخصة، جعلت الشرائح الفقيرة مكشوفة دون وجود اقتصاد اجتماعي متدرج لحمايتها، حيث أصبحت آلية السوق المفتوح تتحكم بالعرض والطلب للسلع والخدمات، مشيرا إلى أن الشرائح الفقيرة اصبحت مضطرة للدفع من دخلها الضعيف تكاليف الحياة كالعلاج وغيرها، بالتالي الظروف الذاتية لهذه الشريحة ساهمت في زيادة نسب الفقر، وتدني مستوى الحياة لديها. وقال إن الاردن كجزء من المنظومة العالمية تأثر بارتفاع تكاليف الحياة، كما ربط الاستهلاك المظهري للسلع والخدمات، لاسيما التكنولوجيا، المجتمع الاردني عضويا مع خارطة السوق العالمي، خاصة مع دول المركز العالمي، تلك المجتمعات تنعكس مباشرة على ثقافة وسلوكيات المواطنين في دول الهامش العالمي كما اصبحت تسمى ومنها الاردن. وأضاف ان اساليب الحماية التقليدية للشرائح الفقيرة لم تعد كافية لتوفير فرص العمل في سوق مفتوح قائم على المنافسة المتقدمة التي لم يتمكن المجتمع والحكومات المتعاقبة من تأهيل الشرائح الفقيرة لكي تكون منافسة أو قادرة في الحد الادنى على منافسة العمالة الاخرى، مشيرا الى أن هذه الشرائح بقيت متدنية الاسهام في عملية الانتاج الكلي للمجتمع.
وأشار محادين إلى أن هناك شرائح عريضة تملك محدودية واضحة في فرص العمل والمنافسة في سوق مفتوح، ولدينا قلة تستأثر الملكية ادوات الانتاج من المصانع والمعامل والاراضي، وتحدد اتجاهات سوق العمل بدليل تفضيل استمرار القطاع الخاص للعمالة الوافدة الاقل كلفة والاكثر انتاجية من العامل الاردني في بعض المهن المرتبطة بالجهد البدني كالمقاولات.
وأشار محادين إلى أن فرص اعادة التوازن النسبي للسوق الاقتصادي والاجتماعي ما زال بحاجة الى جهود متنوعة ومبادرات متسارعة للحد من حالة العوز التي ارتفعت وشملت شرائح جديدة لم تكن ضمن اولويات صانع القرار السياسي والاقتصادي قبل كورونا.
ولفت إلى أن الدولة تسعى بكل قوة للحيلولة دون اتساع رقعة التمايز بين الشرائح في المجتمع، وبين العاصمة والمحافظات، لان الفجوة التنموية كبيرة، خاصة ان الحكومة قلصت الكثير من موازنات مجالس المحافظات.
وبين أن المجالس في تجربتها القصيرة ساهمت بإعادة توزيع فرص التنمية والتشغيل داخل كل محافظة وضمن اولويات رشحت من تحديد المواطنين بحسب منطقته التنموية التي يحتاجها في صورة معتدلة وتتوافق مع مخصصات المحافظات من ميزانية الدولة.