التقى وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان الخميس مسؤولين لبنانيين في زيارة تستمر يومين، هي الأولى التي يجريها مسؤول أجنبي رفيع منذ أشهر إلى البلد الذي يأمل في التوصل إلى خطة إنقاذ دولية تنقذه من دوامة الإنهيار الاقتصادي.
واستقبل الرئيس اللبناني ميشال عون لودريان صباحاً في القصر الرئاسي في بعبدا شرق بيروت، كما أفاد صحافي في وكالة فرانس برس. وتبادل الرجلان مصافحة ودية قبل بدء مشاورات استمرت نحو نصف ساعة.
والتقى لودريان لاحقاً رئيس الحكومة حسان دياب بحضور وزير المالية غازي وزني ثم رئيس مجلس النواب نبيه بري.
اقرأ أيضاً : اللبنانيون يبتكرون طريقة جديدة لمشاهدة الأفلام
ويُتوقع أي يدلي لودريان بتصريحات إلى وسائل الإعلام بعد الظهر عقب لقائه المرتقب مع نظيره اللبناني ناصيف حتي.
وتأتي زيارة لودريان في وقت يشهد لبنان الانهيار الاقتصادي الأسوأ في تاريخه الحديث. لم توفر تداعياته أي طبقة اجتماعية، خصوصاً مع خسارة الليرة أكثر من ثمانين في المئة من قيمتها أمام الدولار، ما تسبب بتآكل القدرة الشرائية للمواطنين. وخسر عشرات الآلاف وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم. وبات نصف اللبنانيين تقريباً يعيشون تحت خط الفقر، ولامس معدل البطالة 35 في المئة.
وفي آذار، تخلّف لبنان للمرة الأولى في تاريخه عن تسديد ديونه الخارجية، ثم طلب مساعدة صندوق النقد الدولي معتمداً على خطة إنقاذ اقتصادية وضعتها الحكومة. لكن بعد جلسات عدة بين ممثلين عن الطرفين، لا تزال المفاوضات تراوح مكانها.
اقرأ أيضاً : رويترز: مستشارو لبنان يعملون على التوصل لتسوية بشأن خطة مالية
وقال دياب خلال لقائه لودريان، وفق حساب رئاسة الوزراء على تويتر، "واجهنا عقبات خلال المفاوضات مع صندوق النقد واليوم اجتزناها إلى المربع الثاني"، مضيفاً "نحن مصممون على مواصلة التفاوض، ونتمنى على فرنسا في تسريعه، لأن الوضع المالي في لبنان لا يتحمل التأخير".
وأضاف "لبنان ينظر إلى فرنسا كصديق تاريخي، وهو على ثقة أنها لن تتخلى عنه اليوم، ونتمى مساعدة فرنسا له على عدة أصعدة"، مشيراً على وجه التحديد إلى قطاع الكهرباء الذي كبّد خزينة الدولة أكثر من 40 مليار دولار منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990).
وشدد دياب على أن حكومته مستمرة "في مسيرة الإصلاح" التي وضعها المجتمع الدولي شرطاً لحصول لبنان على أي مساعدات أجنبية خارجية.
ويطمح لبنان إلى الحصول على دعم خارجي بأكثر من 20 مليار دولار، بينها 11 مليار أقرها مؤتمر "سيدر" الذي انعقد في باريس في 2018 مشترطاً إصلاحات.
ويعتمد لبنان في مفاوضاته مع الصندوق على خطة تقشفية أقرتها الحكومة نهاية نسيان/أبريل وتمتد على خمس سنوات، إلا أنها لاقت انتقادات من أطراف سياسية عدة كما من المصارف، التي يعود إليها القسم الأكبر من ديون الدولة.
وتقترح إصلاحات على مستويات عدة بينها السياسة المالية وميزان المدفوعات والبنى التحتية، وإعادة هيكلة للديون والمصارف. كما تنص على إصلاحات أساسية في البنى التحتية، بينها في قطاع الكهرباء المترهّل والذي يشكّل العبء المالي الأكبر.
اقرأ أيضاً : لبنان.. من سويسرا الشرق إلى وطن للأزمات المفتوحة - فيديو
"ساعدونا لنساعدكم"
وفي وقت سابق هذا الشهر، أعرب لودريان عن "قلقه البالغ" حيال عدم تحقيق بيروت أي تقدّم في عملية الإصلاح. وقال "على السلطات اللبنانية أن تستعيد زمام الأمور ..نحن حقاً مستعدّون لمساعدتكم، لكن ساعدونا على مساعدتكم".
ومن المقرر أن يلتقي لودريان أيضاً البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي. كما سيزور الجمعة مستشفى رفيق الحريري في بيروت، حيث تتركز جهود مكافحة فيروس كورونا المستجد في لبنان.
ويفترض أن يعقد الجمعة كذلك اجتماعاً حول التعليم الفرنكفوني مع مدراء المدارس الفرنكوفونية، المتأثرة أيضاً من الأزمة الاقتصادية وبعضها مهدد بالإغلاق.
وفي هذا الصدد، قررت فرنسا، القوة المنتدبة السابقة للبنان بين عامي 1920 و1943، صرف مبلغ 12 مليون يورو بشكل طارئ في الأشهر المقبلة لدعم تلك المؤسسات التعليمية.
ويشهد لبنان منذ عقود أزمات متلاحقة وانقسامات طائفية وسياسية عميقة حالت دون قيام دولة فعلية، وطغى منطق التسويات وتقاسم الحصص على الإصلاح، وتُوجَّه الى السياسيين اتهامات بتقاضي رشى وعمولات على كل المشاريع العامة.
في تشرين الأول/أكتوبر، انتفض مئات آلاف اللبنانيين ضد الطبقة السياسية، واتهموها بالفساد والعجز. وتراجع زخم التحركات مع تفشي فيروس كورونا المستجد، الذي سجل حتى الآن 3102 إصابة بينها 43 حالة وفاة.
وتُعد زيارة لودريان الأولى لمسؤول أجنبي رفيع المستوى إلى لبنان منذ بدء انتشار فيروس كورونا المستجد حول العالم.
وأعلنت السفارة البريطانية في لبنان أن وزير شؤون الشرق الأوسط جايمز كليفيرلي سيعقد الجمعة اجتماعات عن بعد مع مسؤولين لبنانيين لبحث الإصلاحات والوضعين الاقتصادي والأمني.