أكد رئيس الوزراء، الدكتور عمر الرزاز، أن الأردن تجنب منذ البدايات التعامل مع جائحة كورونا وفقا لنهج مناعة القطيع التي كانت تستوجب ترك المصابين دون تدخل، وبالتالي تفشي الوباء في المجتمع.
وقال رئيس الوزراء "إن نهج مناعة القطيع يعني عمليا البقاء للأقوى وشريعة الغاب، وهذا لا ينسجم مع قيمنا الدينية ولا مع تاريخ الهاشميين والثقافة التي جسدوها في الدولة الأردنية على مدى مائة عام ولا مع عاداتنا وتقاليدنا".
وأشار الرزاز، في تعليق متلفز على بعض الاستفسارات والملاحظات المتداولة أخيراً، إلى أن الأردن اختار نموذج الأسرة الواحدة المتكافلة المتماسكة التي تركز وتعنى بالعنصر الأضعف وهم المتأثرون من تداعيات الجائحة صحيا أو اقتصاديا. وقال "بعد حوالي خمسة أشهر من مواجهة جائحة كورونا علينا أن نقيّم ما مضى وما هو قادم ونتطلع إلى بعض جوانب قراراتنا التي اتخذناها والتي تصل تقريبا إلى نحو 400 إجراء وقرار".
اقرأ أيضاً : الرزاز : الخسائر التي تعرضت لها القطاعات خلال الاشهر الماضية من الصعب تعويضها
وأكد رئيس الوزراء أن الأرقام والمؤشرات المتعلقة بالجائحة جيدة، فغالبية الإصابات من الخارج "ولكن هذا لا يعني أن تحدينا قد انتهى ونحن نرى موجة ثانية من الفيروس في دول الجوار والعالم وعلينا أن نبقى متيقظين".
وحول التداعيات الاقتصادية، أشار الرزاز إلى أن الاقتصاد العالمي بأكمله تعرض للانكماش وهذا انعكس علينا في الأردن، لافتا إلى أن الإيرادات الحكومية تقلصت خلال الأشهر الأربعة الاخيرة بنحو 550 مليون دينار. وأعرب عن اعتقاده أن الأثر الاقتصادي الأكبر والأهم لكورونا سيكون على سوق العمل وعلى الموظفين والعاملين في القطاعات الاقتصادية التي تأثرت بشكل كبير نتيجة توقفها القسري عن العمل.
ولفت إلى أن تركيبة القوى العاملة من الأردنيين تنقسم إلى 40 بالمائة في القطاع العام من مدنيين وعسكريين وحوالي 60 بالمائة في القطاع الخاص، لافتاً إلى أن نصف العاملين في القطاع الخاص يعملون في القطاع الخاص المنظم (أي المشتركون في الضمان الاجتماعي) في حين أن النصف الآخر يعملون في القطاع الخاص غير المنظم وغير المحمي، وليس لديهم رواتب تقاعدية أو تعطل عن العمل أو أي منظومة حماية اجتماعيّة.
وأكد رئيس الوزراء أنه ومن منطلق التركيز على الحلقة الأضعف جاءت توجيهات جلالة الملك وجهود الحكومة ومبادرات الأردنيين للتبرع والمساعدة للفئات الأكثر تعرضا لخطر الفقر وربما الجوع لولا تدخل جميع الجهات "وهذه كانت أولويتنا الأولى".
وأشار بهذا الصدد إلى أنه تم تغيير معايير صندوق المعونة الوطنية وفتح الضمان الاجتماعي للمنشآت الصغيرة للتسجيل والاستفادة من التعطل عن العمل وعمل صندوق الزكاة بشكل مثالي، مؤكدا أنه تم إيجاد صندوق همة وطن حتى تكون هناك طريقة وآلية واضحة لتبرع الناس وتذهب هذه التبرعات مباشرة لتداعيات الجائحة الصحية والاجتماعية.
وأضاف الرزاز "هذا الجهد التكافلي كله جاء بجهد الجميع من قطاع خاص ومجتمع مدني ومجتمع أهلي وجميع المؤسسات، فقد عملنا معا حتى نحمي هذه الفئة الأضعف".
ولفت إلى أن القطاع الخاص المنظم تعرض أيضا لهزة لأن الكثير من القطاعات توقفت بشكل كامل لفترة طويلة نوعا ما عن العمل "وقمنا بحثّ أصحاب العمل على عدم تسريح العمالة بأي شكل من الأشكال والمحافظة على العاملين لديهم وهذا هو عنوان التكافل الحقيقي في القطاع الخاص".
وأشار رئيس الوزراء إلى الإجراءات التي قامت بها الحكومة لمساعدة أصحاب العمل بخفض الكلف وتأجيل الكثير من الدفعات والأقساط وغيرها من الكلف مع تأمين الكثير من التسهيلات.
وأشار أيضاً إلى أنّ الخصم المؤقت على الأجور بنسب 30 أو 40 أو حتى 50 بالمائة لغير المتواجدين في أماكن العمل أفضل من تسريح العمالة الذي يؤثر على المدى المتوسط والطويل، مؤكداً أن الحكومة تدرك صعوبة عودة من هم في سن الأربعين أو الخمسين إلى سوق العمل إذا فقدوا وظائفهم.
وأشار الرزاز إلى أن القطاع العام الذي يشكل 40 بالمئة من القوى العاملة، يعتبر قطاعا مهما وهو الأفضل من ناحية الأمان الوظيفي من القطاع الخاص سواء المنظم أو غير المنظم.
ولفت إلى أنه ونتيجة للوضع المالي الذي كانت فيه الحكومة وجدت من الضروري تأجيل الزيادة على العلاوات الفنيّة لرواتب موظفي القطاع العام إلى بداية العام المقبل، مبينا أن الحكومة لجأت لهذا الخيار للتركيز على القطاعات الأضعف، وعملا بروح التكافل مع بقية القطاعات المتضررة من الوباء، مؤكدا أن الزيادة ستعود لجميع الموظفين في بداية عام 2021.
وأضاف الرزاز: اتخذنا إجراءات أخرى استهدفت الفئات العليا من موظفي القطاع العام عبر خفض العلاوات والميزات سواء في الحكومة أو في الهيئات المستقلة أو الشركات المملوكة للحكومة، "وذلك أيضا من منطلق التكافل وحماية الفئة الأضعف في المجتمع".
وشدد على أن الوضع المالي في المملكة يتطلب من الجميع الالتزام بدفع الضرائب، مشيرا إلى أن دفع الضريبة ليست منّة بل هي واجب لمن يحقق ربحا في الاقتصاد الأردني وموجود على الأرض الأردنية ويستخدم مهارات وموارد أردنية.
وتابع: "دفع الضريبة واجب وحق للمجتمع الأردني لأن هذه الضريبة هي التي تموّل رواتب القطاع العام والخدمات التعليمية والصحية وغيرها من الأمور الأساسية التي ساعدتنا على اجتياز هذه الجائحة".
ووجه رئيس الوزراء بهذا الصدد، الشكر لكل أصحاب العمل الذين تحملوا الضائقة المالية بسبب الأزمة وأبقوا على موظفيهم، مثنيا أيضا على أصحاب الشركات الذين دفعوا الضريبة في وقتها.
وقال الرزاز إن الحكومة تدرك وتتفهم وضع القطاعات التي تضررت بسبب الجائحة، وتدرس مسألة دعمها من خلال إجراءات خاصة مع الأخذ بالاعتبار القطاعات الأضعف التي تعرضت لهزة كبيرة كقطاعي السياحة والنقل، مشيرا إلى أن الحكومة بدأت بتوجيه حزم إصلاحية لهذين القطاعين، للوصول إلى مرحلة التعافي خلال الفترة المقبلة.
وأشار إلى أن الأفق في المرحلة المقبلة يتجه نحو التعافي والتحسن والمنعة في اقتصادنا، لافتا إلى أن الأردن اليوم مشمول بالرحلات السياحية التي ترغب الدول المجاورة إرسالها عند فتح حركة الطيران.
وأضاف "نسعى لفتح حركة الطيران مع الدول المشابهة لوضعنا الوبائي، خصوصا أننا حافظنا على مستوى مميز من عدد الإصابات لغاية الآن والحمد لله، مؤكدا أهمية التمسك بثقافة ومنهج الأسرة الواحدة المتكافلة المتعاضدة بالتوازي مع الإنجاز الصحي.
وقال رئيس الوزراء: "أمام هذا المنهج هناك منطق آخر، هناك منطق مناعة القطيع وشريعة الغاب، ومنطق البقاء للأقوى، ومنطق الاستقواء على الدولة والقانون، موكداً أن الأردن وبحمد الله دولة قوية عندما تذهب باتجاه الأسرة الواحدة المتماسكة بقوتها ومبادئها، لأنها لا ترضى البقاء للأقوى، ولكنها تصرّ على مبدأ آخر ألا وهو حماية الأضعف وهو خيار واضح اختاره الأردني الأصيل".
وأكد أن جلالة الملك عبد الله الثاني يصرّ، في توجيهاته للحكومة، على ضرورة مراعاة الجوانب الإنسانية والاجتماعية والظروف المعيشية للمواطنين، خصوصاً في ظل ما هو قادم من تحديات وفرص كبيرة للأردن.
وحول الملف الصحي، أكد الرزاز أن الأردن يعد من أفضل الدول أداء في القطاع الطبي، الذي سيكون واعد مستقبلا، مشيرا إلى استمرارية الإجراءات الحكومية والاحترازية من الموجة الثانية المحتملة من انتشار فيروس كورونا، وذلك من خلال مواصلة استقبال العائدين من المواطنين والطلاب والذين تقطعت بهم السبل من الخارج، مع الحرص على تشديد الإجراءات المتعلقة بالحجر الصحي، بهدف حمايتهم وذويهم والحفاظ على صحة وسلامة المجتمع.
وحول الملف الاقتصادي، أشار الرزاز إلى أن هناك قطاعات واعدة ستنطلق في القريب العاجل، لافتا إلى القطاعات التي تأثرت بسبب جائحة كورونا، كالسياحة وبعض القطاعات الحيوية الأخرى، التي تعمل الحكومة على حزم متكاملة لدعمها، مع الاستمرار بحماية الحلقة الأضعف في الاقتصاد وسوق العمل بشكل كامل.
وفيما يتعلق بالتحدي الخارجي للمملكة والمتعلق بأطماع الاحتلال بضم أراض في الضفة الغربية، قال رئيس الوزراء: "إما طريق السلام وإما طريق الصراع"، مؤكدا أن إجراءات الضم ستقود إلى طريق الصراع "ونحن كأردنيين نقف جميعا صفا واحدا خلف القيادة الهاشمية والثوابت الأردنية".
واختتم الرزاز تصريحاته قائلا: "سنتواصل باستمرار حول هذه المواضيع لأننا بحاجة إلى أن نتحاور ونستمع ونشخص الواقع ونضع التصورات حول المستقبل والقادم أفضل إن شاء الله".