ابتدعت ربات بيوت ومن وحي ظروف جائحة فيروس الكورونا المستجد المزيد من طرق ترشيد الاستهلاك، وترتيب اولويات التبضع لشراء المواد الاساسية فقط دون الكماليات، بما يضمن استدامة القدرة الشرائية التي تأثرت حكما لافراد فقدوا مصادر رزقهم او انخفضت رواتبهم او تيقظوا لاهمية التوزيع المنطقي لمداخيلهم في ظل كورونا.
واعرب العديد منهن عن سعادتهن أثر اكتشافهن لقدرات اضافية مكنتهن من التكيف اثر ظروف الحجر والحظر، التي تقاطعت ايضا مع شهر رمضان المبارك، وهو شهر المحافظة على النعمة والبعد عن الاسراف والتبذير، حيث ابتدعن الكثير من طرق التدبير المنزلي توازيا مع قيم رواتب اسرهن، وخاصة المتواضعة منها.
اعتدال العميريين، 50 سنة، تقول ان تجربة كورونا جعلت منها ربة بيت مختلفة، اذ انها اضحت تقتصد بكل شيء، ففي مرحلة ما قبل كورونا، كانت لا تهتم، مثلا، لكمية اللحم والدجاج في الطبخة الواحدة، ولكنها في ظل كورونا قللت تلك الكمية وفقا لعدد افراد اسرتها الثلاث فقط.
ومثلها تقول الخمسينية سهام، متقاعدة، التي استغنت عن شراء كميات كبيرة من الفواكه او المعلبات او الحلويات، كما كانت تفعل سابقا، فيما تشتري الآن الفواكه بالعدد وليس بالكيلو، مؤكدة انها ايضا تحافظ على بقايا الخبز الذي كانت تتخلص منه سابقا، لتحوله بعد تحميصه الى فطور قوامه" فتة الخبز بالشاي" واذا توفر الحليب فلا بأس، على حد قولها.
وترى شادن، موظفة قطاع خاص، إن أزمة كورونا أحدثت تغييرا جذريا في أنماط الاستهلاك لديها مع التركيز على السلع الضرورية وليس الكماليات، والشراء من البقالات الصغيرة بدلا من المولات ذات العروض المغرية، وذلك بعد إغلاقها اثر اوامر الدفاع حفاظا على صحة المجتمع.
وتضيف، أن التدبير المنزلي اصبح الصفة السائدة لدى الاسر، حيث العودة لتحضير"المونة" والحياة البسيطة بأقل التكاليف وتطبيق سياسة الاقتصاد المنزلي وعدم التبذير مطلقا، لافتة الى ان صعوبة المرحلة " علمتنا المزيد من الحرص وتجنب الاسراف تحسبا من نفاذ كميات المؤن في ظل الحجر والحظر واستحالة الشراء بعد السادسة مساءً.
وفي ذات السياق تقول الاربعينية سهاد منذر، ربة بيت، ان الحياة اثر كورونا تغيرت، وتعلمنا منها كيف يمكن ان نوفر في كل شيء، وان نستغني عن أمور كنا نخالها ضرورية، مثل التبضع غير المبرر"الشوبينغ"، والذهاب لصالونات التجميل، وشراء الاكسسوارات والاحذية والملابس والادوات المنزلية غير الهامة، وتعلمنا ايضا انه بالامكان توفير استهلاك وقود السيارة، طالما لنا القدرة على المشي طلبا لحاجياتنا من اقرب دكانة.
وتضيف "ان كورونا وفر علينا المبالغ التي كنا نصرفها في الافراح والمناسبات كالالتزام بواجب الهدايا والنقوط وغيره"، وانها ستسحب ذلك على ما بعد كورونا لما فيه من توفير مالي لصالح امور اكثر اهمية.
يقول خبير الاقتصاد حسام عايش تمكنا في الاردن بفضل الله وجهود الدولة بكل اجهرتها من النجاح في ادارة ملف كورونا، مضيفا ان مرد هذا النجاح يعود لقدرة افراد المجتمع على التكيف مع ظروف المرحلة، ومن ذلك تمكنّ ربات بيوت ايضا من ابتداع الكثير من طرق التوفير في الطعام والشراب والملبس وغير ذلك.
ويبين انه ليس كورونا هو المستجد فحسب، بل ان المستجد في حياتنا كل ما انبثق عن الازمة من ثقافة وعادات وقيم جديدة فرضت نفسها علينا، لافتا الى أن ضرورة استثمار كل ذلك الى ما بعد كورونا، اذ ان الترشيد والتوفير هما من اساسيات العيش باتزان صحي واجتماعي واقتصادي، على حد تعبيره.
ويلفت عايش الى ان تداعيات ازمة كورونا اعطتنا دروسا من اهمها التحوط للمستقبل وللمخاطر المتوقعه ولحالات الطوارىء والازمات، والتخطيط المدروس للمستقبل، لافتا الى ان يسميه ب"تسونامي كورونا" فرض ايقاعه على كل الناس، وقادهم لخفض الانفاق والعدول عن اي شراء عشوائي او ثانوي، كما ان طيلة عمر الازمة وعدم اليقين من يوم محدد لخلاصها حفزهم اكثر على الترشيد.
ويتابع ان ظروف كورونا تقاطعت وشهر رمضان المبارك الذي من قيمه الاعتدال وعدم الاسراف والتبذير، وادى ايضا الى توفير الكثير من نفقات مظاهره، كتبادل دعوات ولائم الافطار، والتي غابت حكما بسبب الظروف الداعية لعدم الاختلاط.
وفي سياق ذي صلة يؤكد عايش أن الاردن الذي برع في ادارة ازمة كورونا، صنع النصر على انتشار المرض حتى هذه اللحظة بتوقيع اردني وطني خالص، مشيرا الى ان خطة الاستجابة لمواجهة كورونا اعتمدت على السرعة والارادة والحزم الناعم والانتصار لارادة الحياة، وكلها قيم اردنية نستطيع البناء عليها اقتصاديا واجتماعيا وصحيا لمرحلة ما بعد كورونا.
بدوره يؤكد المتخصص في الاقتصاد السياسي زيان زوانة أن ظروف فيروس كورونا اثّرت بشكل عميق على مجمل الحياة بجوانبها الاقتصادية والاجتماعية، وابرزت احلى ما في الاردنيين من مقدرة عظيمة على التكيف وامتصاص الصدمة والتعايش معها والصبر عليها، مشيرا الى انها كانت اياما عصيبة، "لكننا تدربنا خلالها على التخلي عن الاستهلاك التفاخري غير المجدي وغير المنتج الذي كان يستنزف الموارد المالية للأسر بشكل لا مبرر له".
ويلفت الى أنه وكما برعت ربات بيوت في ترشيد الاستهلاك، عمد كثيرون لاستخدام عربات الاطفال او الحقائب المزودة بدواليب، اثناء التبضع مشيا على الاقدام، وهذا ايضا من صور التكيف.
ويشير زوانة وهو المستشار الاسبق لمحافظ البنك المركزي الاردني، الى سبل اخرى لترشيد الاستهلاك عبر الالتفات للزراعة المنزلية واحياء"الحاكورة"، لمن يتوفر لديه مساحة خضراء ولو بسيطة، مؤكدا ضرورة تفعيل القطاعات الاقتصادية المنتجة كالصناعات الغذائية وصولا للاكتفاء الذاتي في مرحلة ما بعد كورونا.