شكّل طرد بلغاريا لروس بينهم دبلوماسيون اتهمتهم بالتجسس ومواطنون متهمون بالشروع بالقتل خلال الاشهر الأخيرة ضربة للفرضيات بشأن علاقاتها مع موسكو لتصبح في قلب صراع بين قوتين عالميتين.
ويشير محللون إلى أن عمليات الطرد والاتّهام لم تكن لتحدث في الماضي مع سعي الدولة التي كانت ضمن الاتحاد السوفياتي للحفاظ على التعاون في مجالي الاقتصاد والطاقة مع روسيا.
وقالت فاسيلا تشيرنيفا من المكتب البلغاري التابع لمركز أبحاث المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية لفرانس برس "إنه أمر جديد. سنرى إذا تحوّل إلى اتّجاه" معتمد من قبل صوفيا.
بدوره، قال المحلل السياسي أنتوني تودوروف إن بلغاريا باتت "في قلب الصراع الجيوسياسي الروسي الأميركي لإعادة توزيع النفوذ".
وبدأت هذه الخطوات في أيلول سبتمبر العام الماضي عندما اتُّهم الناشط المؤيد لموسكو نيكولاي مالينوف بالتجسس.
وقال المدعون إن النائب البلغاري السابق عمل على "تغيير توجّهات بلغاريا الجيوسياسية" وتلقى تمويلاً من المصرفي الملياردير قسطنطين مالوفيف المقرّب من الكرملين الذي مُنع كذلك من دخول بلغاريا.
اقرأ أيضاً : بلغاريا تحتج على تصريحات "مهينة" ادلى بها الرئيس الفرنسي
وطُلب بعد ذلك من ثلاثة موظفّين في السفارة الروسية في صوفيا المغادرة على خلفية تهم تتعلّق بالتجسس بينما تم منع اثنين آخرين من دخول البلاد.
والشهر الماضي، تم توجيه تهم بمحاولة القتل لثلاثة روس لم تُنشر أسماؤهم على خلفية تسميم تاجر الأسلحة البلغاري إميليان غيبريف.
وقالت سفيرة بلغاريا السابقة لدى الولايات المتحدة إلينا بوبتودوروفا لإذاعة "أوروبا الحرّة" إنه "سيكون لهذه الإعلانات غير المعتادة من قبل الادعاء العام تأثيرها على الرأي العام".
وأضافت أنها "ستجعل على الأرجح البلغاريين العاديين يفهمون بأن روسيا، بغض النظر عن أهميّتها بالنسبة إلينا، ليست حليفتنا".
وبقيت بلغاريا، التي حررتها الإمبراطورية الروسية من خمسة قرون من الحكم العثماني عام 1878، أكثر بلد ولاء للاتحاد السوفياتي حتى انهيار الشيوعية سنة 1989.
وبعد انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، لا تزال الدولة ذات الغالبية الأرثوذكسية وتعد 7,1 مليون نسمة متأرجحة بين الشرق والغرب.
وفي حين يستمر رئيس الوزراء المحافظ بويكو بوريسوف في السلطة منذ العام 2009 على أساس خطّه المؤيد للغرب، يحظى الرئيس رومين ريديف بدعم الحزب الاشتراكي البلغاري، المقرّب تقليديًا من موسكو.
خط أنابيب مثير للانقسامات
وينبع نفوذ روسيا الراسخ من حضورها الاقتصادي في بلغاريا، إذ تقدّر استثمارات موسكو بأنها تشكّل نحو 11 بالمئة من إجمالي الناتج الداخلي.
ولدى الشركات الروسية مصالح في قطاعات غاية في الأهمية على غرار الاتصالات والإعلام والعقارات، بحسب "مركز دراسة الديموقراطية" في صوفيا.
وفي قطاع الطاقة، تعتمد بلغاريا بشكل تام تقريبًا على روسيا للحصول على الغاز الطبيعي، بينما بني مصنعها الوحيد للطاقة النووية ابان العهد السوفياتي ويعمل بوقود روسي. وتملك مجموعة "لوك أويل" الروسية العملاقة مصفاة النفط الوحيدة في بلغاريا.
وأثارت صوفيا حفيظة الولايات المتحدة -- التي تتحرّك للحد من اعتماد أوروبا على الغاز الروسي -- عندما قررت تمديد خط أنابيب "تورك ستريم" على أراضيها.
ويعد "تورك ستريم" مشروعًا تركيًا روسيًا مهمًا لنقل الغاز الروسي عبر البحر الأسود.
وقال سفير بلغاريا السابق لدى موسكو إليان فاسيليف "بالنسبة لتورك ستريم، قام رئيس الوزراء بوريسوف بالمستحيل، محاولاً الموازنة بين مصالح روسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة".
وفسّر بعض المحللين التحقيقات المرتبطة بروسيا على أنها محاولة من صوفيا للتصالح مع واشنطن.
والأربعاء، اتّهم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قاضيًا بلغاريًا بالفساد وفرض عليه حظر سفر، في أول إجراء من نوعه من قبل واشنطن بحق بلغاريا.
وقالت سفيرة الولايات المتحدة لدى صوفيا هيرو مصطفى خلال مقابلة تلفزيونية هذا الأسبوع "هذا مجرّد أول اسم، وسيكون هناك غيره".
وسبق أن سمح القاضي لمالينوف، الناشط المؤيّد للكرملين، بالسفر إلى روسيا لتسلّم جائزة رسمية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعدما اتّهم بالتجسس لصالح موسكو.
وقال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم بوتين، إن الجائرة كانت لتكريم مالينوف على "مساهمته في تطوير الصداقة والتعاون بين بلدينا" وحذّر من "التداعيات السلبية للغاية" للإضرار بالعلاقات بين البلدين.