ناقشت لجنة الصحة والبيئة النيابية مع دائرة الإفتاء العام الفتوى المتعلقة بـ"حكم ترك انعاش المريض الميؤوس من حياته في حال توقف القلب".
جاء ذلك خلال اجتماع عقدته اليوم الثلاثاء برئاسة النائب الدكتور محمد العتايقة وحضور مفتي عام المملكة سماحة الشيخ عبد الكريم الخصاونة وامين عام دائرة الإفتاء الدكتور احمد الحسنات ومدير الإفتاء الالكتروني وعضو لجنة الاخلاقيات الطبية الدكتور جميل أبو سارة.
وثمن النائب العتايقة في مستهل الاجتماع الجهود التي تبذلها دائرة الإفتاء لخدمة المجتمع الأردني خصوصاً دورها الرائد في صناعة الفتوى والبحث الشرعي وتقديمها للأفراد والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية مؤكداً ان لا تشريع ولا قانون يعلو على تشريع الخالق وسنة رسوله الكريم.
وأكد العتايقة ان الفتوى موضوع النقاش واضحة وصريحة ومهمة جداً كونها تمس حياة الانسان ومرتبطة بالطب والتداوي، قائلاً اننا نعلم تماما انكم تستندون في عصرنا الحالي الى مسألة القياس حيال بعض القضايا والأمور الحياتية.
وشدد حرص اللجنة على ضرورة اتخاذ كافة الإجراءات الطبية والوسائل العلاجية للحفاظ على حياة الانسان، مضيفاً "اننا معنيون بالحرص على حياة الانسان وعلينا جميعاً تكثيف جهودنا واتخاذ السبل الكفيلة للحفاظ عليها حتى اخر رمق."
وأشار العتايقة الى ان مجلس النواب اقر قانون المسؤولية الطبية والصحية والتي تنص المادة 16 الفقرة أ منه على انه " لا يجوز إنهاء حياة متلقي الخدمة أيا كان السبب ولو كان بناء على طلبه او طلب وليه او الوصي عليه ".
كما ان المادة 16 الفقرة ب تنص على انه " لا يجوز رفع اجهزة الانعاش عن متلقي الخدمة إلا إذا توقف القلب توقفا تاما ونهائيا، او توقفت جميع وظائف الدماغ توقفا تاما ونهائيا وفقا للمعايير الطبية الدقيقة وقرر الاطباء المعالجون بان هذا التوقف لا رجعة فيه."
وقال العتايقة ان ما يهمنا توضيح النصوص القانونية والفتوى وإزالة اي غموض بهذا الشأن بحيث تصبح الامور واضحة للطبيب المعالج مؤكداً ان من أصعب الحالات اعلان الوفاة ويجب ان يسبق ذلك خمس علامات حيوية.
من جهتهم قال النواب احمد الرقب ورندة الشعار وشاهة العمارين ان دائرة الإفتاء تعد مرجعية فقهية إسلامية رائدة وهي محط ثقة واحترام لدى الشعب الأردني، لافتين الى ان هناك حالات صعبة ومعقدة تحتاج الى الدقة ويجب دراستها على حدا بشكل جلي بحيث يكون الحكم عليها صحيح.
بدوره، قال الخصاونة ان دائرة الإفتاء تُعرض عليها أسئلة كثيرة في جميع المجالات خصوصاً الأسئلة الطبية ونحن لسنا أصحاب اختصاص بالإجابة على تلك الأسئلة لا سيما في ظل المستجدات الطبية وعندما يأتي سؤالا كهذا لا يستطيع المفتي ان يجيب عليه ولا بد من الاستعانة بأصحاب الاختصاص ، حيث يتم عرضه على مجموعة من الأطباء من ذوي الاختصاص بالحالة ممن مشهود لهم بالعلم والخبرة وفي ضوء ذلك يجتمع مجلس الإفتاء ويستمع الى اراء الأطباء بهذا الشأن ومن ثم يقوم بإصدار الفتوى مؤكداً انه وقبل كل ذلك يتم التحري وأجراء بحوث ودراسات دقيقة لبلورة تصور شامل ومانع ومحكم حرصاً على حياة الانسان .
وحول حالة الانسان الذي يرفض التداوي، أكد الخصاونة انه لدينا فتوى تحرم ذلك ونحن حريصون جداً على اصدار الفتوى بكل دقة، مشدداً على أن المجلس لا يصدر أي فتوى الا بعد ان يستوفي جميع الدراسات والأبحاث.
وفي نهاية الاجتماع، اكدت اللجنة ضرورة عقد المزيد من الاجتماعات ما بين دائرة الإفتاء والجهات المعنية بأطباء الاختصاص لبحث هذا الامر والاجابة على جميع التساؤلات وتوضيحها.
كما اكدت أهمية الاطلاع على آخر الدراسات الطبية والعلمية المتعلقة بهذا الموضوع، فالعلم والطب في تطور مستمر ويجب مواكبته.
وكانت دائرة الإفتاء أصدرت فتوى بـ27 تشرين الأول الماضي رداً على سؤالٍ "ما الحكم الشرعي في عدم إجراء الإنعاش القلبي للمريض في حال توقف القلب، بناء على طلب مسبق من المريض نفسه، أو من أحد أقاربه من الدرجة الأولى؟".
وتالياً نص الجواب : "الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.. حثّ الشّرع الحنيف على التداوي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ) رواه أبو داود، والواجب على المريض وأهله الأخذ بالوسائل العلاجية المباحة خاصة فيما يتعلّق بإنعاش القلب صيانة للنفس وحفظاً لها من التهلكة، كذلك على الأطباء القيام بكل الإجراءات الطبية التي يمكن أن تساعد في إنعاش أعضاء المريض كالقلب والرئتين، قال الله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} الأنعام/151، وقال الله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا. وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا} النساء/29-30.
أما إذا غلب على ظنّ الأطباء أنه لا أمل في إنعاش القلب، أو في الشفاء، فيجوز ترك الإنعاش، وهذا ما جاء في قرار مجلس الإفتاء الأردني برقم (117)، ونصّه: "رأى المجلس أنه لا مانع شرعاً من عدم وضع مريض السرطان على أجهزة الإنعاش أو التنفس أو مباشرة غسيل الكلى، إذا تأكد وتيقّن الفريق الطبيّ المعالج أنه لا يوجد أية فائدة ترجى للمريض من ذلك، شريطة أنْ يؤيد ذلك تقرير من فريق طبي لا يقل عن ثلاثة أطباء، مختصين، عدول، ثقات.
وذلك لأنّ وضع المريض على هذه الأجهزة، أو مباشرة غسيل الكلى، ليس له أي فائدة في شفاء المريض، ولا يقدم ولا يؤخر في أجل الموت؛ لأنّ الأجل بيد الله عز وجل، قال الله تعالى: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} المنافقون/11.
ومما يدلّ على جواز التوقف عن استعمال العلاج للمريض في حال الدلالة على أنه لا فائدة منه ما حدث لعمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما طعن في المسجد، فأتي بنبيذ(*) فشربه، فخرج من جوفه، ثم أتي بلبن، فشربه، فخرج من جوفه، فعرفوا أنه ميت، ولم يقوموا بعلاجه؛ لأنهم علموا أنْ لا فائدة من العلاج فهو في حكم الميت، وذلك يدل على أنّ الحياة المستعارة في حكم العدم في مثل هذا الحال".
وعليه؛ فإنه يجوز للمريض إن كان واعياً التوقيع على نموذج مسبق بعدم إجراء الإنعاش القلبي له أو التوصية بذلك، أما إن كان المريض فاقداً للوعي، فيجوز لأقربائه المقربين التوصية بعدم إجراء الإنعاش القلبي للمريض في حال توقف القلب؛ إذا ثبت طبياً أنه لا فائدة من هذا الإجراء وفق كلام الأطباء المختصين الثقات. والله تعالى أعلم".
* النبيذ: ماء محلّى بقليل من التمر وليس من الخمر المسكر.