تجاوز الأردن معدل التمييز في الاجور بين الجنسين في الاردن، النسبة العالمية بسبع نقاط ليصل الى 27%، اذ تشير البيانات الرسمية إلى أن هذه الفجوة تشمل القطاعين العام والخاص.
متخصصون يرجعون اتساع فجوة الاجور، الى عدم انفاذ القانون، اضافة الى ما يشبه التواطؤ العام في قبول التمييز، فيما اخطرها صمت الاناث على الغبن الذين يلحق بهن. ويتفاقم مفعول التمييز في الاجور حين تقبل المرأة به، اذ تحجم عن التقدم بأي شكوى لأي جهة كانت، ما يعني الموافقة عليه ضمنيا، حسب هؤلاء المتخصصين.
"سمر يعقوب" ارملة خمسينية تعيل اسرة من اربعة افراد كبار، تقبل باجر زهيد في احد مصانع "البسكويت"، على الرغم من طول وقت العمل، في الوقت الذي تبحث فيه عن مساعدات من هنا وهناك لتتمكن من تعليم ابنتها الوحيدة.
أمّا "سهى محمود" التي تمضي ساعات طويلة مقابل أجر زهيد في صالون تجميل، فلا تملك تأمينا أو ضمانا، لكنها تسكت عن المطالبة بأي شيء خشية فقدان وظيفتها.
مدير مديرية التفتيش بوزارة العمل عدنان الربابعة يقول إن التشريعات الناظمة للأجور تساوي بين الرجل والمرأة، ففي القانون لا يوجد تمييز يستند لنوع الجنس لأي سبب كان، ويوضح أن نسبة الأجر مرتبطة بمقدار العمل لا بالشخص الذي يؤديه.
الربابعة يُذكِّر بتعديل قانون العمل في نيسان الماضي، وهو يفرض عقوبة بغرامة من 500 إلى 1000 دينار أردني على كل مخالفة "تمييز بالأجر بين الجنسين للعمل في القيمة المتساوية".
ويضيف موضحا أنّه "على الرغم من وجود تشريعات تساوي بين الجنسين في الأجور، إلا أن تطبيقها لم يكن نافذا على أرض الواقع، لذلك نجد تفاوتا في الأجور قائما على الجنس في القطاع الخاص". ويرى ان ما يجذر هذه المشكلة هو أن التشريعات التي تمنع التمييز وضعت قبل سنوات عدة وعدلت حديثا، لذلك يصعب تطبيقها بشكل تفصيلي، فتمييزها يحتاج لخبرة ودقة، "لذلك لا نستطيع إلزام كل شركة ومؤسسة بأن هذا عامل وهذه عاملة، يجب أن يحصلا على الأجر ذاته، لأن الالزام يستدعي معرفة كفاءة العاملين وخبراتهم وشهاداتهم، للجزم بأنهم متساوون في المؤهلات وبالتالي يجب أن يتساووا بالرواتب". وتبعا لذلك، يدعو الربابعة أصحاب الأعمال لمعرفة مستوى كل عامل لديهم وإعطائه أجره الذي يستحقه دون تمييز.
ويعزو الربابعة وجود هذه الفجوة إلى ثقافة يكرسها قبول العاملين والمجتمع، مؤكدا انه "لغاية هذه اللحظة لم ترد وزارة العمل أي شكوى بوقوع تمييز في الأجور على الرغم من وجود كثير من الحالات". ويلفت الى أن سكوت المرأة عن حقها وعدم الاعتراض على الرغم من بذلها نفس الجهد الذي يبذله زملاؤها الذكور، هو السبب الرئيسي في تنامي الفجوة الجندرية في الرواتب بين العاملين في القطاع الواحد.
يقول الأمين العام لوزارة العمل سابقا والمستشار القانوني حمادة أبو نجمة، ان الفروق في الأجور يعد إخلالا صريحا بقواعد العدالة على مستوى العمل، وإضعافا لقدرة النساء على مواجهة الأعباء الاقتصادية والتحديات المستقبلية، عدا عن كونه مؤشرا على ضعف التمثيل النسائي في المناصب القيادية والإدارية العليا في القطاعين العام والخاص.
والاخلال في الاجور، يؤدي حسب ابو نجمة، الى الإضرار بالاقتصاد بشكل عام، إذ أن مشاركة امرأة واحدة في سوق العمل الأردني تعني إضافة (13) ألف دينار سنويا للاقتصاد من (أجور وأرباح للشركات وضرائب للخزينة)، كما أن زيادة القدرة الشرائية للأسرة يساهم في إنعاش الأسواق والحركة الاقتصادية.
وحسب ابو نجمة، فان تقرير منظمة العمل الدولية للعام 2018 ، يؤكد أن فجوة الأجور في الأردن تبلغ 27%، وهو معدل يزيد يتجاوز المعدل العالمي البالغ 20%، اذ تشير البيانات إلى أن الفجوة في الأجور قائمة في كلا القطاعين العام والخاص، حيث تقدر البيانات المحلية لكل من دائرة الإحصاءات العامة ومؤسسة الضمان الاجتماعي فجوة الأجور في القطاع العام بين 13 و16%، بينما تصل في القطاع الخاص إلى 18%، وتزداد في الأعمال التي تزيد فيها نسبة النساء، كالقطاع الصحي الذي تبلغ فيه الفجوة 31.8%، وقطاع التعليم الخاص 30.2%.
"يمثل الفصل المهني في القطاع العام والقطاع الخاص بين الذكور والإناث عاملا أساسيا في فروقات الأجور وتوابعها والامتيازات بمختلف أشكالها" حسب أبو نجمة، الذي يوضح أن تلك نتيجة لتركز النساء في وظائف نمطية وذات أجور منخفضة، إضافة للقيود التقليدية على عمل المرأة في أوقات عملها وطبيعة الأعمال والمهام التي تمارسها.
وهذا التركز، يرى ابو نجمة انه يتسبب في ارتفاع حالات الاستغلال في مضمون عقود العمل التي تتضمن أجورا وامتيازات أقل من تلك التي يحظى بها الرجل، مثل العمل في التعليم الخاص، وكذلك المخالفات المتعلقة بأجور العمل الإضافي والعطل، وفروقات الأجور أو العلاوات القائمة على الوضع العائلي، مثل علاوة غلاء المعيشة، وتعويض السكن، وتكاليف النقل، والإعانات للتعليم.
ويؤكد انه على الرغم من فرض عقوبة على التمييز بالأجور حسب قانون العمل، أنه لم ينص على آليات وسبل محددة لتقييم العمل الذي يؤديه كل من المرأة والرجل تقييماً منصفاً لتحقيق الإنصاف في الأجر، الأمر الذي يصعب معه تطبيق النصوص الجديدة الخاصة بالمساواة في الأجور.
"أما بالنسبة لأشكال التمييز الأخرى فلم يعالجها القانون حتى اللحظة" حسب أبو نجمة، الذي يقول ان "من ذلك حالات التمييز في الأجور بين العاملين الذكور أنفسهم أو بين الإناث أنفسهن، كما ان التشريع الأردني ما زال يفتقد إلى نصوص تحظر نشر إعلانات عمل تمييزية، أو تحظر الأسئلة التي قد تشير إلى اعتبارات تمييزية في مقابلة العمل في ظل وجود حالات من التمييز بين العمال في إجراءات وممارسات مؤسسات القطاع الخاص وأنظمتها الداخلية".
رئيسة مركز الجندر للاستشارات الاجتماعية الدكتورة عصمت حوسو تنتقد "التنظير النسوي والشعارات التي جاءت من الغرب"، لكنها لا تجزم بأن التوظيف في الاردن قائم على الكفاءة في القطاع العام والخاص، فـ"التفاوت محصور بالمهن المنمطة اجتماعيا بأنها للمرأة، كالسكرتاريا والتعليم وغيرها".
حوسو ترى "أنه لو كان هناك تفاوت في الأجور بين الذكور والإناث، فلا يعتبر مشكلة كبيرة، لأننا في الاردن نعاني أصلا من ضعف اقتصادي يشمل الجميع".
وترفض حوسو المساواة بين الرجل والمرأة، بل وترى ذلك ضربا من العدالة، "لأن المساواة تفرض على المرأة أن تكون مثل الرجل في كل شيء، وهذا مرفوض لأن لكل واحد منهما دورا يتحمله لا يقدر عليه الآخر".
مدير المرصد العمالي الاردني أحمد عوض، يقول القطاع العام لا يعاني كثيرا من التمييز بالأجور، لأنه خاضع لنظام واضح ومحدد في نظام الخدمة المدنية، لكن انسحاب المرأة من سوق العمل في القطاع العام أعلى منه عند الرجال، بما يؤثر على فرص حصولها على ترقيات وتحسين راتبها. ويوضح أن المرصد يعمل على مراقبة سوق العمل وإعداد الدراسات والبحوث التي تكشف عن هذه الانتهاكات والاختلالات وأثرها، من خلال إعداد أوراق نقد الموقف وتقارير وسياسات تطبيقها يتم تقديمها للبرلمان ومؤسسات المجتمع.
رئيس الاتحاد العام للنقابات العمالية المعايطة قال إن الذي يعزز ثقافة تفاوت الأجور بين الجنسين ثقافة مجتمعية، لأن الإنفاق مطلوب من الرجال غالبا، على الرغم من وجود سيدات معيلات لأسرهن بسبب الانفصال أو موت الزوج أو حتى مرضه وعجزه عن العمل.