الواسطة: مؤشر عدم التيقن من الشفافية وانفاذ القانون

الأردن
نشر: 2019-11-25 12:14 آخر تحديث: 2023-06-18 12:32
تعبيرية
تعبيرية

الواسطة والمحسوبية تعتبر موروثا اجتماعيا وثقافة مجتمعية مقبولة عملياً والجميع يحاربها نظرياً و لكنه يلجأ إليها عملياً رغم انها تشكل تهديداً حقيقياً للتماسك الاجتماعي و تولد الاحتقان والشعور بالغضب لدى عامة المجتمع.

ويحذر الخبراء من استمرار وانتشار هذه الثقافة الذي سيؤدي سينشئ جيلا يُعد الواسطة أمراً مسلّماً به، ليستمر الاعتماد عليها في انتهاك حقوق الآخرين والاستيلاء على فرصهم، فيما يذهب آخرون للقول بأن المسافة بين القانون والثقل العشائري والجهوي لا يزال أقل من مفهوم الدولة.

وفي الأردن، يرى خبراء أن الواسطة أصبحت الاسم "الحركي" للمجتمع في كثير من الأحيان، موضحا ان هذه الظاهرة ترتبط بالمجتمعات المتحولة التي تنطلق من علاقات اجتماعية بسيطة باتجاه أطراف المدينة وليس المدينة ذاتها.


اقرأ أيضاً : النائب منصور مراد يكشف عن شبهات فساد بملفات عدة .. فيديو


وتاليا تقرير نشرته وكالة بترا الإثنين يتحدث عن الواسطة في الأردن:

تطرقُ الاسماعَ عادةً اسئلةٌ مثل "حواليك واسطة ثقيلة؟!" أو "عندك حدا بيمون؟"، و "شو يقرب لك فلان؟" مجسدة عدم الايمان بالشفافية والتشريعات الناظمة.

وفي الوقت الذي تعمل فيه الحكومة على توفير خدماتها إلكترونياً، فإن عدم وجود معايير وأسس واضحة ومكشوفة يتم التقيّد بها لتسيير المعاملات وإنجازها، وتوظيف المتعطلين عن العمل وتشغيلهم، يحول دون القضاء على ثقافة البحث عن واسطة، ما يعزز من نمو هذه الظاهرة وتفشيها.

خبراء يحذرون من ان استمرار هذه الثقافة، سينشئ جيلا يُعد الواسطة أمراً مسلّماً به، ليستمر الاعتماد عليها في انتهاك حقوق الآخرين والاستيلاء على فرصهم، فيما يذهب آخرون للقول بأن المسافة بين القانون والثقل العشائري والجهوي لا يزال أقل من مفهوم الدولة.

ولأن "الواسطة" بمفهومها الأشمل تعد خرقاً لمبادئ حقوق الإنسان، فلا بد من تعزيز الرقابة القضائية على كل من يرتكب هذه المخالفة مهما كان موقعه، وتبيان المعايير المعتمدة للتقدم لأية أمور قد تخترقها الواسطة، إلى جانب تنفيذ برامج تشريعية وشعبية وإعلامية تسهم في تجريمها، لضمان تحقيق مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، يؤكد خبراء.

واستناداً إلى أرقام صادرة عن منظمة رشيد للنزاهة والشفافية الدولية (الأردن)، احتلت المملكة المركز الرابع عربياً على مؤشر مدركات الفساد لعام 2018، والمركز الـ58 عالمياً على المؤشر ذاته، بمجموع علامات بلغ 49 من 100، وبارتفاع درجة واحدة عن عام 2017، الأمر الذي يستدعي تكثيف الجهود لمواجهة الفساد بمختلف أشكاله وتطويقه وصولاً للقضاء عليه.

ويرى مواطنون، أن "الواسطة" قد لا تُعد عند بعض المسؤولين "فساداً" مباشراً يجرّمها القانون، وذلك مردّه لاعتبارات شخصية وعشائرية ومجتمعية تعزز من وجود هذه الظاهرة.

الرئيس التنفيذي لمركز الشفافية الأردني هيلدا عجيلات، أوضحت ان "الواسطة " ثقافة متجذرة بالمجتمع الأردني، باعتبارها الوسيلة الأقرب والأسرع لتقديم المساعدة، وذلك لغياب أسس واضحة يتم التقيّد بها، مبينة أن "التغيير الجوهري" هو ما نحتاجه لمواجهة هذه الظاهرة التي تعد من أوسع أبواب الفساد.

واشارت إلى أن "المشكلة تبدأ بنا كأفراد ممارسين للواسطة ومشجعين عليها، فيما ينشأ جيل يعد الواسطة أمراً مسلماً به، ليستمر الاعتماد عليها وانتهاك حقوق الآخرين وأخذ فرصهم في مختلف الأمور، الأمر الذي يستدعي التركيز على زيادة الوعي بمخاطر هذه الظاهرة على الفرد والمجتمع من جهة، وتضمين المناهج المدرسية والمساقات الجامعية بكل ما قد يحد من انتشار الواسطة من جهة أخرى".

"الواسطة بمفهومها الأشمل تعد خرقاً لأهم مبدأ من مبادئ حقوق الإنسان لكونها تحرم إنسانا من فرصة وتعطيها لآخر دون حق" حسب عجيلات، التي تحث كل من يتضرر للتقدم بشكوى للجهات المعنية، والتوجه لمركز الشفافية الأردني الذي يتعامل فريقه القانوني مع أي شبهة فساد ضمن الأطر القانونية المعتمدة.

في الاتجاه ذاته، رأى عميد كلية العلوم الاجتماعية في جامعة مؤتة الدكتور حسين محادين، أن الواسطة أصبحت الاسم "الحركي" للمجتمع في كثير من الأحيان، موضحا ان هذه الظاهرة ترتبط بالمجتمعات المتحولة التي تنطلق من علاقات اجتماعية بسيطة باتجاه أطراف المدينة وليس المدينة ذاتها.

ولفت الى أنه حتى وإن سكن الأفراد المدينة أو العاصمة، إلا أن جذورهم الاجتماعية هي الأكثر تأثيراً وتوجيهاً لسلوكهم الجمعي في هذه المدن المفترضة، وهذا ما تؤكده الأعراف العشائرية التي تسير بالتوازي مع القانون.

"الواسطة أصبحت سمة أساسية من صيرورة المجتمع الأردني وهويته السياسية والاجتماعية والثقافية"، اضاف محادين الذي استدرك بان "المسؤول في أي موقع يميل إلى استرضاء الشارع بصورة متدرجة، لحين وصول مجتمعنا إلى دولة القانون والمؤسسات الفعلية".

واشار الى أن الواسطة تجمّد بحكم قوتها ومعياريتها في الحكم على الأفراد، مختلف القوانين التي شكلت تصوراً متقدماً من الوعي والطموح على الواقع المعيشي، حيث المسافة بين القانون والثقل العشائري والجهوي أقل من مفهوم الدولة، بينما ترتكز العضوية في المدن الحقيقية على قيم المواطنة بصورة عامة وليس على المكونات الأولية، وهنا يكمن الفرق بين المدينة و"التريّف المدني".

وأكد أن "الحل يكمن في تطبيق نوعين من الضغط: داخلي وخارجي، ويكون الضغط الداخلي بإدراك المؤسسات المرجعية في إكسابنا السلوك المدني الصحيح، ابتداء من الأسرة والمدرسة، ومروراً بدور العبادة، وليس انتهاءً بالقرارات السياسية، فيما يتمثل الضغط الخارجي بتفعيل القانون كأداة أساسية تحكم الجموع والأفراد، وصولاً للإيمان الناضج بالحقوق والواجبات بوجه عام".

أستاذ الشريعة في الجامعة الأردنية الدكتور عبدالله زيد الكيلاني، اوضح أن "الواسطة " قد تكون في بعض الأحيان طريقة للوصول للحق وليس لظلم الآخرين، وهذا أمر مقبول، على حد تعبيره، أما إذا كانت وسيلة لحرمان إنسان من حقه من خلال أخذ فرصته في أي شيء وإعطائها لغيره دون وجه حق، كما يحدث أحياناً، فهذا أمر مرفوض جملة وتفصيلاً، استناداُ إلى قوله تعالى "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان".

واضاف انه إذا تشفّع أو توسّط فرد يعمل في موقع ما، لفرد آخر دون وجه حق، فإنه يكون قد ظلم مرتين، ظلم الأفراد الآخرين من حقهم عبر التوسط لأحدهم وحرمانهم من فرصتهم، وظلم الأمة من خلال إعطاء فرصة لفرد لا يستحق، وهذا ما ينطبق على مختلف أشكال الواسطة كبيرها وصغيرها.

وبين الكيلاني أن الحل يكمن في الالتزام بمعايير النزاهة والشفافية، وتعزيز الرقابة القضائية على كل من يرتكب هذه المخالفة مهما كان موقعه، وتبيان المعايير المعتمدة للتقدم لأية أمور قد تخترقها الواسطة، وصولاً لتفعيل دولة القانون والمؤسسات التي نطمح جميعاً إليها بوجه عام.

المستشار الإعلامي لهيئة النزاهة ومكافحة الفساد الزميل عمر عبندة، لفت الى نص المادة 16/أ/7 من قانون النزاهة ومكافحة الفساد رقم 13 لسنة 2016، والمتمثلة بقبول موظفي الإدارة العامة للواسطة والمحسوبية التي تلغي حقاً أو تحق باطلاً، وإلى الاستراتيجية الوطنية للنزاهة ومكافحة الفساد 2017-2025 التي أولت هذا الأمر اهتماماً خاصاً، وجعلته ضمن أهدافها في تفعيل منظومة النزاهة الوطنية، وترسيخ معايير ومبادئ النزاهة لإيجاد بيئة وطنية نزيهة ومناهضة للفساد. وقال إن الاستراتيجية أكدت على ضرورة الحد من ظاهرة الواسطة والمحسوبية بصورة تمنع من استخدامها وتفشيها في وظائف الإدارة العامة وخدماتها .

واضاف أن الاستراتيجية قد تبنت ضرورة التوعية بمخاطر الواسطة والمحسوبية والأضرار الناتجة عنها على مستوى الوطن والفرد، وكذلك العمل على إيجاد بيئة رافضة للواسطة والمحسوبية، وذلك من خلال تطوير وتنفيذ برامج تشريعية وشعبية وإعلامية تسهم في تجريم هذه الظاهرة، لضمان تحقيق مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، إلى جانب إعلاء شأن الشفافية ووضع المساءلة موضع التنفيذ وعلى الجميع.

عبدندة بين ان الهيئة وضعت برامج وقائية وللتوعية لتحقيق الردع الاستباقي الذي يضمن الحيلولة دون وقوع موظف الإدارة العامة في فخ الواسطة والمحسوبية عبر برامج التوعية المستمرة، ومن خلال فرق الامتثال العام التابعة للهيئة التي تزور الوزارات والدوائر والمؤسسات الحكومية للتأكد من التزامها بمعايير النزاهة الوطنية.

واشار الى أن الهيئة أحالت العديد من قضايا الواسطة والمحسوبية إلى القضاء، الذي بدوره أصدر أحكام إدانة في بعضها وفقا لمستشارها عمر عبنده.

أخبار ذات صلة

newsletter