رغم مرور سبعة عقود على تشييدها ملجأ له ولعائلته، لا يزال الحاج مشهور فرحان يحرص على ترميم "سقيفة" أقامها بعد تهجيره في النكبة عام 1948، ولجوئه إلى حي عين مصباح بمدينة رام الله وسط الضفة الغربية، ثم أصبحت مأوى للمطاردين وتعرضت للقصف والهدم الإسرائيلي.
يقول فرحان وهو ينزل إليها متكئا على عصاه وحفيده، إنه سيعيد تجديد سقف المكان هذا العام. ولا ينسى أن هذه السقيفة آوت عائلته، وفيها تزوج وأنجب أول أطفاله، وإليها لجأ رفيقا أبنائه فايز وفواز اللذان استشهدا بالرصاص الإسرائيلي نهاية التسعينيات وخلال انتفاضة الأقصى.
في هذا العام سيذكر الحاج فرحان، الذي تجاوز عمره التسعين، قصة هروبه مع عائلته تحت نيران المدافع التي فتحتها العصابات الصهيونية على قريته قالونيا قضاء القدس. لكنه سيضيف إلى معاناته لاجئا، محاولات ترحيله مع عائلات عدة من "مخيم عين مصباح" الذي لا تعترف به وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بوصفه أحد مخيماتها الرسمية.
في أبريل/نيسان 1948 فرّ مشهور فرحان (أبو محمد) مع والديه وأشقائه، بعد أن أخبرتهم "الحاميات العربية" أن الأمر "لن يستغرق سوى أربعة أيام كي نرمي اليهود في البحر ثم تعودوا إلى بيوتكم".
كانت عائلة فرحان تمتلك قطيعا كبيرا من الماشية والبقر، وتعد من العائلات الميسورة في قالونيا، وقال فرحان إنّ والدته ونساء القرية، التي بلغ عدد سكانها في النكبة ثلاثة آلاف نسمة، بعن حليهن كي يشتري الرجال أسلحة للدفاع عنها، قبل أن تسقط في أيدي العصابات الصهيونية مع قرى منطقة القدس.
"خلوا البلد أرضا حمراء" يقول فرحان، وقد سووا البيوت بالأرض ودمروا المقبرة كاملة، وقتلوا من وجدوه بعد تهجيرها، ويذكر هنا سيدة من عائلة "لقّح" قررت البقاء في منزلها فقتلت فيه.
يقول فرحان إنه قدم مع عائلته إلى حي عين مصباح برام الله بعد نكبة قريته مباشرة عام 1948. وحتى مطلع الخمسينيات تجمع هنا نحو ثلاثة آلاف لاجئ من مناطق مختلفة بجوار نبع مياه وفي أراض محيطة قدمتها عائلات ميسورة لإيوائهم، وبقي في المكان الذي سيسمى "مخيم عين مصباح" ثمانين عائلة لاجئة اليوم.
وحتى عام 2010 حيث بدأت تقليص خدماتها، قدمت وكالة الأونروا مؤونة غذائية للاجئين في هذا التجمع وفي تجمعات أخرى نشأت فيها مخيمات غير رسمية للاجئين، وسمحت بحصولهم على العلاج والتعليم في مخيماتها الرسمية، دون أن تفتتح عيادات ثابتة أو مكاتب لها بتجمعاتهم، ولم تشرف على بنيتها التحتية أو خدمات المياه والكهرباء أسوة بمخيماتها المعتمدة.
ومنذ عام 2012 يواجه مشهور فرحان وعدد من عائلات اللاجئين بمخيم عين مصباح إخطارات بالرحيل بعد قيام جهات من محامين ورجال أعمال، كما يقول، بشراء الأراضي التي يقيمون عليها منذ سبعين عاما.
ورغم تعهد السلطة الفلسطينية بحماية وجودهم منذ عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، فإن العائلات واجهت محاولات عدة للإخلاء بقوة الشرطة مؤخرا. وقال فرحان إن ما أجّل إخلاء منزله احترام كونه والد شهيدين وتعرضه للتدمير الإسرائيلي خلال اجتياحات رام الله عام 2002.
يقول مشهور فرحان: "فقدنا أرضنا وبلادنا عام 1948 وعشنا لاجئين طيلة حياتنا، وها نحن مهددون بالترحيل بعد سبعين عاما على النكبة".
في مخيمات أخرى
وتفيد دائرة شؤون اللاجئين التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية بوجود خمسة مخيمات، بالإضافة إلى تجمعات أقام بها اللاجئون على أطراف المدن والقرى بالضفة الغربية، ولم تعترف بها وكالة الأونروا، أكبرها مخيما سلواد وقدورة في منطقة رام الله، حيث يقيم ما لا يقل عن خمسة آلاف لاجئ، إلى جانب مخيمات بيرزيت وعين عريك برام الله أيضا، ومخيم عسكر الجديد في نابلس شمال الضفة الغربية.
يقول مسؤول شؤون المخيمات بدائرة شؤون اللاجئين ياسر أبو كشك إن النزاع على الأراضي التي يقيم عليها اللاجئون منذ مطلع الخمسينيات، أصبح مشكلة يواجهها هؤلاء، وخاصة في المخيمات غير المعترف بها. وفي كثير من الأحيان تدخل الرئيس الراحل ياسر عرفات والسلطة حاليا لحل نزاعات حدثت في مخيمات قدورة وفي بيرزيت حيث أخليت عائلات لاجئة من أراضٍ تابعة للكنيسة فعلا.
تراجع دور الأونروا
وحسب أبو كشك فإن هذا الخطر يشمل لاجئين يعيشون على أراض في مخيمات تعترف بها الأونروا أيضا. وقال إنه وبعد التهديدات الأميركية بتصفية الأونروا في العامين الأخيرين، تراجع دور الوكالة في الدفاع عن أراضي المخيمات، بسبب خلو الاتفاقية الدولية التي تنظم عملها من بنود متعلقة بالنزاعات على الأراضي.
ورغم تشكيل لجنة مشتركة بين دائرة شؤون اللاجئين والحكومة الفلسطينية ووكالة الأونروا لمتابعة هذه الإشكاليات، فإن معظمها بات معلقا بسبب توقف الوكالة الدولية عن متابعة الأمر، رغم أنها الجهة التي تمتلك خرائط أراضي المخيمات.
يقول أبو كشك إن هذه المخيمات تأسست بعد فرار مئات آلاف الفلسطينيين هائمين على وجوههم هربا من الموت بعد سقوط قراهم ومدنهم في النكبة، مما حدا بالآلاف منهم إلى الإقامة في أي مساحة مفتوحة ليست ذات قيمة عقارية أو زراعية.
ويكشف عن وجود محامين يبحثون عن أصحاب الأراضي الأصليين وشرائها بأسعار رخيصة، ثم مفاوضة المقيمين عليها لإخلائهم مقابل تعويضات أو بقوة القانون، وإقامة مشاريع عقارية محلهم، وخاصة في مناطق باتت أسعار الأراضي فيها عالية جدا كمدينة رام الله، وكذلك أراض أقام عليها اللاجئون في مخيمات الأردن.
ويقدر أبو كشك أعداد اللاجئين المقيمين بالمخيمات والتجمعات غير المعترف بها بنحو عشرة آلاف لاجئ لا يتلقون الخدمات الأساسية بعد تقليص الأونروا مشاريعها حتى في مراكزها الرسمية، والتي يبلغ عددها 24 مخيما في الضفة الغربية، ويعيش بها عشرات آلاف اللاجئين الفلسطينيين.
إقرأ المزيد
https://palinfo.com/255255
جميع الحقوق محفوظة - المركز الفلسطيني للإعلام