قضايا استغلال "غير الأردنيين" في العمل تشكل الحجم الأكبر من "الإتجار بالبشر"

الأردن
نشر: 2018-07-30 07:30 آخر تحديث: 2020-07-23 09:20
تعبيرية
تعبيرية

يصادف 30 تموز من كل عام، اليوم العالمي لمكافحة الإتجار بالأشخاص، الذي أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2013، لما تمثله جريمة الاتجار بالأشخاص من انتهاك خطير وصارخ لحقوق الإنسان، يمس الآلاف من الرجال والنساء والأطفال ممن يقعون فريسة في أيدي المتاجرين،  ولا يسلم أي بلد في العالم من هذه الظاهرة وآثارها، سواء كان بلد منشأ أو نقطة العبور أو مقصدا للضحايا.

وبحسب تقرير صادر عن مركز بيت العمال الأردني، وصل "رؤيا" نسخة منه، فانه من الملاحظ على البيانات المتوفرة في الأردن حول جرائم الإتجار بالبشر أنها تشير إلى أن قضايا استغلال غير الأردنيين في العمل تشكل الحجم الأكبر من بين أشكال الإتجار بالبشر الأخرى، غير أن من الملاحظ في نفس الوقت أن نسبة ملاحقة قضايا الإتجار بالبشر تعتبر منخفضة بسبب عدم وضوح التشريعات ذات العلاقة بهذه الجريمة وخاصة قانون منع الإتجار بالبشر وتعريف جريمة الإتجار بالبشر، الأمر الذي يعيق وصول الضحايا إلى العدالة ويتسبب في إفلات الجناة من العقاب.

وتعتبر الأرقام المسجلة لحالات الإتجار بالبشر لقطاعات العمل المختلفة ضئيلة بالمقارنة مع حجم هذه القطاعات وعدد العمال المتوقع تعرضهم للإنتهاكات خاصة العمال غير الأردنيين في قطاعات العنالة المنزلية والزراعة والنظافة والمحيكات، ومن المؤكد أن هذه الأرقام لا تعكس بالضرورة الحجم الحقيقي للمخالفات التي ترتكب في هذه القطاعات خاصة وأن جزء من هذه المخالفات يتم ارتكابه في الدول المرسلة للعمالة من خلال استيفاء مبالغ كبيرة من العامل مقابل توفير فرصة العمل له وفي بعض الحالات يتم إيهامه بأنه سيعمل في دولة أخرى وبمهنة وأجر غير المهنة والأجر الحقيقيين.

ويدلل ارتفاع عدد حالات انتهاك حقوق عاملات المنازل بالمقارنة مع قطاعات العمل الأخرى على الحاجة إلى تطوير آليات جديدة أكثر فعالية لحماية هذه الفئة، خاصة في ظل زيادة عدد عاملات المنازل البالغ أكثر من 60 ألف من الحاصلين على تصاريح عمل وما يقارب من 20 ألف عاملة أخرى تعمل دون تصريح عمل حسب بعض التوقعات.

ومن ناحية أخرى، فإنه من غير الممكن أن ننكر التحسن الكبير الذي تحقق في السنوات الماضية في مدى إلتزام مصانع المحيكات مثلا بحقوق العاملين وقلت كثيرا أعداد الإنتهاكات المرتكبة بالمقارنة مع السنوات الأولى لبدء العمل في المناطق الصناعية المؤهلة، وكان ذلك نتيجة الإجراءات التي اتخذت من الجهات الرسمية المختصة خاصة وزارة العمل بالتعاون مع منظمات أصحاب العمل ومنظمة العمل الدولية وتكثيف الرقابة على المصانع، والأنظمة والتعليمات التي تم إصدارها بموجب قانون العمل لهذا القطاع ومن ذلك تعليمات القائمة الذهبية التي تمنح عضويتها للمصانع التي تلتزم بعدد من الشروط الخاصة بتحسين ظروف وشروط العمل والسكن والإلتزام بالأحكام القانونية.

الأمر الذي يتطلب أولا إنشاء قاعدة بيانات دقيقة وموحدة خاصة للعمالة الوافدة، ووضع إطار وطني واضح يحدد صلاحيات ومسؤوليات كل من الجهات الرسمية وغير الرسمية المعنية بشكل خاص بإجراءات الوقاية والحماية من انتهاك حقوقهم، واتخاذ إجراءات فعالة لضبط ومعاقبة الوسطاء غير القانونيين الذين يعملون على استغلالهم وتشغيلهم بصورة غير قانونية.

وعلى المستوى التشريعي ففي قانون العمل هناك الكثير مما يمكن عمله لتحسين ظروف العمل وبشكل خاص إجراء مراجعة شاملة للأنظمة والتعليمات المتعلقة بالعمالة الوافدة بما يتوافق مع القانون ومعايير العمل الدولية وبما يضمن معالجة أي خلل في التطبيق والحد من الإنتهاكات وتحسين آليات التفتيش والحد من المخالفات، وكذلك مراجعة عقود العمل المعتمدة وتطويرها على هذا الأساس، ووضع شروط وقواعد خاصة للعمل الإضافي وأجور العمل الإضافي تضمن حصول العمال على حقوقهم القانونية فيها، وحد أعلى لعدد ساعات العمل الإضافي المسموح بها، وإلغاء التمييز في الحد الأدنى للأجور بين العمال الأردنيين وغير الأردنيين، وتطوير آلية واضحة للعمال لتقديم الشكاوى ومتابعتها ومن ذلك تفعيل الخط الساخن للشكاوى على مدار الساعة، وتفعيل مساءلة صاحب العمل في حالات عدم تجديد تصاريح العمل والإقامة لعماله وعدم تغريم العامل أي مبالغ في هذه الحالات أو اتخاذ اجراءات بحقه كالتسفير، وضمان حرية العامل في الإنتقال من صاحب عمل لآخر، وإلغاء اشتراط حصول العامل على موافقة صاحب العمل لمغادرة البلاد، وإصدار النظام الخاص بعمال الزراعة.  

ومن خلال التطبيق العملي لقانون منع الإتجار بالبشر على مدى السنوات الماضية تبين وجود عدد من الثغرات في نصوصه وغياب لبعض الأحكام التي كان يفترض أن يتطرق لها وفق متطلبات إلتزامات الأردن الدولية من خلال مصادقته على الإتفاقيات والمعاهدات الدولية وبشكل خاص بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الإتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجریمة عبر الوطنية لعام 2000، إضافة إلى بعض التحسينات المطلوبة لتسهيل فهم أحكامه وتطبيقها من الجهات المعنية ومنها الجهات القضائية، وقد تمت دراسة أحكام هذا القانون ومراجعتها من جهات رسمية ومنظمات مجتمع مدني وحقوقيون ووضعت عددا من التوصيات التي تستهدف تطويره، ولكن ولغاية الان لم يتم إجراء أي تعديل على هذا القانون رغم مضي تسع سنوات على تطبيقه.

ورغم صدور نظام دور إيواء ضحايا الإتجار بالبشر لعام 2012 بالإستناد إلى هذا القانون للمساعدة على تأهيلهم نفسيا واجتماعيا، إلا أن عملية إنشاء دور إيواء متخصصة وفق المعايير الدولية ما زالت متعثرة وتراوح مكانها.

ورغم هذه الأهداف الجلية للإستراتيجية الوطنية لمنع الإتجار بالبشر وإطار العمل لمكافحة الإتجار بالبشر للفترة 2010-2012 والتي ضمت أربعة محاور هي: الوقاية، والملاحقة القضائية، والحماية، وتعزيز الشفافية وبناء الشراكات على كافة الأصعدة. والجهود المبذولة في تحقيق ذلك، إلا أن الواقع يشير بأن الأمر يتطلب أن يتم تطوير الإستراتيجية بمشاركة واسعة من مختلف الجهات الرسمية وغير الرسمية ومنظمات المجتمع المدني، وأن يتبع عملية التطوير خطط تنفيذية مجدولة بإطار زمني واضح، ومحددة بالجهات المعنية بالتنفيذ وبمؤشرات ذكية لقياس الأداء، وإيجاد نظام متكامل للمتابعة المستمرة والتقييم، وعلى أن تتم المسائلة للجهات المنفذة من قبل أعضاء اللجنة التوجيهية المعنية بهذا الموضوع، بالإضافة إلى كسب التأييد من جميع أطياف المجتمع وتوفير المخصصات المالية اللازمة لتنفيذ البرامج التي تتضمنها الإستراتيجية.

ولا بد من إعادة النظر في مهام اللجنة الوطنية لمنع الإتجار بالبشر بالشكل الذي يفصل بين مهامها ومهام الجهات الممثلة فيها، وتحديد مهام ومسؤوليات هذه الجهات، كما لا بد من توضيح العلاقات والمسؤوليات بين الجهات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني بالشكل الذي لا تتعارض فيه أدوار الطرفين، وإشراك ممثلين فاعلين من منظمات المجتمع المدني في اللجنة الوطنية لمنع الإتجار بالبشر وأعمالها، وأن تتولى اللجنة العمل مع الجهات المعنية على معالجة التشوهات في التشريعات والآليات والإجراءات.

أما وحدة مكافحة الاتجار بالبشر التي تم انشاؤها في العام 2013، بناءً على مذكرة تفاهم بين مديرية الأمن العام ووزارة العمل لغايات تنفيذ قانون منع الاتجار بالبشر، فعلى الرغم من الإنجازات والجهود المبذولة من قبلها في مكافحة هذه الجريمة، إلا أن هذه الجهود بحاجة لتعزيز في ظل المتغيرات الاجتماعية والإقتصادية في السنوات الأخيرة التي تزامنت مع التدفق المفاجئ للاجئيين السوريين والتوسع في تأسيس فروع لها في مختلف مناطق المملكة، والعمل على تطوير منظومة مكافحة الاتجار بالبشر بشكل عام ووحدة مكافحة الإتجار بالبشر بشكل خاص.

أخبار ذات صلة

newsletter