أصاب المجتمع الأردني في السنوات العشر الأخيرة تحولات عميقة، طاولت أدق تفاصيل حياة الناس، كل الناس، ويكفي المهتمون الاطلاع على مقارنة للبيانات الإحصائية الخاصة بمهنة الأزواج عند واقعة الزواج بين عامي ألفين وستة وألفين وستة عشر، لاكتشاف مقدار هذه التحولات.
لمزيد من الإيضاح سنتناول شريحتين، الأولى العاملون في البيع، التي ارتفعت نسبة الأزواج من العاملين في هذه المهنة، عندعقد القران، أكثر من أربعة في المئة، فهل للدخل المتأتي من هذه المهنة دور في هذا النمو؟ أم أن الأمر يتعلق بمؤشرات أخرى؟
الشريحة الأخرى تتمثل في العاملين في الانتاج والتشغيل، أي الفنيين العاملين في القطاع الصناعي، التي انخفضت نسبتهم بحدود ثمانية في المئة، فهل يعود ذلك إلى دخل العاملين من هذه الشريحة المتدني، ام إلى تراجع أداء القطاع الصناعي برمته؟
القطاع الزراعي، كقطاع انتاجي، أصابه تراجعًا أيضًا، غير أنه تراجعًا متواضعًا، بالمقارنة مع القطاعات الأخرى، وذلك لأسباب تتعلق باحتلال العمالة الوافدة هذا القطاع منذ سنوات طويلة، ولأسباب أخرى عديدة.
يعتقد مراقبون أن ما أصاب المجتمع الأردني من تحولات، وميل أفراده إلى مهن لا تمت للقطاعات الانتاجية بصلة، يعود إلى خروج الدولة من دورة الانتاج، وانكشاف السوق المحلية أمام السلع المستوردة، بعد تحرير التجارة، وانضمام الأردن إلى منظمة التجارة العالمية.
في البعد الاجتماعي سادت قيم الاستهلاك على حساب الانتاج، وبات مفهومًا أنه ليس بالضرورة أن تبذل جهدًا كبيرًا للحصول على دخل كبير، بل يكفي أن تندمج في بنية السوق المعولم، وتنحو إلى مهن الوسطاء والسماسرة، لتحقق دخلًا يكفي للزواج، ولأشياء أخرى.
ما بين العاملين في البيع، على أهمية هذه المهنة، والعاملين في القطاعين والزراعي، تكمن المعضلة، وتبرز مقدار التغييرات العميقة في المجتمع الأردني، وتظهر مقدار أهمية ما أطلقه عالم الاقتصاد الليبرالي آدم سميث "دعه يعمل دعه يمر"، وما أصاب الاقتصاد الأردني من تشوهات هيكلية، فهل نتعظ؟