أعد المجلس الاقتصادي والاجتماعي دراسة تفصيلية وتحليلية تناولت أهم التطورات والاحداث الاقليمية خلال الاعوام 2011 -2017 على الاقتصاد الاردني ودراسة الاثر المباشر وغير المباشر على العديد من القطاعات .
وتناولت الدراسة اهم التطورات وانعكاسها على كل من الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي، والدخل الحقيقي للفرد, والسياسة النقدية, والانفاق الحكومي،واحيتاطيات النقد الاجنبي، وكذلك اثرها على قطاعات الزراعة, والسياحة، والصناعة، وانعكاسها على واقع الموارد الطبيعية (الطاقة والمياه) ومستقبلها، وتأثيرها على نسب البطالة والتضخم، ونتائجها قريبة المدى وبعيدة المدى على حجم الاستثمارات الاجنبية المباشرة، وتحويلات المغتربين والتجارة الخارجية.
وقدمت الدراسة تحليلاً موضوعياً يعتمد على البيانات الاحصائية الرسمية، وطرحت في نهاية كل قسم توصيات حول المسارات السياسية المقترحة ، كما طرحت في نهاية التقرير نموذجا لمصفوفة تهدف الى تقييم نوعية الاداء وتحليل اثار التطورات الجارية والمستقبلية.
ودعت الدراسة في ملخص التوصيات الى ضرورة ان تكون السياسة استشرافية واستباقية واستراتيجية في ما يتعلق بالاحداث الاقليمية، بحيث تتحول التحديات معها الى فرص ، كما يجب الارتقاء بمستوى تنافسية الاقتصاد الاردني ليغدو اكثر قدرة على التكيّف مع الصدمات الخارجية ، الى جانب تعزيز بيئة المشاريع الاقتصادية, والتركيز على النمو والتنمية عن طريق ايجاد كيانات ومشاريع ريادية جديدة ودعمها وتمكينها لتكون قادرة على البقاء.
وتناولت الدراسة اثر التطورات الاقليمية على المملكة من جانب النمو الاقتصادي والذي يعتبر المؤشر الابرز في قطاع الاقتصاد واكثرها شمولا حيث ان مؤشرات النمو الاقتصادي سريعة التأثير بالصدمات الخارجية ، مشيرة الى ان التطورات الاقليمية لا ينبغي ان يكون لها تاثير على النمو في حال توفرت الادارة الاستراتيجية للاقتصاد والعكس صحيح .
وبينت الدراسة ان النمو الاقتصادي (الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي ) تعرض وعلى عدد من الفترات الزمنية الى تقلبات وارتفاع وهبوط نتيجة التطورات حصرتها منذ العام 1993 وحتى العام 2016 ، حيث بينت أن نسبة الناتج المحلي الاجمالي نمت بنسبة 5.3% خلال الفترة ما بين عامي 1993 و1995 وهي الفترة التي تلت عودة الاردنيين من الخليج في اعقاب حرب الخليج الثانية حيث تسببت عودة الاردنيين في العام 1992 بتراجع نسب النمو 14.3% حيث شهد هذا العام عودة ما يقارب 200 الف اردني من الكويت يحملون مدخراتهم قبل ان يعملوا على مضاعفة استثماراتهم في الاردن، موضحة ان توجيه الاستثمار العائد من الكويت وجه الى الاستثمار العقاري مما احدث ارتفاعا في نسب النمو غير انه لم يؤثر بصورة واضحة على النمو لتعود نسب النمو بالارتفاع بعد توقيع الاردن لاتفاقية السلام مع اسرائيل فتحقق نسبة نمو 6.2% جراء التفاؤل الذي اشيع انذاك بان تزيد المعونات الاميركية وشطب الديون الاردنية من قبل حكومة الولايات المتحدة .
وأشارت الدراسة الى ان معدلات النمو شهدت تراجعا في الفترة منذ العام 1996-1999 وكانت مخيبة للامال بسبب الاجراءات الاسرائيلية تجاه المعاهدة ومقتل السياح الالمان في اسوان المصرية ما تسبب في تراجع العائد من السياحة الاردنية.
وأشارت الدراسة الى ان الفترة من العام 2000-2003 بلغ معدل النمو 4.9% وكانت للانتفاضة الفلسطينية الثانية تاثيرات مبكرة على الاردن غير ان اثرها كان قليل الاهمية بالنسبة للاقتصاد الاردني لسببين وهما ان جلالة الملك عبدالله الثاني وجه الحكومة الى اطلاق برنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي والذي تموله المساعدات الخارجية للارتقاء في المستوى المعيشي للاردنيين .
وبينت الدراسة ان نسب النمو بدأت في الارتفاع لتصل الى 7.6% سنويا بعد حرب الخليج الثالثة نتيجة تدفق الاثرياء العراقيين على الاردن ودشنوا مرحلة من النمو المهم والذي استمر حتى الربع الثالث من العام 2008، حيث بلغت نسب النمو في العام 2005 8.6 ثم ارتفعت بنسبة 8.1 في العامين 2006 و2007 جراء الاستثمارات العراقية وزيادة عدد الاجانب في الاردن جراء نقل المانحين مقرات عملهم الى الاردن.
واشارت الدراسة الى ان نسبة النمو بدأت في التراجع في الربع الاخير من 2008 على اثر انكشاف شركات البورصة الوهمية التي استغلت ودائع المستثمرين وزعمت انها استثمرتها في البورصات العالمية والتي قدرت القيمة الحقيقية لها 190 مليون دينار حيث اصابت هذه الحادثة السوق المالي باثار سلبية بسبب ربط الشارع ما بين السوق المحلي والسوق العالمي .
وبينت الدراسة ان معدلات النمو شهدت انخفاضا في العام 2012 ليبلغ 2.3 % وهو هبوط حاد مقارنة بمعدلات النمو في السنوات التي سبقتها وذلك بسبب انخفاض حجم الاستثمار الاجنبي المباشر والذي وصل الى ادنى مستوى له منذ العام 2005 والى استمرار معاناة الاقتصاد الوطني بالصدمات الخارجية وجملة من الامور وعجز الاصلاحات عن تعزيز التنافسية .
وبينت الدراسة ان بداية الازمة السورية بدأت عندما دخل 100 الف سوري الاراضي الاردنية وانخفاض معدل التبادل التجاري الى النصف حيث كانت 40% من الصادرات الاردنية تمر عبر سوريا واستمر منذ ذلك الوقت دخول اللاجئين السوريين الى الاردن بالاضافة الى انقطاع الغاز المصري وهو المصدر الرئيسي لتوليد مولدات الطاقة الامر الذي دفع الى استيراد بدائل للطاقة عالية الكلفة وتكبد شركة توليد الكهرباء خسائر فادحة.
وبين التقرير ان الاردن انتهج مع صندوق النقد الدولي مجموعة من الاصلاحات التي وافق عليها الصندوق منذ العام 2014 .
واوصى الصندوق بخصوص رفع معدلات النمو ، وان يكون تقليص الدين العام نتيجة لمعدلات نمو عام وسياسة حكومية ترمي الى توجيه زيادة الايرادات المالية لتسديد الديون المحلية والاجنبية، ان رفع الضرائب خلال فترات الركود يناقض الاراء الاقتصادية المتحفظة، وفي حالة الاردن، فان الاستجابة السليمة للضائقة الاقتصادية الراهنة تتمثل في الاسراع في انفاق ما تبقى من المعونة المقدمة من مجلس التعاون الخليجي لزيادة النشاط الاقتصادي.
ان اعطاء الاولوية لسد عجز الموازنة العامة يزيد من تعقيدات السياسة الاقتصادية الداخلية، لهذا ينبغي ان تتركز السياسات على كيفية اعادة انعاش الاقتصاد لا مجرد تقليص الدين العام، فالتعافي الاقتصادي عملية ينتفع بها الشعب والحكومة معا، وتوسع النشاط الاقتصادي يعني في المحصلة زيادة عائدات الحكومة.
ويمكن اتخاذ مجموعة من الاجراءات الفورية لتشجيع النمو الاقتصادي، وذلك بالتوازي مع تنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي، ومن هذه الاجراءات ،التواصل مع الصناديق السيادية الاجنبية للاستثمار في مشاريع البنية التحتية ومشاريع الطاقة وتسهيل وتسريع عملية الموافقة على الاستثمار.
وابراز فرص الاستثمار في مجالات الطاقة، والنقل، والبنية التحتية، والصحة، والتعليم، وترويج هذه المشاريع مباشرة للمستثمرين من اصحاب الاستثمارات العالية و الدفع مقدما، بمعنى التسديد المبكر للمبالغ التي تم الالتزام بها لمقاولي المشاريع الحكومية بهدف زيادة السيولة النقدية لديهم، وهي خطوة لن تزيد من اعباء الدين لان هذه الاموال قد ادرجت في الميزانية.
والسماح باستخدام بدائل رخيصة للطاقة وباستيرادها وتسهيل التعليمات الخاصة بالترخيص والتمكين ، وتقديم اراض مجانية لمشاريع الاستثمار الكبيرة والمشاريع المتسلسة .
الدخل الحقيقي للفرد
وحول الدخل الحقيقي للفرد أشارت الدراسة الى معدلات الدخل الحقيقي للفرد في الاردن منذ الفترة 2011-2016 بينت ان نمو السكان يطرح من معدل النمو الحقيقي في الناتج المحلي الاجمالي لتحديد ما اذا كانت هناك زيادة او نقصان على مستوى الفرد ، مشيرة الى ان معدل دخل الفرد عند بداية الربيع العربي بدأ ينمو بشكل سلبي وازداد الامر سوءا مع تدفق اللاجئين وارتفاع اسعار الطاقة واغلاق الحدود مع سوريا والعراق ، مشيرة ان في العام 2016 انخفض معدل دخل الفرد بنسبة اقل بعد انحسار تزايد السكان جراء انخفاض تدفق اللاجئين الى الاردن .
وأوصت الدراسة واضعي السياسات ان يسعوا الى تمكين اللاجئين في مجال العمل، ودمجهم في نطاق الاقتصاد المنظم، وليس الانتفاع فقط بـ»وثيقة الاردن» الصادرة عن مؤتمر لندن، وعلى وكالات المعونة والمانحين عموما ان يساهموا في جهد تدريبي ضخم يشمل تدريب الاردنيين كذلك، فالتركيز على المعونة الموجهة للميزانية وحدها سيغفل عن معالجة تدني دخل الفرد للاردنيين، ومن هنا، ينبغي التركيز على حفز الاردنيين والعمال «الضيوف» على العمل، ويتطلب ذلك وضع سياسات ترمي الى تعزيز تدفق الاستثمارات الاجنبية المباشرة ودعم بعض القطاعات، لان الدين الحكومي لا يمكن ان ينخفض، كما حدث في اعقاب غزو العراق 2003 الا بزيادة النشاط الاقتصادي، ويجب ان يؤدي تخفيض الضرائب والاسراع في الدفعات المسبقة للمشاريع الجارية الان الى وضع المزيد من الاموال قيد التداول وحفز العرض والطلب.
لا يمكن الجزم بان منافسة السوريين قد اقصت الاردنيين خارج سوق العمل غير المنظم، لكن هذه المنافسة ستنتهي اذا سمح لهم بالعمل واندمجوا بالتالي في القطاع الاقتصادي المنظم، حيث يتقاضون اجورا اعلى فيزداد بذلك مستوى استهلاكهم (ويؤدي ذلك الى زيادة الطلب الكلي في الاردن)، وكذلك الاستثمارات في الاردن (وقد عانى الكثير من المستثمرين السوريين جراء استخدامهم العمال السوريين شبه المهرة في مشروعاتهم حتى عندما التزموا بالحصص التي اقرها الاردن)، كما سيسهم هؤلاء في زيادة العائدات الضريبية على ما يحققونه من مكاسب عالية، وبالتالي من زيادة معدلات استهلاكهم، وعلاوة على ذلك، تؤكد بيانات دائرة الاحصاءات العامة ان العمال الاجانب ينافسون غيرهم في 4% فقط من الوظائف التي يعزف الاردنيون عنها لانهم يعتبرونها اعمالا «مهينة».
ومن الواضح ان العمال السوريين ينافسون العمال غير الاردنيين ممن يحملون جنسيات اخرى في سوق العمل، وقد درج العمال المصريون الوافدون على قرع جرس الانذار بالنسبة للسوريين الذين يعملون بصورة غير قانونية في محافظة المفرق، ولا يقوم العمال السوريون بتحويلات نقدية الى خارج الاردن لاسباب واضحة، بينما يقوم بذلك العمال الوافدون من الدول الاخرى، ومن جهة اخرى، فان زيادة حجم تجمعات العمال الاجانب في الاردن، جعلت قوة العمل الاجنبية اقل كلفة.
السياسة النقدية - الانفاق الحكومي
وتناولت الدراسة تطورات السياسة النقدية - الانفاق الحكومي على ثلاث فترات منذ العام 2005 و2016 حيث اظهرت الدراسة ان الفترة ما بين عامي 2005 -2007 كانت فترة توسع في كل من الناتج المحلي الاجمالي والنفقات الحكومية حيث بلغ معدل النمو 8.14% بينما بلغ معدل النفقات 13% وكان معدل الترابط 81% خلال تلك الفترة .
وخلال الفترة 2008-2010 بداية ازمة الاعتمادات المالية وازمة الغاز المصري تراجعت نسب النمو الى 5.3% وظهر ان الحكومة قامت بخفض الانفاق بنسبة 8% حيث سجل معدل الترابط 100% .
وخلال الفترة 2012 -2016 بدأت فترة الانكماش الاقتصادي وارتفعت النفقات 3.3% بينما كان الناتج الاجمالي المحلي ينمو بنسبة 2.59% وكان معدل الترابط 62% وبينما كان هناك انكماش اقتصادي والناتج المحلي يشهد تراجعا قررت الحكومة تخفيض التوسع في الانفاق .
ومن خلال الدراسة يتضح ان الحكومة قامت بخفض نسب الانفاق لفترات الانكماش والتراجع بنسب النمو بينما زادت الانفاق في ضوء النمو الاقتصادي اي انها اتبعت سياسة شبه دورية وهذه سياسة تعد غير موفقة في ادبيات علم الاقتصاد لانها تحفز على التضخم.
وعليه فقد اوصت الدراسة بان تنتهج الحكومة مقاربة دورية مضادة في الدورة الاقتصادية، وبعبارة اخرى، فان عليها ان تزيد من الانفاق في حالات التعثر الاقتصادي، وان تقلل منه في حالات الازدهار الاقتصادي، غير ان الممارسة الواقعية تدل على ان ما كان يحدث هو العكس، وتجدر الاشارة هنا الى ان ذلك لا يمثل دعوة للتوسع في الانفاق، بل ينادي بتحويل الانفاق الى الاتجاه المعاكس.
الدين العام
وبينت الدراسة ان الدين العام شهد العديد من التطورات والتي دفعت الى ارتفاعه منذ العام 2004 -2016 حيث شهد الدين العام انخفاضا في العام 2008 حيث اختار الاردن شراء المترتب عليه لنادي باريس غير ان الاردن زاد في ذلك العام من قروضه المحلية بمبلغ 2059 مليون دينار تطبيقا لسياسته الرامية الى تجنب الديون الخارجية وبالتالي عدم حصر مديونية الدولة بالدائنين الخارجين بما ينطوي عليه من مخاطر والتوجه الى الاقتراض الداخلي اي من البنوك اساسا حيث شهدت الفترة ما بين عامي 2009 -2011 ازدياد شهية الحكومة للاقتراض وبخاصة المصادر المحلية فيما تراجع الدين بمعدل 15% سنويا وبين عامي 2011-2016 ارتفع الدين بنسبه 13% سنويا.
وبينت الدراسة ان السبب في ارتفاع الدين داخليا وليس خارجيا حيث دفع انقطاع الغاز المصري الى استيراد طاقة بديلة عالية الكلفة لتلبية الاحتياجات المحلية ورفع مستويات الدين.
ولاحظت الدراسة إن النسبة الحالية للدين من الناتج المحلي الاجمالي ليست جديدة على الاردن، وذلك ما تثبته الارقام والبيانات خلال الفترة الممتدة بين عامي 1992 و2003 غير ان المهم هنا ليس المعدل، بل كيفية استخدام القروض، ففي علم الاقتصاد، هناك مبدأ مشهور تتبناه كثير من الدول، يسمى «القاعدة الذهبية» ينص على ان الحكومة خلال الدورة الاقتصادية، تقترض فقط للاستثمار في تعزيز مشاريع مثل البنية التحتية ورأس المال المادي لتستفيد منها الاجيال القادمة في البلاد، وليس لتمويل النفقات الجارية.
بالاضافة الى ذلك، فان على الحكومة ان تطلع الرأي العام على هذه المعلومات، فالجهل يولد التباسات لا داعي لها، واشاعات تفتقر الى الصحة، ومخاوف غير مبررة، وهذا بدوره يؤثر على العرض والطلب بالنسبة للبضائع والخدمات، ويمتد اثره ليطال الاقتصاد برمته، كما يسهم في اثارة البلبلة السياسية، ومن الملاحظ ان التوقعات السلبية تؤثر في العوامل الاقتصادية بصورة اسرع واكثر ضررا من اي محددات اخرى، ومن هنا، فان اطلاع الجمهور على حقيقة الوضع وتبديد المخاوف التي لا اساس لها ينبغي الا تعده الحكومة مكرمة او عملا نافلا، بل هو سياسة اقتصادية سليمة وضرورية ومهمة.
احتياطات النقد الاجنبي
وأوصت الدراسة بضرورة تعريف الجمهور بها ، وتكرار ذلك ما امكن، بالمقصود باحتياطيات النقد الاجنبي وارتباط مستواها بالواردات وتغطيتها خلال فترة زمنية محددة، وان المستوى الامن المطلوب قد يكون نحو ثلاثة شهور فحسب، فهذه التطمينات المتكررة مهمة لتثقيف الناس، فاطلاع الرأي العام على مستويات الاحتياطيات في السابق ووضعها الراهن ليس امرا سيئا بالضرورة، بل هو تطور ايجابي، فليس هناك ما يمكن التستر عليه او اخفاؤه.
وكما انه ينبغي على الحكومة ان تبادر الى النقاش مع اثنتين من المؤسسات المالية الدولية وغيرها من المانحين، وان تعمل في اطار صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتحقيق مزيد من النمو، والاهم من ذلك لبدء سياسة تتمركز في الترتيبات والمبادرات التنموية، ومن الاهمية بمكان ان يمتنع السياسيون عن الاعلان امام الملأ من خلال وسائل الاعلام، ان معدل سعر صرف العملات سيواجه مخاطر اذا لم يطبق الاردن هذه الخطوة الاصلاحية او تلك، فمثل هذه التصريحات الحقت وتلحق الضرر بمستوى الاحتياطيات، وولدت في وقت سابق مخاوف في اوساط المودعين ودفعتهم الى تحويل استثماراتهم الى دولارات او نقل ودائعهم الى خارج البلاد.
قطاع الزراعة
ورأت الدراسة بخصوص القطاع الزراعي بأن الآثار الناجمة عن التغييرات السياسية والاصلاحات والاجراءات وردود الفعل السياسية وتداعياتها، على الزراعة في الاردن بين عامي 2012 و2016 تبقى غامضة في احسن التقديرات، يضاف الى ذلك ان تنافسية القطاع الزراعي الاردني لم تقيم في الاونة الاخيرة، وينبغي ان تخضع لدراسة مفصلة.
واوصت بتحويل الزراعة الى انتاج ذي قيمة اضافية افضل يعد من ابرز الاولويات، ويتضمن ذلك زيادة حجم المحاصيل وتحسين مستوى الجودة فيها، وانتاج محاصيل محددة تستفيد من التقويم الزمني الزراعي للاتحاد الاوروبي الذي يعفي الصادرات الاردنية من الرسوم الجمركية، وانتاج المزيد من الصناعات الغذائية الزراعية ذات النوعية الافضل، وتوجيه الصادرات الاستراتيجية الى اسواق جديدة، واعتماد التقنيات المدعمة الرامية الى زيادة الكفاءة في استخدام المياه، والاستخدام المكثف للتكنولوجيا في قطاع الزراعة.
قطاع السياحة
اوصت الدراسة حول هذا القطاع ومدى اهميته بان على الحكومة ان تواصل استثمار الاستقرار النسبي للبلاد والاستفادة منه، ففي الوقت الذي حققت فيه جهود الحكومة نجاحا نسبيا لتخفيف الاثار السلبية للازمة السورية على السياحة في الاردن، فان عليها ان تواصل التركيز على نمو صناعة السياحة وتنويعها، بدلا من اللجوء الى رفع الضرائب والتشدد في زيادة الرسوم وفرض القيود على التأشيرات، ولتحقيق ذلك، فان من الضروري بصورة حاسمة الاستمرار في دعم هذا القطاع من خلال «مشروع السياحة لتعزيز الاستدامة الاقتصادية في الاردن» الممول من الوكالة الاميركية للتنمية الدولية الذي خصص له 36 مليون دولار للفترة الممتدة بين عامي 2015 و2020.
وبالمقارنة مع ما ينفق على السائح في كل من مصر واسرائيل، فان ما ينتفع به الاردن لا يستحق الذكر. ذلك ان تمويل انشطة الترويج السياحي خطوة حيوية وضرورية لتوافد السياح بصورة مطردة على الاردن الذي ينبغي عليه ان يميز نفسه في هذا المضمار عن بقية دول المنطقة، ويمكن، على سبيل المثال، التركيز على ان الاردن، علاوة على ما يتمتع به من مزايا، هو الاكثر امانا وامنا وسلاما في المنطقة ان لم يكن في العالم باسره، لانه لم يتعرض للصراعات على مدى نصف قرن.
قطاع الصناعة
وقالت الدراسة انه من البديهي ان معالجة ارتفاع تكاليف الطاقة تكمن في التنويع السريع لمصادر الطاقة، وخصوصا باستخدام الطاقة الشمسية، ويتطلب ذلك نظرة اكثر تركيزا وفاعلية نحو هذا القطاع وبصورة مستعجلة للغاية.
ان تركيز الحكومة على تسديد ديون شركة الكهرباء التي كانت قد ضمنتها يتسم بضيق الافق، وينبغي على الجهود الاخيرة الرامية لتنويع مصادرالطاقة ان تحول المدخرات الى القطاعات المستهلكة الاقتصادية، كما يجب تحويل المدخرات الناجمة عن رفع اسعار النفط المنخفضة الى الصناعة، ويجب الاسراع بصورة عاجلة في تنفيذ المشاريع المؤجلة، فالاقتصاد منظومة مترابطة من العناصر، ولا يمكن فصل اي قطاع تماما عن بقية القطاعات، وعند اخذ هذه النقطة بالاعتبار، فان الموقف الكلي ازاء الصناعة سيتغير.
قطاع الطاقة
ولاحظت الدراسة انه في ظل استمرار الانخفاض في اسعار النفط العالمية، فان آثار تشويه الاسعار الناجمة عن رفع الضرائب على الطاقة ينبغي ان تخضع للمراجعة، فلا غبار على الهدف الذي تسعى الحكومة الاردنية الى بلوغه، وهو ان تغطي شركة الكهرباء الوطنية تكاليف التشغيل، غير ان العلاج الذي تم اختياره، وهو الزيادات التي لا نهاية لها في تعرفة الكهرباء، يثقل كاهل الاقتصاد الاردني، وكما اوضحت دراسة انجزت عام 2009 حول تأثيرات اسعار الطاقة على الصناعة الاردنية، فان زيادة اسعار الطاقة بنسبة 10% ستؤدي في وقت لاحق الى انخفاض الانتاج الصناعي بنسبة 6ر1%.
العمالة والبطالة
وقالت الدراسة ان منح العمال السوريين تصاريح عمل سيساهم في التخفيف من اثارهم السلبية في الاقتصاد الاردني غير المنظم وفي الاقتصاد الكلي الاوسع على السواء. وسيساعد ذلك في حماية الشرائح التي تواجه اسوأ مخاطر الفقر من بين السكان الاردنيين, كما يؤكد التزام الاردن أمام الدول العربية والمجتمع الدولي باخراج سوريا من هذا المأزق. ولا بد من اتخاذ التدابير الاحترازية المناسبة ليقوم العمال السوريون الذين سيكون وجودهم قانونياً انذاك, بدور تكميلي وليس بالحلول محل نظرائهم الاردنيين. ويمكن تحقيق ذلك عند نقص العمالة في المجالات التي تستهوي الاردنيين, مثل الوظائف في الصناعات التحويلية التي تتطلب مهارات متدنية, وفي الزراعة والخدمات الانشائية والمناطق الصناعية المؤهلة. وفي هذا السياق, فإن هذه التوصية تنسجم مع موقف الحكومة الاردنية, كما عبّرت عنه «الاستراتيجية الوطنية للتشغيل» للفترة بين عامي 2011 و2020 والتي تدعو الى مقاربة تدريجية محددة زمنياً, وتشمل جميع القطاعات لتطبيق سياسة جديدة تتيح لارباب العمل تعزيز العمالة الاردنية وليس استبدال اخرى بها.
التضخم
ان التضخم, بحد ذاته, ليس أمراً سيئاً بالضرورة, ولكن اندماجه مع الكساد في الانشطة الاقتصادية, يعني ان الجميع, عاملين وغير عاملين, سيشعرون بالضيق لأن مداخيلهم لن تكفي للمحافظة على مستوى استهلاكهم السابق, والاسوأ من ذلك ان الضرائب المتزايدة على البضائع والخدمات تُفرض على المستهلكين لا المنتجين. وكان من المفترض أن يؤدي انخفاض اسعار السلع, وخصوصاً الطاقة, الى تخفيض معدل التضخم في الاردن, بوصفه مستورداً صافياً. غير ان ذلك لم يحدث, بسبب برنامج التصحيح الاقتصادي والسياسات اللاحقة. ومن هنا, فإن الضغط التضخيمي الذي فرضه البرنامج يحتاج الى مراجعة واعادة نظر.
التجارة الخارجية
ينبغي على الاردن ان يشجع مسارات بديلة للدول التي يصدّر اليها ويستورد منها, عبر استراتيجية مناسبة لترويج وتنمية الصادرات (وقد وضعت استراتيجية في السابق ولكنها لم تفعّل), وعليه أن يتحرك باتجاه الصادرات ذات القيمة المضافة العالية. كما يجب الاستعداد لاعادة الاعمار في كل من سوريا والعراق, الامر الذي سيعزز الصادرات الى هاتين الدولتين.
ويجب استخدام السلطة السياسية والقنوات الدبلوماسية للمساعدة في فتح مسارات جديدة متنوعة. كما يتوجب التركيز على المبادرات الاقليمية, مثل انبوب النفط العراقي الاردني. وينبغي تقييم الاسواق الواسعة المستقرة مثل تلك القائمة في الدول الاوروبية بصورة افضل عبر اتفاقيات رسمية وترتيبات من شأنها تيسير النفاذ الى الاسواق. وبوسع المانحين المساعدة في هذا المجال. كما يمكن توقيع اتفاقية مشابهة لـ»وثيقة الاردن» في مؤتمر لندن مع دول اخرى.