لأنّ التاريخَ لا ينسى أبطاله، ولأن الأرضَ كبعضِ المرء له أحياناً من اسمه نصيب، كانت المعركة إسماً على مسمى.
وكان الحادي والعشرين من آذار عام ألفٍ وتسعمئةٍ وثمانيةٍ وستين، يومأ لن ينساه العدو قبل الشقيق والصديق، ففيه تجرع ذلك العدوالمتغطرس هزيمةً أعادته الى مربّع الواقع، بعد أن حَسب نفسه فرعوناً على شاكلة جيش، خاصةً أنه وقبل عام واحدٍ فقط، استطاع احتلال القسم الأكبر من فلسطين وأجزاء من الجنوب اللبناني والسوري وشبه جزيرة سيناء المصرية في هزيمة أليمة سُمّيت نكسةَ حزيران.
أهداف قادة الكيان من تلك المعركة كانت عديدة وعلى درجة عالية من الخطورة، فإسرائيل كانت تهدف من غزوها للأرض الأردنية أولاً الى : تحطيم القدرات العسكرية للقوات الأردنية وزعزعة الثقة بنفسها بعد حرب حزيران، حيث بقيت قواتنا ثابتة بحيويتها ونشاطها وتصميمها على الكفاح من أجل إزالة آثار العدوان، وكانت القيادة الإسرائيلية تعتقد أن الجيش الأردني قد تشتت بعد حرب حزيران.
ثانياً، ومع أن اسرائيل أعلنت أنها قامت بالهجوم لتدمير قوة المقاومين العرب في بلدة الكرامة، إلا أن الهدف من هذا العدوان كان مغايرا تماماً لهذا الإعلان، فالهدف كان احتلال المرتفعات الشرقية من المملكةفي البلقاء، والاقترابِ من العاصمة عمان للضغط على القيادة الأردنية لقبول شروط الاستسلام التي تفرضها إسرائيل.
إقرأ أيضاً: بالفيديو.. الجيش العربي ينشر أغنية بمناسبة ذكرى 'الكرامة'
ثالثاً، محاولة احتلال أراض أردنية شرقي النهر والتشبث بها بقصد المساومة عليها، وذلك نظراً للأهمية الإستراتيجية لهذه المرتفعات الأردنية ولزيادة العمق الاستراتيجي الإسرائيلي.
رابعاً، ضمان الأمنِ والهدوء على طول خط وقف إطلاق النار مع الأردن
خامساً، توجيه ضربات مؤثرة وقوية للقوات الأردنية التي كانت توفر الحماية والدعم والمساندة للمقاومين العرب
سادساً ، زعزعة المعنوية لدى الأردنيين القاطنين في منطقة الأغوار، من أجل نزوحهم من أراضيهم ومزارعهم ليشكلوا أعباء جديدة على الدولة، وحرمان المقاومة العربية من وجود قواعد لها بين السكان في المنطقة.
سابعاً ، المحافظة على الروح المعنوية لجيش ومهاجري دولة الإحتلال، بسبب عدم التجانس بين الغالبية العظمى منهم في التركيبة السكانية التي جاءت على شكل هجرات صهيونية إلى أرض فلسطين، والتخوف من إحاطة العرب بهم.
ثامناً وأخيراً ، تلبيةالأطماعِ الإسرائيلية بالمرتفعات الشرقية من الناحية العسكرية والإستراتيجية والاقتصادية، فمناطق الأغوار غنية بالمصادر المائية والزراعية وتشكل مصدراً اقتصادياً استراتيجيا مهماً بالنسبة للأردن.
اسرائيل خاضت تلك المعركة بفرقة مدرعةمع أسلحتها المساندة يضاف اليها كتيبة من المظليين وخمس كتائب مدفعية ثقيلة، وأربعة أسراب من مقاتلاتالميراج المتطورة في ذلك الوقت وعدد من طائرات الهيلوكبتر القادرة على نقل كتيبتين دفعة واحدة.
أما الجيش العربي خاض تلك المعركة بفرقة المشاة الأولى وتدافع عن المنطقة الوسطى والجنوبية ابتداءً من سيل الزرقاء شمالاً وحتى العقبة جنوباً وتساند الفرقة ثلاث كتائب مدفعية ميدان وسرية مدفعية ثقيلة، وكتيبة هندسة ميدان.
غرور قادة الاحتلال وصل بالتزامن مع بدء المعركة ، لأن يقوم الحاكم العسكري للضفة الغربية بدعوة رؤساء البلديات في الضفة إلى قيادته، وأبلاغهم أنهم مدعوون لتناول طعام الغداء معه في عمان والسلط، لكن وقفة الجيش العربي ومن سانده من المقاتلين الفلسطينيين، بما استطاعوا اليه سبيلاًمن الشجاعة والتضحية، وقف شوكة في حلق هذا الصلف ولم تكن الا ساعات قليلة طلب بعدها الاسرائيليون وقف اطلاق النار، تاركين خلفهم مئتين وخمسين قتيلا و واربعمئة وخمسي جريحا، وثمانٍ وثمانيآلية معطوبة وسبع طائرات مقاتلة سقطت بنيران الجيش العربي، الذي ارتقى منه ستة وثمانونشهيداً ومئة وثمانية جرحى، إضافة لتدمير ثلاثة عشر دبابة وتسعةٍ وثلاثين آلية عسكرية مختلفة.
الخلودُ دائماً ما ينحاز لصاحب الحق وهذا ما كان؛ حين فتح رجال الجيش العربي صفحة جديدة من تاريخ الصراع العربي مع المحتل الاسرائيلي، كتبوا فيها سطوراً من نور، ومرّغوا أنف الجيش الذي كان يعدّ نفسه لا يقهر في أرض الكرامة الأردنية .