في سابقة أثارت الجدل، حكمت المحكمة العسكرية الدائمة في قطاع غزة بـ «الإعدام حتى الموت» على فلسطينييْن مُدانَين بتهمة الاتجار بالمخدرات، وآخرين بالأشغال الشاقة، في خطوة تساوي بين «الخيانة العظمى» و «الاتجار بالمخدرات».
وقالت وزارة الداخلية التي تديرها حركة «حماس» في القطاع إن المحكمة أصدرت «حكماً بالإعدام رمياً بالرصاص والفصل من الخدمة العسكرية، على تاجر المخدرات ر.م، وهو عسكري برتبة رقيب من مرتبات جهاز الأمن الوطني (التابع لحكومة الحركة) بتهمة حيازة مواد مخدرة بقصد الاتجار».
وأوضحت المحكمة أنه «تم ضبط ر.م على الحدود الجنوبية للقطاع وبحوزته 40 كرتونة مواد مخدرة من نوع (عقار) ترامادول، وبداخلها 3985 حبة بقصد الاتجار».
كما حكمت المحكمة «بالإعدام شنقاً حتى الموت (غيابياً) على تاجر المخدرات ز.ت المحكوم سابقاً والفار من العدالة». وأشارت إلى أن «المدان ز.ت ضُبط متلبساً بحوزته كيس يحتوي على كمية كبيرة من المواد المُخدرة من نوع ترامادول، وحشيش، وأفيون، جلبها عن طريق الحدود الجنوبية (مع مصر) بغرض الاتجار».
وبذلك يرتفع عدد أحكام الإعدام التي صدرت منذ بداية العام الحالي إلى 14، من بينها 10 أحكام جديدة، وأربعة أحكام تأييد لأحكام سابقة.
وبلغ عدد أحكام الإعدام في فلسطين منذ قيام السلطة الفلسطينية عام 1994 إلى 185 حكماً، من بينها 165 في القطاع، و20 في الضفة الغربية. ومن بين الأحكام الصادرة في القطاع 106 صدرت منذ سيطرة «حماس» على القطاع عام 2007.
إقرأ أيضاً: 147 مولود في غزة يوميًا
كما حكمت المحكمة على «المدان ش.د، العسكري برتبة رقيب من مرتبات الشرطة (التابعة لحكومة حماس) من سكان مدينة غزة، بالأشغال الشاقة الموقتة مدة 9 سنوات، وغرامة مالية قدرها ثلاثة آلاف دينار أردني، وفصل من الخدمة العسكرية، بتهمة حيازة مواد مخدرة ترامادول بقصد الاتجار». وقالت إنه «تم ضبط المتهم... وبحوزته 200 حبة مخدرة من نوع ترامادول بقصد الاتجار في منطقة ميناء غزة، علماً أنه (الحكم) قابل للاستئناف».
كما حكمت المحكمة على «المدان ر.أ، العسكري برتبة رقيب أول من مرتبات الشرطة من سكان شمال غزة، بالسجن سبع سنوات مع النفاذ، وبغرامة مالية قدرها 10 آلاف دينار أردني، بتهمة الاتجار بالمواد المخدرة والمؤثرات العقلية ترامادول، وبالسجن مدة ثلاث سنوات مع النفاذ وغرامة مالية قدرها ثلاثة آلاف دينار أردني بتهمة تعاطيه المواد المخدرة والمؤثرات العقلية ترامادول». وأوضحت المحكمة أنها «ستُنفذ العقوبة الأشد دون سواها في حق المدان سنداً لنص المادة 75/أ من قانون العقوبات الثوري الفلسطيني لعام 1979، مع احتساب مدة التوقيف، وفصل المدان من الخدمة العسكرية سنداً لنص المادة 21 من القانون نفسه».
وكانت كتلة «التغيير والإصلاح» التابعة لحركة «حماس» في المجلس التشريعي في غزة، أصدرت عام 2013 القانون الرقم 7 الذي ينص على إعدام تجار المخدرات.
وعقب المحكمة، اعتبر الناطق باسم وزارة الداخلية إياد البُزم خلال مؤتمر صحافي، أن ازدياد عمليات تهريب المخدرات وصل إلى «حد خطير». وقال إن «هناك مخططاً لإغراق قطاع غزة بالمخدرات، وما لم يُفلح الاحتلال في تحقيقه من خلال الحروب والحصار لن يُفلح في تحقيقه في ميدان إغراق شعبنا بالمخدرات».
وأضاف أن «جهود مكافحة المخدرات تُوجت بتوجيه ضربات كبرى لتجار المخدرات كان أبرزها في كانون الثاني (يناير) الماضي بضبط مواد مخدرة تعادل قيمتها ما يزيد على مليوني دولار معدة للتوزيع في القطاع». واعتبر أن «كل من يقوم بالاتجار بالمخدرات لا يقل جرمه عن المتخابر مع الاحتلال؛ فهدفه واحد هو تدمير المجتمع الفلسطيني، وهو ما لن نسمح به بحال من الأحوال».
وقال رئيس هيئة القضاء العسكري التابعة للحركة في القطاع ناصر سلمان، إن «هناك 30 قضية أخرى من القضايا الخطيرة (المخدرات) أنهت النيابة العسكرية التحقيق فيها وأحالتها على المحكمة المختصة». وأفاد المدير العام لشرطة مكافحة المخدرات أحمد القدرة بأن إدارته صادرت منذ بداية العام «1250 فرش حشيش، و400 ألف قرص مخدر».
من جهته، عبر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان عن «قلقه البالغ تجاه هذا التطور الخطير في استخدام عقوبة الإعدام». وأكد في بيان أمس «خطورة استخدام عقوبة الإعدام أو إقرارها في قضايا المخدرات، خصوصاً في ظل غياب ضمانات المحاكمة العادلة، ووجود كثير من التقارير التي تتحدث عن استخدام واسع للتعذيب خلال فترة التحقيق، خصوصاً في جرائم المخدرات».
ورفض المركز «عرض مدنيين على القضاء العسكري، بما يمثله من مخالفة واضحة للقانون الأساسي الفلسطيني، خصوصاً المادة 30 التي تؤكد حق كل مواطن في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي». وطالب المركز الرئيس محمود عباس «باتخاذ موقف واضح ضد أحكام الإعدام في قطاع غزة، والعمل فوراً على إلغائها من القانون».
وكانت السلطة الفلسطينية نفذت منذ تأسيسها 35 حكماً بالإعدام، من بينها 33 في القطاع، واثنان في الضفة. ومن بين الأحكام المنفذة في القطاع 22 نفذتها «حماس» منذ عام 2007 من دون مصادقة عباس عليها خلافاً للقانون، من بينها ثلاثة نُفذت في 31 أيار (مايو) عام 2016، وهو أول تنفيذ لأحكام إعدام من دون مصادقة عباس بعد تشكيل حكومة التوافق الفلسطينية في الثاني من حزيران (يونيو) عام 2014.
وأكد المركز «ضرورة مكافحة جريمة الاتجار بالمخدرات»، لكنه شدد على أن «مكافحة الجريمة لا يمكن أن تكون بارتكاب جريمة أخرى، وهي إصدار أحكام إعدام خارج إطار القانون». واعتبر أن إصدار أحكام إعدام من دون سند قانوني «بمثابة إصدار أمر بالقتل خارج إطار القانون، ما يوجب محاسبة كل من شارك أو ساهم في إصدار الحكم على جريمة قتل خارج إطار القانون، وإساءة استخدام السلطة».
وقال المركز إنه «يهيب بحماس ترجيح صوت العقل في التعامل مع قطاع غزة»، معتبراً أن «إعلاء شأن القانون واحترامه هو السبيل الحقيقي للقضاء على الجريمة»، وأكد أن مطالبته بإلغاء عقوبة الإعدام «لا تعني التسامح مع المدانين بجرائم خطيرة، لكن ينبغي النظر في عقوبات رادعة تحافظ على إنسانيتنا».