أصبح موضوع النقل العام حديثاً يشغل الجمهور في الآونة الأخيرة، خاصةً فيما يتعلق بسيارات الأجرة (التاكسي) وتطبيقات حجز السيارات الذكية.
وبما أن النقل يؤثّر على ديناميكيات الحياة، فإن محاوره تثير الرأي العام وتقسمه بين مؤيد ومعارض. والتالية ذكرها معطيات وضع القطاع بشكل مبسط.
من المعلوم لدى الجميع ان قطاع النقل العام بالأردن يفتقر لأسس السلامه لمنظومة قطاع النقل العام وبنيتها التحتية، وإذا ما نظرنا إلى هذا القطاع في المدن الحديثة، لوجدنا أن سيارات التاكسي تعمل بتناغم مع أنظمة النقل العام، وتعد جزءاً مكمّلاً لها؛ من حافلات وقطارات أو أنظمة النقل السريع.
كما يجدر بالذكر أن مثل هذه المدن لا تعتمد على سيارات التاكسي في حياتها اليومية، بل يكاد استخدامها يكون ثانوياً من بين شبكة النقل العام.. إلّا أن الوضع مختلف في الأردن، فنظراً لافتقار المملكة لشبكات نقل مماثلة، أصبح الثقل الأكبر يقع على عاتق فئة سيارات التاكسي كالبديل الوحيد للتنقل.
في عصرنا هذا، بات هناك وعي أكبر بقضايا المواصلات بين صنّاع القرار والمواطنين على حد سواء، وأصبح مستخدمي سيارات التاكسي، من ركّاب وسائقين، غير راضيين عن الخدمات المقدّمة.
ولا تشير المعطيات الحالية إلى أن جودة الخدمات المقدّمة ستتحسن، والتالية هي بعض الأسباب التي ساعدت في تفاقم الوضع الحالي.
في بادئ الأمر، كانت طَبعة التاكسي تُمنح لشريحة معينة من المواطنين كوسيلة لمساعدتهم على زيادة دخلهم، ولم تكن تُباع من قِبل الحكومة.
وفي تلك المرحلة كانت أعداد سيارات التاكسي قليلة، مما ساعد في رفع الطلب عليها.
ولكن مع مرور الزمن ، وفي فترة التضخّم بالتحديد، غدت طَبعة التاكسي ثمينة للغاية، شأنها كشأن امتلاك قطعة أرض، فارتفعت قيمتها عشرات آلاف الدنانير. ولم يكن المستفيدون قادرون على التجارة بالرخص وبيعها فحسب، بل كان لهم الحق أيضاً بتوريثها بعد الوفاة. حتى أن بعض البنوك ، قامت بطرح قروضٍ لشراء رخص التاكسي، الأمر الذي كان من مصلحة الأشخاص الذين منحت لهم في الأصل.
وإذا ما نظرنا إلى موضوع امتلاك طَبعة تاكسي في هذه الفترة، فإن الوضع كالتالي: يمكن لصاحب رخصة التاكسي، شراء سيارة حديثة موديل 2017 معفية من الجمارك بقيمة 10 آلاف دينار أردني، وتشغيلها كسيارة أجرة (تاكسي).
أما إذا أردت أن تشتري تاكسي دون امتلاكٍ مسبق لطبعة، فعليك أن تضيف قيمة الطَبعة، والتي قارب سعرها الى نحو 50 ألف دينار أردني، إضافةً إلى فوائد البنك، ليصل بذلك سعر التاكسي الواحد إلى 70 ألف دينار. ومعظم هذه المبيعات تتم في السوق السوداء، دون أن يصل أي من إيرادها إلى خزينة الدوله.
وبالنسبة إلى الشخص الذي استثمر 70 ألف دينارٍ من أمواله في سيارة، فإن الطريقة الوحيدة لتحقيق عائد على هذا الاستثمار اي تأجير المركبة لسائق مقابل أجرة محددة(ضمان)، حيث أن متوسط أسعار تأجير سيارات التاكسي هي 25 دينار يومياً على مدار السنة، الأمر الذي يعد استثماراً آمناً لمالكي التاكسي.
ولا يزال أصحاب سيارات التاكسي في عمّان يشهدون إقبالاً كبيراً على تأجير سياراتهم، خصوصاً أن عدد رخص التاكسي في عمّان يساوي 11 ألف تقريباً، وهو العدد نفسه الذي كان في القِدم منذ أن كان عدد سكّان العاصمة أكثر من مليون بقليل، إلّا أن عدد سكّان عمّان اليوم يقارب الى 4 مليون نسمة ، ولا يزال عدد الرخص على حاله.
وهذا ما ساعد أصحاب سيارات التاكسي على ضمان استمرار عملهم، خصوصاً مع معدلات البطالة التي يشهدها الأردن حالياً.
وتعد العوائد المادية من تشغيل سيارات الأجرة أقل بكثير بالنسبة للسائقين، حيث يجب على السائق (المستأجر) جمع مبلغ 25 دينار بدل الإيجار اليومي للسيارة، إضافة إلى 15 دينار بدل محروقات لتغطية تكاليف تشغيل السيارة، وإذا حالفه الحظ فقد يستطيع جمع 15 دينارٍ إضافي في نهاية اليوم كأجرة له، ليجمع بالمحصلة 450 دينارٍ في نهاية الشهر.
هذه الفرضية تشمل العمل لمدة 12 ساعة يومياً، حتى أيام العطل، فأي مخالفة مرورية أو وعكة صحية أو عطل في السيارة يزيد من سوء المعادلة لسائق التاكسي.
إضافة إلى ذلك، فإن سائق التاكسي غير مشمول في الضمان الاجتماعي أو التأمين الصحي. هذا الوصف وحده كفيل بقتل الروح المعنوية والحافز لجميع السائقين، و يساهم في تقليل الجودة والكفاءة لدى القطاع بأكمله.
ولزيادة المعاناة، يخضع التاكسي للتعرفة المنصوص عليها من قبل أمانة عمان والتي تتوافق في قراراتها مع هيئة تنظيم النقل البري، حيث أن تسعيرة عدّاد التاكسي تتناسب مع وضع واقتصاد الشعب، وليس السائقين.
إذ ترى الحكومة أن سيارات التاكسي هي إحدى خيارات التنقل القليلة، لتراعي بذلك حال المواطن وعدم قدرته على دفع المزيد بغض النظر عن حق السائق وخطة عمله.
وفي الحديث عن معاناة السائقين، لا خيار للسائق سوى طاعة شروط مالكي الطبع مهما قست، سائق التكسي اليوم يحمًل عبئ قصور الحكومات المتعاقبة لتوفير وسائل تنقّل حضرية، فهو يعمل بجدّ مقابل أجر غير عادل بالكاد يغطي نفقاته.
وخير مثال يطرح في هذا الموضوع، الوقت الضائع في الانتظار (الوقوف على الإشارات أو الأزمات المرورية)، والذي يساوي أقل من دينار و 20 قرش في الساعة، (مع العلم أن شركات حجز السيارات الذكية تحاسب أكثر بأربعة أضعاف ذلك المبلغ)، إذ أن قضاء 20 ساعة في أزمات المرور الخانقة بالكاد تكفي لتغطية تكلفة إيجار السيارة.
هذا هو نفس السبب الذي يجعل العديد من سائقي سيارات التاكسي يسألون الركاب عن وجهتهم قبل الصعود، أو يطلبون منهم مبلغاً إضافياً، لأن أي وقوفٍ أو انتظار هو خسارة أكيدة بالنسبة لهم.
تلخيصاً للوضع الحالي لقطاع النقل العام، يمكننا القول بأن لدينا عدد قليل من مالكي رخص التاكسي الذين استفادوا من النظام في بادئ الأمر، العديد من السائقين الذين عملوا طوال حياتهم على أمل شراء طبعة التاكسي، إلى جانب شعب مستاء من الخدمة الموفّرة لهم، ناهيك عن هيكلية التسعيرة الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، و المجموعة الضخمة من السائقين الغاضبين، المحبطين والغير راضين عن وضعهم الحالي، والذين قد يلجؤون للعمل خارج القانون لكسب لقمة العيش. وهذه الأسباب كلها تدفع سائقي سيارات التاكسي لصبّ غضبهم على الاستثمارات الأجنبية في هذا القطاع ومهاجمة أي تقنيات جديدة قد تُشعرهم بتهديد أعمالهم.
هذه الحالة ليست مواتية، وبإمكان المجتمع التكاتف مع الحكومة والجهات المعنيّة لتعديله وإنقاذه.
فقد حان وقت التغيير، ولن يحدث ذلك دون عمل الحكومة على تطوير منظومة شاملة ومستدامة للنقل العام في الأردن وتوفير عوامل النجاح الضرورية من سياسات، تمويل، تشريعات ونظم لضمان تكاملية القرارات الحكومية بذلك الصدد.
وهنا تأتي الحاجة لإشراك القطاع الخاص في هذه المسألة، ودعمهم ليكونوا جزءاً في عملية التطوير.
فقطاع النقل قطاعٌ مُثمر، وعلينا أن نتوسّع به أكثر ونسمح للمستثمرين المهتمين أن يكونوا جزءاً منه، لندعم المجتمع بأسره من خلال خلق فرص تستوعب أضعاف العدد الحالي.
* بقلم ممثل كريم في الشرق الأوسط صبري حكيم