قد يظن البعض أن اجتماعاً لوزراء وممثلي الدول الـ 14 الأعضاء بمنظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" سيكون اجتماعا متخصصا لأهل النفط، الا أن المرحلة الفاصلة التي يمر بها اقتصاد العالم، جعلت من الاجتماع واحداً من أخطر المؤثرات على جيوب ومستوى معيشة كل مستثمر ومستهلك بالدول النفطية وغيرها من دول العالم.
إقرأ أيضاً: توقعات بخفض أسعار المحروقات الشهر المقبل
ويحاول الاجتماع المنتظر في فيينا الأربعاء، إخراج الأسعار، من نفق الهبوط المظلم، بعد أن فقد النفط مورد الطاقة الأول عالمياً، ومورد الثروة شبه الوحيد لمنتجيه نحو 70% من قيمته، وهوى سريعا من 110 دولارا إلى 38 دولارا للبرميل، بنحو عامين متسببا بأزمة تاريخية حولت ميزانيات الدول المنتجة ومنها دول الخليج إلى العجز من بعد الفوائض الوفيرة.
ولم تفلح الدول المنتجة، من داخل وخارج المنظمة، على مدى أكثر من سنة، في ايجاد صيغة تحمي بها ميزانياتها من "صقيع" الإنهيار الكبير للأسعار والذي دفع بدول عدة إلى سياسات تقشف مؤلمة، كان من بينها أن قامت دول الخليج للمرة الأولى بتاريخها برفع أسعار المشتقات البترولية والوقود والكهرباء وخفض المزايا وعلاوات الرواتب وتجميد الانفاق على المشاريع الرأسمالية.
واليوم يتطلع العالم، إلى اتفاق سيكون "تاريخياً" يضمن تقييد مستويات الإنتاج، وينتشل الأسعار من "وحل الـ 40 دولاراً" إلى مستوى يتراوح بين 50 و55 دولارا للبرميل، وهو ما سيبقي ميزانيات الدول المنتجة خاضعة للعجز، لكنه بدون شك سيخفض من قيمة العجز المؤلم، الذي يتطلب سياسات مؤثرة ستغير معها خارطة الاستثمار والاستهلاك في المنطقة عموما، وتؤثر بالضرورة على كل مواطن ومقيم بالدول المنتجة للخام الأسود الذي لم يعد ثميناً جداً كما كان بالأمس.
وبعد فشل المنظمة، بالوصول إلى اتفاق يخفض الإنتاج إلى مستوى كان مستهدفا عند نحو 32.5 مليون برميل يوميا لجميع أعضاء المنظمة، فإن دولاً مؤثرة من خارج أوبك، مثل روسيا هي الأخرى داخلة في معمعة المشاورات الصعبة، ومع ذلك فإن آخر الاحصاءات تشير إلى أن دول "أوبك" رفعت إنتاجها الاجمالي إلى 33.6 مليون برميل يوميا، فيما يمكن اعتباره تحديا للاتفاق الوشيك، أو استنفاذا لكل فرص الزيادة قبل وقوع الاتفاق.
وقبل ساعات من الاجتماع الوزاري الحاسم لأعضاء المنظمة المقرر في فيينا اليوم الأربعاء عند الساعة الثانية بتوقيت الرياض، بدأت الدول برفع سقف مطالبها، والدخول بمرحلة "لي الذراع" لكسب أي جولة قبل الوصول إلى ولادة أول اتفاق بشان تقييد سقف الانتاج، وهو ما ينظر له على أنه أول محاولة ناضجة لانتشال الأسعار من دوامة الهبوط التي دخلتها منذ أكثر من سنتين.
وبعد الفشل بالزام جميع الدول المؤثرة، باتفاق تقييد مستويات الانتاج باجتماعين سابقين بالجزائر، في سبتمبر الماضي، وبالدوحة في فبراير الماضي، فإن 4 مواقف تسيطر على مجريات الأحداث في اجتماع فيينا الحاسم اليوم تتلخص بمايلي:
1 - رؤية سعودية مشروطة
وزير الطاقة والصناعة السعودي، خالد الفالح
تشترط السعودية أكبر منتج للنفط الخام بالعالم، الوصول إلى اتفاق بآلية ملزمة فعالة وشفافة، في تقييد انتاج الدول الأعضاء داخل منظمة "أوبك" ومن ثم التوجه للتباحث مع الدول المؤثرة من خارج المنظمة. ويؤكد وزير الطاقة والصناعة السعودي، خالد الفالح، أنه من الضروري الوصول إلى توافق بين دول أوبك، واعتماد آلية محددة لتفعيل الاتفاق التاريخي الذي تم في الجزائر في شهر سبتمبر لخفض إنتاج النفط.
2 – رهان الدب الروسي
وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك
تتقاطع وجهة النظر الروسية مع السعودية، بوصف روسيا أكبر منتج للخام من خارج أوبك، لكن شرط موسكو، هو الوصول إلى اتفاق أعضاء أوبك جميعا، ومن ثم فإنها ستدخل مباشرة للاتفاق بتقييد انتاجها غير المحسوب ضمن أوبك كونها دولة غير عضوة بالمنظمة. ويقول وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، إن أحداً لا يمكنه التكهن بكيفية وصول سوق النفط إلى التوازن، موضحا أن فائض المعروض النفطي من المتوقع أن يكون مليون برميل يومياً، حتى نهاية العام، مقارنة مع 1.8 مليون برميل يومياً في بداية 2016. وأكد نوفاك أن المناقشات مع "أوبك" مستمرة على نحو إيجابي، وأن روسيا مستعدة لتثبيت الإنتاج عند المستويات الحالية، كما أنها تعمل مع المنتجين المستقلين ومن بينهم كازاخستان والمكسيك.
3 – موقف إيراني مستغرب!
وزير النفط الإيراني بيجين زنغنه
على الرغم من الشكوك في قدرة إيران على رفع انتاجها من مستوياته الحالية عند 3.7 مليون برميل يومياً، الا أن طهران تمتنع عن الموافقة على اتفاق عمره 6 أشهر يثبت انتاجها عند نفس المستوى، وتقول انها بحاجة مستوى انتاج يصل إلى 4.1 مليون برميل يومياً. وما يجعل الموقف الإيراني يبدو غامضاً وغير مبرر، من وجهة نظر خبراء النفط، إن طهران لن يكون بمقدورها وخلال فترة زمنية قصيرة استعادة قدراتها الانتاجية بعد رفع العقوبات الغربية عنها.
ويقول وزير النفط الإيراني بيجين زنغنه إن بلاده على استعداد للإبقاء على إنتاجها النفطي عند المستويات التي اتفقت عليها أوبك اثناء اجتماعها في سبتمبر أيلول في الجزائر. وأبلغ الوزير الصحفيين ردا على سؤال حول ما إذا كانت إيران ستخفض إنتاج النفط جنبا إلى جنب مع غيرها من أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) "سنبقي الإنتاج عند المستوى الذي حددناه في الجزائر."
4 – العراق يريد تمويلا لقتال داعش!
وزير النفط العراقي جبار لعيبي
تعذر العراق أمام مفاوضات تقييد الانتاج النفطي، بحاجته إلى زيادة التمويل من أجل مقاتلة الجماعات الارهابية وتحديدا تنظيم داعش الإجرامي، لكن وزير النفط العراقي الجديد، جبار لعيبي، وصف المرحلة الاقتصادية الحالية بأنها تتطلب من الدول المنتجة للنفط داخل أوبك التنسيق والتوافق فيما بينها.
وشدد الوزير العراقي على ضرورة التوافق في أوبك وخارجها على صيغ إنتاجية لرفع سعر البرميل خلال المرحلة المقبلة بما يضمن مصالح اقتصاديات الدول المنتجة والحيلولة دون هبوط آخر للأسعار. وأكد أن العراق يؤيد هذه السياسة والتوافق مع الدول المنتجة عموماً على سياسة من شأنها رفع الأسعار. يذكر أن العراق ينتج حاليا ما يقرب من 4.5 مليون برميل يوميا من عموم انتاجه في الجنوب والشمال، ويسعى للوصول بإنتاجة إلى 5 ملايين برميل نهاية هذا العام.