منذ اكثر من عامين لاحظ الجميع انخفاضا في حوادث العنف والمشاجرات الجامعية وقد استبشرنا خيرا وظن المتفائلون منا اننا ودعنا الى غير عودة احدى اهم الظواهر التي اساءت الى جامعاتنا ونالت من سمعة التعليم العالي ومؤسساته في بلدنا. الدراسات التي اجراها الباحثون للتعرف على الظاهرة ودوافعها والمتغيرات التي ساعدت على نموها اسرفت في توصيف الظاهرة وتكرار وقوعها ومستويات تحصيل المشاركين فيها وتخصصاتهم على اعتبار ان المشاركين في الاحداث فئة تختلف عن بقية اقرانهم ومتجاهلين لحقيقة ان العنف ظاهرة مجتمعية تعبر عن نفسها في الجامعة والحي والمدرسة والشارع وكافة فضاءاتنا العامة والخاصة وانها تخبو وتنشط تبعا للظروف والاوضاع والظروف التي قد تؤدي الى تفجرها.
العنف الجامعي ظاهرة شبابية تعبر عن ازمة الجيل الذي اصبح يعيش مرحلة عمرية يعاني منتسبوها من الاحساس بالضياع وفقدان الهدف واعتلال الادوار واختلال العلاقات و تلاشي الفرص والاحلام . فالشباب يمضي الاف الساعات في برامج وانشطة لا تثير اهتمامهم والجامعات التي اقيمت على وعد التنمية والتغيير تتراجع ادوارها لحساب قيم العشيرة والطائفة والتشكيلات الجهوية التي اصبحت تهيمن على كل الفضاءات وتفرض ايقاعها على الجميع.في مجتمعاتنا اليوم خطاب رسمي شكلي تتبناه المؤسسات وتعمل على نشره وتوزيعه بين الشباب الذي يعرض عن الخطاب ويقابله بالشك والتغاضي وقلة الاكتراث.
ما حدث في الجامعة الاردنية على مدار الايام الماضية ليس مستغربا ولا جديدا فهو امتداد طبيعي للظاهرة التي تولدت في بلدنا خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي ونمت لتصبح جزءا من الروتين اليومي لجامعاتنا خلال العقدين الماضيين. في جامعاتنا اليوم يشكل الطلبة تنظيماتهم على اسس قبلية وجهوية فيتنافسون على مقاعد الجمعيات والاتحادات الطلابية بصفاتهم العشائرية والطائفية , ويعتبرون الفوز بالمقاعد كسبا عشائريا وجهويا اكثر من كونه نجاحا لبرنامج او اتجاه طلابي. ولا تتوقف العشائرية والجهوية عند حدود الانتخابات الطلابية والتجمهر في الساحات والميادين بل تمتد لتشمل اختيار المواد وترصيد العلامات واقتسام الفضاء العام للحرم الجامعي.
جامعاتنا مختبرات صغيرة تعكس ما يدور في مجتمعاتنا المحلية وعلى الساحة الوطنية فالانتخابات البرلمانية تجري على خلفية عشائرية والمواقع العامة توزع على هذا الاساس والمقاعد الجامعية تعطى كامتيازا لبعض العشائر. الدولة التي تنادي بالمجتمع المدني وسيادة القانون ترتب شؤونها على ارضية عشائرية.
ما حصل في الجامعة الاردنية لن يكون الحادث الاول ولا الاخير فالاستجابات للحادثة كانت عشائرية حيث حملت الاخبار انعقاد اجتماعات لرجال من الجنوب واخرين من السلط ليدينوا ما جرى في الجامعة الاردنية وللتعبير عن استنكارهم للاحداث باعتبارها تتنافى مع القيم التي تؤمن بها هذه القيادات التي قالت ان رؤيتها مستمدة من ما نادى به جلالة الملك.
إقرأ أيضاً: مجلس التعليم العالي يستنكر ويتوعد المتورطين بأحداث الجامعة الأردنية
الشباب الذين سيعودوا الى الحرم الجامعي يوم الاحد لم يشاوروا الوجهاء ولا ينتظرون مباركتهم او رفضهم فهم يعيشون واقعا لا يرضون عنه ويحتاجون الى برامج وفرص غير تلك التي نقدمها لهم. شبابنا يحتاج الى ان يرى حالة مجتمعية يتفق فيها القول مع الفعل والسياسات مع البرامج والوعود مع التجربة المعاشة. سلوك طلابنا في الجامعات حقيقة مريرة تكشف عن حجم الزيف والتناقض الذي يعايشه المجتمع والجامعات معا. فلا يلبث الشاب الذين يلتحق بمؤسساتنا على وعد التنمية والتطور والتغير التباين بين الوعد والواقع وبين الخطاب والممارسة بعد ان يجد نفسه في مؤسسة تقليدية تحكمها التقاليد والشللية والولاءات الفرعية التي تجبره على ان يختار بين النفاق او الانسحاب. الفشل في بناء مؤسسات عصرية تملك القدرة على المنافسة والنظر الى ممارسات الشللية والمحسوبية التي ندينها علنا ونمارسها سرا هي بعض العوامل الكامنة وراء ظواهر العنف التي تجتاح فضائنا العام لنجد شبابنا يجوبون فضاءاتنا التعليمية في مارشات عسكرية يعتدون على من قد يواجههم بوحشية غير مبررة . اعتداءات الجماعات القديمة الجديدة في السيوف والمراجل والحراب هي تعبير شبابي عن الرفض لحالة التردي التي يحاول بعضنا تجميلها باستخدام خطاب مثالي ممل لا سند له على ارض الواقع.