عاد الحديث مؤخراً الحديث حول الهوية الوطنية، ورموزها الجامعة، وتحدث البعض عن غياب ذاكرةٍ جامعة تصهر الأردنيين، ودور الدولة في تكريس هوية وطنية عبر أدوات وأطر كالمناهج الدراسية وغيرها.
وفي هذا السياق لا بد من القول أن الهوية بتعريفها البسيط رموز جامعة تشعر جماعة من الناس بوحدة الذاكرة الجمعية ووحدة الرموز، وينسحب ذلك إلى الفلكلور والإرث وجوانبه المادية والمعنوية .
والشعب الأردني نجح وعبر تسعة عقود وأكثر من عمر الدولة في خلق هويته وخصوصيته، على رغم ما شاب هذه المسيرة من تحولاتٍ حفرت عميقاً في الذاكرة الأردنية و أسهمت في افراز سلوك اجتماعي وسياسي ، وحتى اقتصادي ذو سياق واحد ، حتى تكاد تشعر - على رغم قِصر عمر الدولة نسبةً لتشكيل هوية - بأن الهوية الأردنية تشكلت سريعاً، ويعود ذلك إلى أنها تشكلت،والدولة مطلع القرن الماضي في منطقة جغرافيةٍ لها حضورها وسياقها الجغرافي ودورها، كسائر الدول المجاورة، ولكن المنطقة كانت بكراً بالمفهوم المدني، بما ساعد على نضوج هوية مرتبطة بتقاليد الدولة، فتبادلَ الأردنيين والدولة الدور في أن كل منهما منح الآخر الشكل واللون والرمزية .
فالأردني في أمثاله السائرة صاغ من الدولة مفردةً تمثل في وعيه قوتها ومقدرتها على تحقيق ما تشاء ، كقوله في المثل الدارج " حظ الدولة قوي" في إشارةٍ منه لهيبتها ، وتستطيع أن تستطلع ذلك أيضاً في أعراس الأردنيين إذ يرفعون علم دولتهم كتعبيرٍ عن الفرح، ويعتبروه منذ عقود أحد مظاهر الزينة، وفي مناسباتهم الاجتماعية أدخلوا الدولة في صميم تقاليدهم ، فالوجاهة في الأعراس باتت تتحدد في وزن رئيس الجاهة ، ولقبه ، ومنصبه السابق، ومظاهر أخرى عمل فيها مجتمعنا على "إحلال" هذه النخبة التي أنتجتهاالدولة، محل الشيوخ ودورهم السابق في حل الكثر من المشاكل، ولربما تكشف صكوك الصلح بين العشائر عن مدى هذا الاحلال، حتى في الجانب الثقافي ، فإن المثقف الذي لا يمر عبر هياكل الدولة الادارية فإن حظوظه من الحضور تقل.
هذه الحالة جزءٌ من هوية الأردنيين، وهي نتاج طبيعي لمجتمع تشكل سريعاً، وما أود الإشارة له هو أن سبب التشكل السريع هو مقدار التسامح والمواءمة لهذه الهوية مع محيطها العربي، بالإضافة للشرعية الهاشمية الأصيلة التي عززت السير نحو الدولة ، وأوجدتها.
أما دعوات البعض لتمييع الهوية والبحث ذاكرة جمعية .. فهي دعوة ليست بمحلها فتستطيع صناعة أي شيء .. إلا الحس والحالة الواحدة والتاريخ الانساني .